Al Jazirah NewsPaper Friday  22/05/2009 G Issue 13385
الجمعة 27 جمادى الأول 1430   العدد  13385
حولها ندندن
وطن يستولي على الشغاف
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 

موطني يا من انغرستْ محبتك في الأرواح قبل الأجساد، وتغنى بحبك الأجداد والأبناء والأحفاد، يا من لا تفتأ أرضك تسكب الجمال صبحاً وغداةً وعشياً في حنايا الكون، وترتدي رداء القدسية عبر السنين، العروبة والإسلام هما جناحاك للمجد التليد، قلوبنا زهر خزامى نبتت في صحرائك المخصبة بالحب والخير، المتدفقة بعرق النشامى، المورقة بالنماء والعطاء.

الكل يشدو بنشيد حبك، ولكن هل جميعهم صادقون فاعلون، أم هو مجرد حبر على ورق تزيله ممحاة الزمن، وكلمات جوفاء تذروها رياح الحياة؟ فهل قرنوا القول بالفعل؟ هذا الوطن الذي يفتح أذرعه طيلة الوقت ليحتضننا مهما ابتعدنا عنه بقلوبنا أو بقوالبنا، ألا يستحق منا حباً بالأفعال والأقوال معاً؟ إذن لابد من سريان الوعي الوطني ليشمل أبناء هذا الوطن شيباً وشباباً من حفيدات حواء وأحفاد آدم، الجميع سواسية وكلهم جنود لهذه الأرض الطيبة، مهوى أفئدة المسلمين في جميع أصقاع المعمورة منذ غابر الأزمان، حبه عبادة، والسعي لخدمته جهاد.

هل رأيتم تلك الوالدة الرءوم التي تحتضن أبناءها جميعهم بحب وحنو، لا تفرق بين أحد منهم أبداً، فالكل لديها سواسية، إنها بلادي ذات الثرى القدسي، هي مجموعة غرسات تاريخية عتيقة متجددة، فالوطن هو الأم الحنون التي ترمز للأمن والسكينة والاحتواء والمشاعر الجياشة الصادقة، وتنمّي في أبنائها معاني الود والطهر والتسامح.

ولكن هل أدى هؤلاء الأبناء دور البرّ المتوجّب عليهم دون من أو أذى؟ فكم هو عجيب أمر ذلك الذي يدّعي حب الوطن ثم يطعنه بخنجر غائر في الصميم! أو ذلك المدّعي الآخر الذي يريد أن يأخذ ويأخذ، بيْد أنه ضنين بالعطاء! وأعجب منهم أولئك المتشدقون بحب الوطن حباً سطحياً يفتقد المصداقية والعمق، فتنقطع أنفاسهم اللاهثة عند أدنى عقبة!

المؤرخون منذ ابن خلدون يقررون دائماً وأبداً بأن انقراض الأمم ليس هو انقراض النوع، إنما هو اضمحلال الذات الفاعلة المؤثرة البانية، فقد تبقى الشعوب ولكن تندثر المبادئ القادرة على الارتقاء بتلك الشعوب إلى مستوى الخلود البشري، فتصبح نسياً منسياً، أو على الأقل تكون على هامش الحياة.

فهلاّ اتبعنا أقوالنا بأفعال حقيقية تنضح بالإيجابية الفاعلة المولودة من رحم الدين؟ مسهمين ذكوراً وإناثاً في كل ما من شأنه رقيّ وطننا العظيم ورفعته وعزته وكرامته وأمنه وإيمانه، في شتى الميادين الحياتية، لا يسقط الحق في ذلك عن أي أحد كائناً من كان، حتى لا يختل توازن السفينة، فيكون مصيرها الغرق لا قدّر الله، ولكي نحفظ النخلة من الذبول ويستمر خراف تمراتها الغنية بالأصالة.

إن أولى أولوياتنا الحفاظ كل الحفاظ على مقدرات بلادنا الحبلى بالخيرات، المكتنزة بالنعم العظيمة المتدفقة، التي طال خيرها الداخل والخارج، والاعتراف بأفضال هذا الوطن ونعمائه، عن طريق غرس معاني الانتماء الوطني في نفوس الجميع منذ نعومة أظفارهم، وتوظيف هذا الحب لنفع بلادهم وقاطنيها، فالوطنية أخذ وعطاء، وليست استحواذاً وأنانية مفرطة.

فليتنافس في حبك المتنافسون يا بلادي، أيتها العروس المتلألئة المتجددة عبر عمر الزمان، يا من يفوح منك عبق الورد اليثربي، وأريج الزهر المحمدي، ويطوّق جيدك البيت العتيق، وليتسابق فرسانك الجسورون للتصدي لكل يدٍ آثمة تسعى لتمزيق وحدتك أو النيل من هيبتك، ملطخة يديها بعار التخضّب بدمائك الطاهرة.

والعجب كل العجب حينما يدّعي هؤلاء المفرّطون وأولئك الغاوون حبك يا موطني، أم أنه حب تذروه الرياح، لأنه ليس الحب المتأصل في الوجدان، المدعم بالسلوك القويم؟ أو أنه ذلك الهوى الأثيم الذي يستهدف بنياننا المرصوص؟! بل إنك يا نبع التاريخ وطن يتسع لطموحات جميع أبنائه على اختلاف أطيافهم، فلتتسع لك كل قلوبهم.



g.al.alshaikh12@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد