سمعت هذه القصة من ابنتي (عبير) وتأكدت من أحداثها بنفسي من والده الإعلامي المعروف والتي فيها من الشموخ والإباء والصبر والثبات ما يؤكد أن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر والروح لا الجسد والأعضاء تقول: إنه شاب معاصر بدأ حياته في حي شعبي، وكان والده يردد عليه منذ طفولته كلمات التشجيع والتحفيز: كن غير الناس!، أنت غير الناس!. وهكذا حتى أصبح يعتبره واجباً من واجبات الحياة أن يكون متميزاً ومختلفاً عن غيره، ومنذ بداية دراسته وهو متفوق على أقرانه والأول على صفه الدراسي، وبدأ يكبر وتكبر معه أمنياته وأصبحت أمنيته (في وقت دراسته) أن يكون مبدعاً ومخترعاً، ونمت تلك الأمنية أكثر وأكثر، وأصبحت أمانيه كثيرة ومنها اختراع غواصة! وبعد مصارحة زملائه ومن حوله تلقى الصفعات من المثبطين والمهبطين بوصفهم له بالجنون! ولكنه كان يعتبر تلك الكلمات مجرد عقباتٍ بسيطة فقط، ولن ترحل تلك العقبات إلا بزيادة العزم والتصميم..! وأنها على العكس أصبحت وقوداً يشعل نشاطه ويزيد من همته يقول: كنت أتذكر حالة نوح عندما صارح قومه ببناء السفينة في أرض يابسة جرداء وأن حالهم كحال هؤلاء المهطبين!! وتمر الأيام والليالي وفي المرحلة الثانوية وبالتحديد في آخر سنة له، شد من عزمه وبالغ في اجتهاده لكي يحصل على النسبة العالية 100% والتي تمكنه دخول الجامعة واختيار التخصص الذي يريده بسهولة. وقبل أيام قلائل من موعد الامتحانات النهائية أصيب بوعكة صحية وعند الكشف علية وإجراء الفحوصات الأولية له تبين أنه مصاب بمرض السل..! والذي يستلزم بقاءه بعيداً عن مخالطة الناس وفعلاً تم وضعه في الحجر الصحي ومنع حتى والديه من زيارته وبعد انقضاء شهرين وهو على هذه الحال والتي لم تزده إلا صبراً واحتساباً.. بعدها بدأ في التماثل للشفاء وتحسنت حالته ولله الحمد ولكن المفاجأة أن امتحانات الثانوية العامة قد فاتته، ومع ذلك لم يقف عند هذا الحد بل أعاد السنة بأكملها ودرس وتفوق كعادته بتقدير ممتاز وبالنسبة العالية ليدخل بذلك جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بل ويختار تخصص الفيزياء حتى يحس بالمتعة والمغامرة، وفي الجامعة حصلت المفاجأة وتحقق الحلم وكأول سعودي يخترع غواصة مائية تفوقت على الغواصة اليابانية.. والتي أطلق عليها اسم صقر العروبة، وتبعها بعدة اختراعات أخرى، وقابل خادم الحرمين الشريفين وأثنى عليه وبعد شهرين حصل ما لم يكن في الحسبان إذ تعرض لحادث أليم كان نتيجته بتر قدميه التي يقف عليها، والتي أبدلت بكرسي متحرك، ومع ذلك فما زالت همته قائمة! وروحه مرتفعة! وأصبح يردد: صحيح أنني لا أستطيع أن أقف على قدميي كغيري ولكني أقف على جبل من الطموح!! وواصل مسيرة الإبداع والتألق! واخترع عدة اختراعات وهو على كرسيه المتحرك، وذات يوم وبعد تخرجه من الجامعة بفترة قصيرة تعطلت سيارته على إحدى الطرق فأوقفها جانباً ووضع المثلث الضوئي لينبه أصحاب السيارات الأخرى، وبدأ بإصلاح سيارته كالعادة فهو الذي يقوم بإصلاح سيارته وسيارة والده!!، وأثناء انهماكه بإصلاحها اصطدمت به سيارة تسير بسرعة جنونية ثم انقلبت سيارته فوق رأسه...!، تجمع الكثير من الناس (لمشاهدة الحادث)!! فكما قال صاحبنا: إن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: صناع للمشكلات، متفرجون على المشكلات، مُوجدون حلولاً لتلك المشكلات. والأغلبية هم من المتفرجين على المشكلات!، انسكب البنزين على وجهه وأدى ذلك إلى ذهاب بصره..!!فأصبح شاباً (مبتور القدمين)، (كفيف العينين) لا يمشي ولا يرى، ومع ذلك لم يقف عند هذا الحد ولم يقل: حققت أمنيتي واخترعت هذا يكفي فأنا الآن معذور.. كلا بل نطق وكأن طموحه نطق قبل لسانه يقول: كانت أمنيتي أن أخترع مليون اختراع! ولكن هذا أصبح سهلاً بالنسبة لي ولا تعد أمنية، فأمنيتي الآن أن أصنع مليون مخترع سعودي!!و قد ألف أول كتاب بعنوان: (كيف تصبح مخترعاً) يتحدث عن المخترعين في العالم.
هذا هو الشاب مهند بن جبريل أبو دية، شاب تربى على الجد، وتغذى على علو الهمة والذي لم يجعل فقده لقدميه عذراً ليتوقف عن الإبداع، ولم يجعل فقده لبصره عائقاً لمسيرة النجاح، بل جعله سبباً ليقف على جبل من الطموح ويعتلي سلم المجد والشموخ، وليرى بعين التفاؤل والإصرار فجر العز والسؤدد!!.. هذا هو مهند وهذا ما قدمه لنا؛ والسؤال ماذا قدمنا نحن لمهند؟! أين رعاية الموهوبين؟! وأين هي المشاريع التربوية التعليمية؟ بل أين المجتمع كله من هذه الموهبة وتقديرها ومن ثم تنميتها؟ ومع الأسف الشديد لم يستطع مهند أن يحصل على براءة اختراع لمشروعه إلا بعد عدة محاولات وبشق الأنفس!! لماذا نحطم تلك العقول المبدعة المخترعة الموهوبة بعقبات (إجراءات) وشروط معقدة تحد من مواصلة الإبداع والتألق. كذلك من الخطل الكبير أن نحصر رعاية الموهوبين في رعاية مادية أو مكافأة مالية!! بل هي رعاية شاملة علمية ونفسية واجتماعية على أسس تربوية مدروسة وخطط متكاملة تعايش يومها وتستشرف مستقبلها.
Saad.alfayyadh@hotmail.com