للغربة ضريبة وللبعد أوجاع، يضاعف الهم ويشقي الغرباء! حين تذيقهم المرارة أضعافاً، وتسلب منهم بقايا احتمالهم.
حين تسافر الروح حيث الأحبة في الأوطان، تعيش معهم، تعاني معهم، تئن معهم، تمرض معهم وتشتكي أوجاعهم وتظل تترقب عافيتهم فتكبر اللهفة، ويكبر الوجع، لكنه يجتاح الجسد والروح معا حين يكون الحبيب أبا غالياً أثيراً، الأب ذلك الرمز الذي يعني القدرة على التحمل، الذي يمارس الصبر ما استطاع! الذي يسقيك قربه شعور طاغ بالأمان كما لو كنت صغيرا تكبر تحت جناحه، تستطعم لذة الحياة وأنت تكبر بأمان بين يديه، لا تحمل هما، ولا يقلق تبرعمك فزعا، تتنقل بين سنواتك عبر بياض سنواته! وتمر حياتك عبر حياته! تعيش على قوته وتلتهم بقايا شبابه، فيذبل هو وتزهر أنت! أن يكون الموجوع أباك وأنت البعيد حيث تستطيل المسافات و تنبت بينكما عوالم أخرى وتمتد أراضٍ ومحيطات وأوقات مختلفة وحكايا لها ألف وصف وصف وكم هائل من مشاعر وعذابات لشيء يستل الحزن من غمده، ويحيل الدموع أنهاراً، ينفخ جمرات النفس ويجعلها تصطلي بلهيبها! وهكذا أيها الغالي حين جاء صوتك الحاني يطمئنني وأنا أتلمس نبرات العافية من بين آهات الأنين التي لا تخفاني! عرفت كيف أن الغربة تقسو وتطحن بأنيابها حين لا أستطيع أن أقبل يدك الحانية وأحمد الله تعالى على سلامتك وحين لا تكتحل عيني برؤية شيباتك الوقورة الدافئة دفيء المشاعر التي يجب أن تخرج مهما تقوى الرجل فيك! حين عانيت يا والدي وأنا غارقة في لعبة رسموها علي بقيادة والدتي الحبيبة شفقة علي من هم القلق والخوف والترقب! كنت في غيبوبتك بعيد العملية وأنا أشعر بشيء ما لا أدري ما هو؟ أكاد أغرق في أسئلتي عنك للجميع لكنني أشعر بأمان كلماتهم! غير أنني أصبحت بعد أن بانت الحقيقة كالعصفور المبلل تحت شجرة كبيرة لا يدري أيفرح بنجاته من العاصفة أم يسترجع قلقه لو كان في خضمها ؟ لكنها على أية حال موجعة وطاحنة بين جملة من المشاعر المتضاربة والحنين الذي يشتكي والأمل باللقاء والدعاء لله تعالى أن يمتعك ووالدتي بالصحة والعافية ويجمعنا وكل الأحبة في الدنيا والآخرة على أحسن حال.
marrfa@hotmail.com