لم تعد الدعوة إلى ترشيد استهلاك الكهرباء أمراً مثيراً للجدل بعد أن تبنتها الدول الأكثر تقدماً ونمواً مثل أمريكا واليابان، وأدخلتها ضمن خططها الاستراتيجية، وهو الأمر الذي انسحبت نتائجه إيجاباً على اقتصاديات تلك الدول، ما حدا بعديد من بلدان العالم وخصوصاً الأقل نمواً منها إلى اعتماد سياسة الترشيد حتى غدا أحد أهم مكونات ثقافة المجتمع لديها. ولم تكن المملكة السعودية بمنأى عن ذلك، حيث أولت الدولة ممثلة في ولاة الأمر وجهازها التنفيذي اهتماماً متعاظماً بنشر ثقافة الترشيد وبخاصة في مجال الطاقة الكهربائية، فالترشيد تنبع أهميته من الخصوصية الدينية التي تتميز بها المملكة وتعزيزاً للمبادئ التي يحث عليها الشرع، فالترشيد تنبع أهميته كذلك من كونه واجباً دينياً حث عليه الكتاب ونادت به السنة فقد وجه القرآن إلى الوسطية والإقلاع عن الإسراف في كثيرٍ من الآيات يقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وفي الحديث الشريف (لا تسرف ولو كنت على نهر جار) فضلاً عن ذلك فإن المملكة تُدرك أهمية دور الترشيد في تحسين الخدمة المقدمة للمشتركين وإسهامه الفاعل في الحفاظ على هذه النعم العظيمة التي حبا الله هذه البلاد بها، وتجسيداً لهذه المبادئ أطلقت وزارة المياه والكهرباء الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الكهرباء التي تحظى برعاية الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - منذ تدشينها قبل خمسة أشهر، إذ شرعت في تنفيذ البرامج والفعاليات المختلفة التي تجسد في العديد من جوانبها أهداف الخطط الاقتصادية والتنموية للدولة للحد من هدر مقدرات البلاد والبحث عن سبل صونها وحمايتها، وفي مقدمتها الطاقة الكهربائية التي بفضلها حققت المملكة نمواً متسارعاً في قطاعاتها المختلفة، وفي هذا المنحى لا يختلف اثنان على أهمية الدور الحيوي للكهرباء وإسهامها المؤثر في دفع عجلة التطوير على نحو يخدم ضروب الحياة كافة، ما يستدعي إيجاد الوسائل المفضية إلى تنميتها وزيادة قدراتها على نحو يعزز استقرارها ويضمن استمرارها ويدخر الفائض منها للأجيال اللاحقة دون تأثير في الخدمة المقدمة للمشتركين. من هنا تكتسب الحملة أهمية كبيرة حدت بالمسؤولين إلى دعمها وتذليل المعوقات التي قد تحد من مسارها، فقد سبق تدشينها جهود عدة تمثل بعضها في إعداد البحوث والدراسات والاطلاع على العديد من التجارب العالمية في هذا الشأن للإفادة منها، إذ تزامن إطلاقها مع ما تشهده البلاد من نمو مطرد في إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية لتلبية الطلب المتزايد للقطاعات المختلفة، ما اقتضى مقابلة ذلك بالخطط والآليات الكفيلة بتوفير منظومة كهربائية متكاملة من شأنها تقوية كفاءة استخدام الطاقة الكهربائية والمحافظة عليها.
وقد اعتمدت حملة ترشيد الكهرباء وسائل وآليات عدة لتحقيق أهداف يدور معظمها في محيط الارتقاء بمستوى الوعي الاستهلاكي وتحويل مفهوم الترشيد إلى ثقافة وممارسة حياتية بين مستخدمي الطاقة كافة، من خلال مواجهة آفة التبذير وتكريس مبدأ الاعتدال في الصرف إلى جانب التوعية بكيفية استخدام الأجهزة والمعدات المرشدة الرامية إلى خفض استهلاك الطاقة الكهربائية وتسريع وتيرة التنمية الاقتصادية.
