Al Jazirah NewsPaper Friday  22/05/2009 G Issue 13385
الجمعة 27 جمادى الأول 1430   العدد  13385
سلوك العنف.. والعنف المضاد
مندل عبدالله القباع

 

نتناول قضية عصر مكتظ بالمتغيرات والمواقف والظروف والأحداث، ويمثل العصر مرحلة زمنية، ونقطة محورية على مسافة التاريخ، ولم تقتصر أحداثه على مكان بعينه، وإنما تشمل المساحة الكلية التي يشغلها العالم في الشمال والجنوب، ولم تؤثر في فئة دون غيرها بل تشمل النوع الإنساني كله.

ورغم هذه الحقيقة إلا أننا سنركز على مجتمعنا السعودي الذي نعيش بين جنباته وننعم بمعطياته ونستظل بظله وننتمي إليه وجوداً ومكانة.

وإزاء ذلك نتناول قضية اجتماعية لم تكن إفراز العصر (عصر العولمة)، لكنه أثر فيها بفعل مكوناته ومتغيراته، قضية ارتفع فيها الصخب والضجيج؛ نظراً إلى انتشارها وتجاوزاتها، فقد أصابت الكبير والصغير بالقلق وصارت تحدياً يثير الاضطراب والتوتر والتردي في هوة الإحباط.

هذه القضية هي قضية (العنف)، وهو سلوك صدمي وضدي موجه للآخر لقهره وممارسة الضغط عليه باستخدام القهر والقسوة والإكراه البدني أو المعنوي.

العنف سلوك محتقن بشحنة عدوانية موجهة للإيذاء والإساءة والإضرار بالآخر.

إذن فسلوك العنف هو نتاج دوافع عدوانية يلزم تقصيها للوقاية أو العلاج، والعنف كما قيل إنه سلوك يتمثل في أي فعل لفظي أو جسدي أو إكراه موجه إلى شخص، وينتج عنه أذى نفسي أو جسدي أو حرمان، ويعمد إلى وضع شخص ما في وضع متدنٍ.. على الرغم منه.

ويتبع سلوك العنف العديد من المشكلات النفس اجتماعية مثل الشعور بالعجز والفشل والدونية، وعدم الكفاءة في مواجهة المواقف الصدمية الضدية، ومن ثم عدم الشعور بالأمن النفسي والاجتماعي.

إنّ سلوك العنف سلوك مضطرب يعيق الفرد عن إقامة علاقات سوية تبادلية مع غيره من بني البشر؛ فيتراجع التماسك والتوازن والانسجام المحلي، ويحل محله التعصب والصراع والتطرف والانحراف والفساد؛ ما يقوض دعائم المجتمع ويختزل رؤيتنا للمستقبل ويعيق التزامنا بالتنمية المستدامة ويبطئ مسيرة الإصلاح والتقدم والنهضة التي نتمناها لبلادنا؛ ما ينذر بجائحة الخطر الداهم؛ لأن سلوك العنف سلوك مرضي وبائي مُعْدي (بالمحاكاة) سريع الانتشار بين الجماعات (مدرسة - ناد - مركز تدريب - تجمع شبابي - أسرة - مؤسسة عمل - مدينة طلابية - التجمعات العشوائية.. وغيرها).

وإننا نلحظ بحكم المهنة والخبرة أن سلوك العنف بادٍ في مجتمعنا وآخذ في الانتشار ويزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.. وهو لم يأتِ من فراغ ولكن يرجع لأسباب وعوامل أسرية واجتماعية مثل: غياب الضبط الاجتماعي داخل الأسرة، وغياب برامج الإرشاد والتوجيه النفس اجتماعي لدى مؤسسات الضبط الاجتماعي الأخرى، والتسيب فيما يبثه إعلام الفضائيات، ويعتبر سبباً رئيسياً في خراب القيم، وضياع الأخلاق، وسقم العلاقات، والهياج الانفعالي.

