الشباب هم الثروة الحقيقية للمجتمعات وهم عدتها وأسباب تقدمها، وفترة الشباب هي من أشد الفترات أثراً في حياة المرء وسلوكه، والمرحلة الجامعية هي من أعظم مراحل التعليم تأثيراً على فكر الإنسان وتوجهاته!! بل هي المحك الرئيس لترسيخ المبادئ والثقافات؛ لم لا وطبيعة هذه المرحلة أنها ذات خصائص ومميزات يجعل الطالب الجامعي يدرك ويحلل المعلومة ويطرح الأفكار ويناقشها؛ بطابع الجرأة والشجاعة، فمرحلته مرحلة فكر واسع، ونفس تواقة، وروح متحمسة، ودافعية متجددة، وعاطفة جياشة، لها أثرها البالغ في المعتقد والتفكير والتي تحتاج إلى نظرة علمية؛ تتصف بالرحمة واللين، وتتميز بالصدق والشفافية، وتنتهج منهج الحوار الهادئ البناء.. وكم أسعد قلوبنا وأثلج صدورنا عندما نرى جامعة عريقة مثل جامعة الملك سعود تتبنى هذا المنهج من خلال كرسي جامعي علمي أكاديمي يحمل اسم رجل تميز بالحنكة السياسية والقيادة الفكرية والرؤية الثاقبة صاحب السمو الملكي نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية - حفظه الله - ذلك الكرسي العلمي الذي يهدف في الأساس إلى تأصيل مفهوم الأمن الفكري وفق أسس منهجية، ورؤى علمية.. منبثقة من دراسات وبحوث أكاديمية متخصصة تطرح قضايا الفكر ومدى أهميته في الإسلام الذي يعد من الضرورات الخمس الذي جاء الإسلام بالمحافظة عليها. والفكر السليم هو نتاج للعقل السليم الذي سلم من الأفكار الضالة والشبه المنحرفة. وكلنا نعلم أهمية العلم الشرعي الراسخ ودوره الإيجابي على الفكر فالله تعالى يقول {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} وهذا يبين أثر العلم والولاية على سلامة الاستنباط والتفكير. كما أن لتعزيز مفهوم الأمن الفكري الشامل بجميع أنواعه المقروء والمسموع والمشاهد والأمن الإلكتروني لا يقل أهمية عن الأمن الحسي إن لم يكن أهم وأخطر لأنه يأتي من خلال المواقع التي تدعي سلامة الفكر وصحة المنهج وهي في حقيقتها السم الزعاف الذي يبث سمومه وأفكاره وتهدم المعتقد وتشكك في الثوابت وتنشر العداوة وتزرع الفرقة وتنمي الفتن والقلاقل من خلال مواقع وصفحات مجهولة الاسم والمنهج.
إن مفهوم الأمن الفكري وتعزيزه من خلال مؤسسات المجتمع كله البيت والمسجد والمدرسة والإعلام لا يكون إلا من خلال رؤى مستفيضة، وخطط مدروسة؛ قائمة على مناهج شرعية مؤصلة، ودراسات ميدانية مقننة، وتجارب واقعية ملموسة يظهر من خلالها أثر المناهج الدخيلة على ديننا ومجتمعنا ونتائج المبادئ المنحرفة والأفكار الضالة على أبنائنا وشبابنا التي كان من أعظم أسبابها البعد عن هدي سلف الأمة وعلمائها.. وكرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري هو نموذج فريد من نوعه، متميز في طرحه وأسلوبه سيكون له الأثر البالغ بإذن الله في نشر ثقافة الأمن الفكري المؤصل القائم على الكتاب والسنة والمنطلق من خبرات وتجارب عميقة على أبنائنا وشبابنا بل وأمتنا جمعاء؛ ومن نتاج هذا الكرسي انعقاد المؤتمر الأول للأمن الفكري - المفاهيم والتحديات- تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- مما سيكون له آثار إيجابية محمودة على صعيد الأمن الفكري والوطني.
أخيراً التوحيد والأمن قرينان لا يتفرقان وشيئان لا يختلفان: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } فلن يتحقق التوحيد إلا مع الأمن ولن يكون الأمن إلا مع وجود الإيمان.
Saad.alfayyadh@hotmail.com