وثمة أهداف عدة تجسد منظومة الاقتصاد الوطني تسعى الحملة إلى تحقيقها من خلال آلياتها المتنوعة التي تنتشر في العديد من المدن لتحقيق أدنى مستوى للاستهلاك وتقليص نسب الهدر على نحو يسهم في تحسين الخدمة واستقرارها، وتراهن الحملة في هذا المجال على تنمية وعي المستهلك، ومدى استجابته لنداءاتها من خلال القيم الاستهلاكية التي تسعى إلى ترسيخها ونشرها في المجتمع، وخصوصاً وسط جمهور المشتركين، وفي هذا الإطار تحث حملة الترشيد الخطى نحو أهدافها ويجري العمل في أروقتها المختلفة على وتيرة متسارعة لتنفيذ برامجها وفعالياتها المتنوعة من خلال العديد من الآليات والوسائل الإعلامية المختلفة، مثل الإعلانات التوعوية في الإعلام المقروء والمرئي والمسموع ولوحات الطرق، إلى جانب المحاضرات والندوات وورش العمل المتخصصة التي تتناول ترشيد الاستهلاك وأهميته وفوائده إلى غير ذلك من الأساليب المثلى لاستخدام الطاقة الكهربائية مع التحذير من تبعات الاستخدام البذخي ومساوئه التي تنعكس سلباً على المشترك واقتصاد الوطن على حد سواء، وهناك المعارض المتنقلة التي تنظمها الحملة لتزويد المشتركين بالمعلومات والإرشادات المتعلقة بالترشيد، فضلاً عما يقوم به المركز الإعلامي ومركز الاتصالات إلى جانب مهامه المتعددة من رد على أسئلة الجمهور واستفساراتهم، ولإدراكها أهمية دور الإعلام الإلكتروني عمدت الحملة إلى إنشاء موقع لها على شبكة الإنترنت يعكس أنشطتها المتعددة.
ولسنا في حاجة إلى التذكير أن وزارة المياه والكهرباء قد اطلعت على أفضل الممارسات العالمية في مجال الترشيد واستلهمت العديد من التجارب في هذا الشأن لتوفير مقومات النجاح، وذلك استشعاراً منها بأهمية الترشيد ودوره في الحيلولة دون تنامي المخاطر البيئية المحدقة بالعالم والناتجة عن الانبعاث، فضلاً عن كونه وسيلة لحماية الطاقة الكهربائية وتقليل الهدر.
لم تقتصر آليات الحملة على ما تم ذكره فحسب ففي جعبتها العديد من المطبوعات والكتيبات الإرشادية من بينها نشرة شهرية تلقي الضوء على فعاليات الحملة وتستكتب المختصين في شأن الترشيد، كما تتضمن نصائح وإرشادات حول الترشيد في مجالاته المختلفة، خصوصاً في شأن التكييف وضوابط ترموستات المكيف وتنظيف مرشحاته والعوازل الحرارية بالمباني وغيرها من المعلومات، وثمة مؤشرات عديدة تدل على تفاعل المشتركين مع برامج الحملة تبرز من خلال مكالماتهم التي تنهمر على مركز الاتصال عن كيفية الترشيد، الأمر الذي يشجع على استمرارها لخمس سنوات مقبلة من الممكن أن يتم خلالها خفض الهدر في الطاقة الكهربائية بنسبة قد تصل إلى 30% دون حدوث خلل بمنظومة الخدمات الشاملة التي يحظى بها المشتركون.
إن الحملة الوطنية لترشيد استهلاك الكهرباء وهي تخوض هذه التجربة تدرك تماماً الصعوبات التي قد تعيق سيرها وتحد من تنفيذ أهدافها المنشودة، الشيء الذي يجعلها تضاعف من جهودها وتعمل على تطوير خططها واستحداث آليات جديدة تواكب تحديات كل مرحلة حتى يتسنى لها أداء رسالتها على نحو يجعل من استمرارها أمراً حتمياً، وتعتمد في ذلك على العديد من المقومات، في مقدمها الدعم السخي من ولاة الأمر والرعاة وتفاعل المستهلك مع برامجها، بالإضافة إلى مؤشرات النجاح التي ظهرت والإنجازات التي تحققت خلال هذه المدة القصيرة من عمر الحملة المتمثلة في خفض الهدر والتخفيف من الأحمال وتحسين الخدمة وتوفيرها، وغيرها من مظاهر التميز التي يضيق المجال هنا لبيانها وتفصيلها، وقد تظفر الحملة بمزيدٍ من الدعم والمؤازرة، وقد يبادر إلى رعايتها رعاة جدد في ضوء هذه المؤشرات الإيجابية إلى جانب رعاتها الذين تعهدوها بالاهتمام منذ إطلاقها وما زال عطاؤهم يترى، ويبقى الدور الأكثر أهمية لوسائل الإعلام المختلفة التي يتعين عليها أن تولي الترشيد اهتماماً كبيراً حتى يغدو سلوكاً وثقافةً وجزءاً أصيلاً في مكونات المجتمع.
-المركز الإعلامي للحملة : der.Nor@hotmail.com