Al Jazirah NewsPaper Wednesday  20/05/2009 G Issue 13383
الاربعاء 25 جمادى الأول 1430   العدد  13383
التلذذ باللقمة أمان من السمنة
هلا السليمان

 

اعتدنا أن نسمع في عالم الصحة أن الطريق إلى الرشاقة وتخفيف الوزن هو في الابتعاد الصارم عن أنواع معينة من الطعام وفي زيادة المجهود البدني وتناول الأغذية المساعدة على حرق الدهون، هذا كله صحيح لكن المفارقة التي يجب الانتباه إليها هي أن هذا الجسد لا يجب أن يعاند بهذا الشكل فعناده وحرمانه يجعل اللاشعور فيه يستعد لإعلان حالة الطوارئ التي تحفز الاقتصاد في صرف الطاقة وزيادة القدرة على التخزين ومن ثم زيادة الوزن بشكل أكبر بعد ترك الرجيم لذلك يجب أن يعامل الجسد باحترام و(تفاهم).

فهذا الجسد له لغته التي يجب أن نفهمها بعد أن نسمعها، فهو يحدثنا كل يوم وقلّ من يفهم لغته، فكثيراً ما نتجاهل المؤشرات التي يستغيث بها الجسد طالباً منا أن نعدل في أسلوب معاشنا.. ومن هذه الدلالات ذلك التعب والإرهاق أو الصداع والتحسس والهبوط العام والأمراض المختلفة، وهذه النداءات التي نخمدها بحبة من دواء مركزين على العرض متجاهلين السبب وراءه.

في أوروبا وكما هو معلوم نجد معدل الزيادة في الوزن أقل بكثير مما هو الحال في أمريكا وغيرها من دول العالم التي تعاني الأمرين بسبب تفشي مرض السمنة فيها، والسبب في ذلك هو ما هو معلوم من حرص الأوروبي عامة والفرنسي خاصة على بروتوكول المائدة ومدى حرصه على التلذذ بالوجبة التي يتناولها، بينما يركز الأمريكي على الوجبات السريعة والأكل على الماشي لإشباع الجوع بنهم وملء المعدة التي تتسع كل يوم مع كل لقمة جديدة.

وهذه حقيقة... فالتركيز على الأجواء التي نتناول فيها الطعام وزمانه ومكانه والطريقة التي نسلكها أثناء تناوله كل ذلك له دوره في فتح العيون المغلقة أثناء الأكل والتي يبدو صاحبها منهمكاً في محاولة للشعور بشيء واحد وهو سحب أكبر كمية من الأكل حتى يصل على التخمة وعدم القدرة على التنفس.

فلنجلس إذاً في هدوء ولنخصص متسعاً من الوقت لتناول وجبتنا بتؤدة وطمأنينة ولنلتزم بآدابنا الإسلامية أولاً في الأكل ولا بأس بأخذ ما لا يتنافى معها من الآداب والإتيكيت، ولنأكل في هدوء مع إحسان المضغ حيث ركز الفقهاء على إحسان المضغ تركيزاً عظيماً في كتب الفقه، وكل العلوم الطبية الحديثة تركز عليه بطريقة جادة.. ففي مضغ الطعام تدريب على الصبر وتعليم للتأني ودلالة على البعد عن النهم القبيح، كما فيه فائدة كبيرة للفكين اللذين لم تعد أضراس العقل تجد مكاناً فيهما لتنمو مما جعل مكان أضراس العقل هو سلة مهملات أطباء الأسنان، نعم مضغ الطعام جيداً حل لكثير من مشاكلنا الصحية وإدخال للطعام بصورة مثالية إلى الجهاز الهضمي ليبدأ رحلة الهضم بيسر وسهولة.. أما من ناحية الوقت فإن الوقت الذي نقضيه في مضغ لقمة واحدة مضغاً جيداً هو نفس الوقت الذي نتناول فيه ثلاث أو أربع لقمات بسرعة مما يعني أننا بإحسان المضغ ق قللنا كمية الطعام إلى أقل من النصف مع الدلالة أن الدماغ يرسل إشارات الشعور بالشبع وفقاً لمعايير كيميائية تتعلق بكمية السكر الذي يغذيه في الدم وليس بمدى امتلاء المعدة بالطعام، لذلك فإن الوقت الذي يشبع فيه الدماغ ونحن نتناول الطعام بسرعة أو ببطئ هو نفس الوقت في الحالتين والخيار لنا أن نختار السرعة أو البطئ.

والنقطة الأخرى هي حجم اللقمة وهذه قصة ثانية لو وقف عندها اللبيب لما احتاج إلى حرمان نفسه من شيء من الطعام ما امتدت به الحياة.. وإني لأعجب لأناس يأكلون لقمة لو قسمت لكفت عشر لقم عند غيرهم، ولو أكلوا بالعقل -أعني بطريقة عقلانية- لاستفادوا كثيراً، وهذه تجربة علينا أن نركز عليها بصدق وهي أن ننتبه لحجم اللقمة بين يدينا، فالأمر مهم أخلاقياً أولاً وله دلالات تتعلق بالنهم والحرص على الاستحواذ اللاشعوري لأكبر كمية من الملذات، ومن الأمثلة على ذلك ما قد يستفيد منه (عشاق الشكولاته) بذكاء وهو أن طعم قطعة الشكولا الصغيرة والتي هي بحجم حبة الحمص هو نفس طعم القطعة الكبيرة وبالتالي فإن االمغرمين بهذه اللذة يستطيعون التمتع بها وعدم الانقطاع عنها إذا تعاملوا مع الأمر بذكاء، ففي الترفع عن عادة تكبير اللقم دلالات على الترفع والرقي وفائدة عظيمة في تقليل كمية الطعام الداخل للجسم وبالتالي تقليل السعرات الحرارية المسببة للسمنة.

وإيقاظ القدرة على التلذذ والإحساس بلذة الطعام والتمتع بالمذاقات المختلفة له دور كبير في تطليق الشراهة طلاقاً بائناً، فالله الذي خلق كل هذه الأصناف المختلفة المتباينة من الطعوم والمذاقات العجيبة المختلفة من بلد إلى آخر قد أكرمنا بنعمة تستحق شكرها والتمتع بها، فالإقبال المباح على الحياة وملذاتها يعلمنا أن نتلذذ بما نأكل، فربي لم يخلق هذا التنوع عبثاً ومن التفكر في هذا الاختلاف تذوقه وشكر الله عليه وشكر من تفنن في طبخه وإعداده تواصلاً ومحبة، ولن يكون ذلك إلا بتأن يشبع الذائقة واحترام لما هو أمامنا من طعام بعيداً عن الشراهة والذهول، فمعدتنا ليست خزاناً للوقود بل هي بيت الداء والدواء.

لك أن تبتكر طريقتك الخاصة التي تقلل بها من الطعام، فهذا خيارك ولتكن السنة المطهرة نوراً لك في ذلك.

تأمل.... أن نتحكم في نزعاتنا فهذا يصيرنا سادة لأنفسنا وأن تتحكم هي بنا فهذا يصيرنا عبيداً لا أحراراً.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد