مما لا شك فيه أن فن الإدارة وما استحدث فيه من مسميات كنا لا ندري عنها إلا القليل فن جدير بالاهتمام وخاصة في ظل ظروف الكساد التي يعيشها العالم اليوم.. فالإدارة هي عصب كل عمل سواء أكان العمل خدمياً أم إنتاجياً.وكنا في الماضي نحكم على الأمور وكل ما يصادفنا من مشكلات في العمل أو غيره بالفطنة والذكاء وبحكم الخبرات الطويلة خلال عمر الإنسان.. ثم بدأ علم الإدارة يأخذ طريقه بين العلوم الإنسانية الأخرى وتثبت أقدامه وفتحت له أقسام في كثير من الكليات والجامعات بجميع أنحاء العالم وأصبح تخصصاً قائماً بذاته وله مفاهيمه وتعريفاته ومصطلحاته الخاصة.. ولو نظرنا لأهمية هذا العلم نجد أن وجوده بيننا من قديم الأزل وعلى مر العصور المختلفة فهو علم يحمل بين طياته كثيراً من الأمور النفسية للإنسان فكل واحد منا كان مرؤوساً أو رئيساً في يوم من الأيام ومرَّ بالكثير من الأمور التي توضح له أهمية هذا العلم.. وكثيراً ما نجد مشروعات ضخمة وعملاقة تنجح وتتقدَّم للأمام بفضل إدارة حكيمة تعرف بواطن الأمور وكم من مشاريع ضخمة أهملت إداراتها وقعت تتخبط في براثن الخسائر.. وكم من مشاريع خاسرة حققت تقدماً ونجاحاً وازدهاراً بفضل إدارة حكيمة وضعتها في الإطار الصحيح.. فنجد أن المسؤول عن الإدارة في أي جهة من الجهات لو أعطي سلطات واسعة في محاسبة كل مخطئ ومكافأة كل من يؤدي عمله بإخلاص وتفان لاستمر العمل كأحسن ما يكون، ولكن ليس معنى ذلك أن تكون سلطاته مطلقة ولكن تكون في إطار محدد وطبقاً لضوابط ونظم تحددها.. فمما هو معروف أن تطبيق بعض النصوص بحذافيرها تكون في أحيان كثيرة غليظة ولكن تطبيق روح تلك اللوائح وما تهدف إليه يكون فيه شيء من دبلوماسية العمل.. فالإدارة المحكمة تعرف كل صغيرة وكبيرة في محيط عملها وتحل مشاكلها بنفسها دون اللجوء إلى الإدارة العليا إلا في حالات قسوة والتي لا تستطيع البت فيها.. وهناك أمور كثيرة قد تنعكس على مردود العمل وإن لم تعالج تصبح مشكلة المشاكل فكل شخص يعمل يتعرض لضغوط خارجية ويتأثر بها سواء أكانت هذه الضغوط في محيط أسرته أو محيط عمله فإذا كان لدى من يعمل مشكلة خاصة انعكست على العمل وقلَّ عطاؤه.. وإذا صادف مشكلة مهما كانت صغيرة تؤثِّر في كمية إنتاجه لذلك فالإدارة الناجحة هي التي تتباسط مع مرؤوسيها وتحل مشاكلهم أولاً بأول لتضمن أنها لن تنعكس على العمل. وهناك تجربة قرأت عنها في إحدى الدول العربية خلاصتها أنه توجد جهتان تشرف كل منهما على عمل متماثل جهة أعطيت مرونة في الإدارة واستقلالية في اتخاذ القرار ومن ثم المحاسبة على نتائج الأعمال.. وجهة أخرى قيّدت باللوائح ونظم جامدة ولم تمنح صلاحية إصدار القرار وكانت النتيجة أن الجهة التي أعطيت استقلالية حققت نجاحاً منقطع النظير في مجالها والجهة الأخرى التي طبقت نصوص اللوائح والنظم بحذافيرها حققت خسائر ونسب تراجع عالية على الرغم من أن الجهتين تعملان في ظروف عمل متماثلة تماماً ولكن اختلاف أسلوب الإدارة وصلاحيتها غيَّر الكثير وحقق نتائج ممتازة.
والإدارة فن إنساني رفيع المستوى فلا بد أن يكون من يمسك بزمام الأمور ذا حس رهيف.. لمعرفة كل الأمور التي تتعلّق بالإدارة.. والإدارة مجال واسع لمن يحب أن يستزيد وينهل من علوم المعرفة.. والدولة رعاها الله لم تدخر جهداً للتطوير وللتعريف بأهمية الإدارة.. لأنها تدرك تلك الأهمية.. وهناك معهد الإدارة الذي يقوم بدور رائد في تدريب الخبرات الوطنية وصقلها في ذلك المجال لتكون إدارات ناجحة في المستقبل ويكون لها مردود إيجابي إن شاء الله من أجل مزيد من الراحة للمواطنين والمراجعين في جميع المجالات.