فهل لنا من رجاء في التعرف على أسباب استخدام سلوك العنف؟

وهل لنا من أمل في أن تقوم مؤسساتنا البحثية والأكاديمية بتحليل العوامل المسببة أو المهيِّئة لسلوك العنف؟ هل يمكن تشخيصه فئوياً في مجتمعاً؟ هل يمكننا الإجابة عن سؤال لماذا العنف؟ سؤال مطروح من قِبل كثيرين يتوجب الإجابة عنه كي نتفادى هذه المسلكيات قبل أن يستفحل أمرها وتتوطن فيروساتها.. وحينئذ ندعو لشحذ الهمم لمواجهتها وصياغة حياة جديدة أصح وأفضل.. وأكثر سلامة.

إن ما نلحظه من عنف وافتعال المشاجرة والعدوان وسلوك ردة الفعل بسلوك العنف المضاد أمر مستجد على ثقافة هذا المجتمع وخارج نطاق الأشراف والتقاليد الاجتماعية؛ فهي تمثل سلوكا مستهجناً لخروجه على منظومة القيم والمبادئ الإنسانية بل والدينية.

إن سلوك العنف والعنف المضاد هو في الغالب الأعم توجه نفس سقيم (علّة) تحتاج إلى تشخيص محكم وأساليب علاج ناجعة.

إن سلوك العنف يمثل اضطراباً في تنظيم الشخصية، والمحيط الاجتماعي والمناخ الأسري له دور فاعل في إنتاج العنف، وجهل الآباء وضعفهم يهددان أمن الأسرة لفقدان النموذج والقدوة، كما أن الأسلوب الخاطئ في عملية التوافق أو التكيف مع المجتمع، وكذلك أسلوب التوافق مع الذات والآخر يؤثر بالضرورة في سلوك التفاعل الاتصالي في مستوياته المختلفة داخل الأسرة وخارجها.

وإن اكتساب المفاهيم الخاطئة الواردة عبر الإعلام الخارجي خاصة تلك التي تعزز مسلكيات استعراض القوة باعتبارها الأسلوب الأمثل في الحصول على ما أراه حق (علاقة برجماتية) حيث تتفاعل على القوة مع الشخصية، وانتصار عامل القوة نتيجة تفعيل ثقافة العنف.

هذا التقليد الأعمى مع الآخر فيه نأي عن تعاليم الدين الحنيف الذي يحض على إقامة العدل بين الناس وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة من أجل إحلال حياة كريمة يشيع فيها الحب والوئام والرحمة والتسامح.

أما الضغوط الاجتماعية التي يمثلها الانفتاح المحتوم على الآخر وما يحض عليه من حرية مزعومة في الفكر والرأي ونوع التعليم ونمط الحياة وطريقة الزواج وأسلوب العمل وطريقة كسب العيش وأساليب الترويح ونوعية المشروعات واقتصاديات السوق والتبعية التكميلية.. الخ.. كل هذا يؤثر في الهوية الشخصية وسلوك التفاعل الصراعي من أجل العيش والاستمرار في الحياة.

والرأي لدينا: إن الحد من سلوك العنف يتطلب إشاعة الدفء في الأسرة كي ينعم أعضاؤها بالصحة النفسية، وأن يكون الوالدان نموذجاً يحتذى به في تصرفاتهما بين بعضهما البعض وبينهما وبين أبنائهما وذويهما.

وأن يكون للإعلام دور فاعل ومؤثر يعزز فيه المسلكيات السوية، ويكف عن البرامج التي لا تحترم مشاعر الإنسان، وتحط من كرامته ولا تعزز قيم السواء، وتوجيه ببناء برامج تربوية علمية نفسية خاصة للشباب حتى لا يقع أسير وعي مضطرب يدفع إلى انفصام الشخصية ثم فقدها فيما بعد.

إن سلوك العنف خطر، وإذا لم نواجهه بعقلانية يمكن أن يستفحل أمره.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد