هذه هي المرة الثالثة التي أتناول فيها قضية الأمن الاجتماعي وأخلاقيات المهنة، حيث يعتبر الأمن الاجتماعي إستراتيجية مجتمعية، ويتحدد مستواه صعوداً وهبوطاً بحسب تقدم المجتمع ونهضته، ولذا نوليه أهمية بالغة.
ونرى من الطبيعي في البدء أن نقف على مفهوم إجرائي للأمن الاجتماعي لا نركز فيه على الأيديولوجيات ولا النظريات ولا الاتجاهات الفكرية لأنها متباينة بل ومتقاطعة بين اليمين واليسار.. وقناعتنا أن الأمن الاجتماعي منظومة ذات علاقة انتمائية بمسيرة الحضارة والاستنارة في بلادنا وأنه محضن للقوى صانعة التقدم والرقي والنماء.
وفي يقين علماء الاجتماع أن منظومة الأمن الاجتماعي إذا صلح بناء مكوناتها (مادية - بشرية - ثقافية..)، وكان تفاعلها موجباً لحققت مخرجاتها الأمن والاستقرار والتوازن في المجتمع.
من هذا المنطلق نعرج إلى مهام ومسؤوليات النظام الأمني باعتباره نسقاً أساسياً في منظومة الأمن الاجتماعي على اختلاف مضامينها السياسية والاقتصادية والقيمية التي تحظى باهتمام قيادتنا الرشيدة وتوجهاتها السديدة، وحرصها البالغ وضرورة العمل على تعزيزه ودعم برامجه المجالية وأنشطته النوعية خدمة لكافة فئات المجتمع لتحظى بأعلى مستوى للرعاية والسلامة لكل من يعيش على ثرى هذا البلد الأمين من مواطن ومقيم.
ومما لاشك فيه أن الجهات الأمنية برمتها تدرك تماماً مسؤولياتها ومهامها وواجباتها تجاه أمن المواطن والوطن على السواء فهم أبناء وعماد المجتمع، فقد ساهموا - إلى حد كبير - بعطائهم المتميز وذكائهم النوعي في الحد من بعض الظواهر السلبية في مجالات متعددة (المرور - الحماية الدقيقة - الأمن العام - أمن الحدود والمنافذ - والسياحة الدينية - والدوريات الأمنية - والأمن الاقتصادي - والتحصين الوقائي لأفراد المجتمع خاصة الشباب وصغار السن) لتفادي أية مشكلات تضر بالمجتمع وأفراده.
هذا وتستخدم الجهات الأمنية في تحقيق مهامها الإلكترونيات الحديثة والتقدم التكنلوجي والعلوم الحديثة خاصة في مجال كشف الجرائم على نحو جعل التحولات في واقعنا المعاصر متسارعة لتتواكب مع معطيات هذا العصر (المعولم) خاصة في مجال أمن المواطن وتماسكه وحماية الوطن من الأخطار، وتفادي مشكلات التغير ووضع ما يقابلها من وسائل لتطوير وتوفير أساليب مستحدثة لإرساء قواعد الأمن في المجتمع.
وما يجدر ذكره أن أمن المجتمع ينهض على ركيزة أساسية تتمثل في التعاون المستمر والبناء والتكامل بين المواطنين وسائر مؤسسات المجتمع الرسمية واللارسمية لترسيخ القيم السلوكية والأخلاقية السديدة والتوجه تحت مظلة الوعي الاجتماعي والثقافي والأمني والتوجيه المعرفي والفني.
إن قيادتنا الحكيمة الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ومتابعة من رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية حريصة كل الحرص على أمن المواطنين والحفاظ على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، والحقيقة أن المسؤولية مشتركة بين المواطنين بكل فئاتهم، والجهات الأمنية بكل برامجها ومهامها.
ونحن والكل يشهد أن رجال الأمن الأبرار يؤدون رسالتهم السامية بهمة عالية وجد دؤوب في السر والعلن ويقومون بأداء واجبهم المنوط بهم لحماية الوطن والمواطنين.
وإزاء ذلك فهم يستشعرون عظم المسؤولية، فيقدمون أفضل عطاء ممكن بإيجابية وتضحية وحيادية موضوعية، وقد أسفر عن ذلك نتائج طيبة تحمد لهم.
وبناء عليه فإن جميع رجال الأمن بلا استثناء في ذلك يعتبرون ضمن الفئة المستنيرة في المجتمع بفضل إعدادهم الفني والمعرفي والمهاري في ضوء القيم الإسلامية وثقافة مجتمعنا التليد التي تحض على حسن الأداء وجماعية العمل والتكافل ولا ضرر ولا ضرار بل حب الإنسان لأخيه الإنسان لأننا كلنا رجال أمن يهمنا أمن واستقرار هذا البلد المعطاء.
فإذا اعتبرنا أن هذه قاعدة شاخصة في إعداد وتأهيل رجل الأمن فما من شك أن لكل قاعدة استثناء فثمة حفنة من رجال الأمن يشذون عن هذه القاعدة فيعاملون الناس بفظاظة نهى الإسلام عنها، وهذا واقع لا يمكن لأحد أن ينكره أو يتغاضى عنه، ولهذه حتماً مشكلة لا نسمع عنها فقط لكننا نراها ونلمسها عن كثب فبعضهم يأتون بسلوكيات غير مرغوب فيها، قد يرون هم أنها سلوكيات مناسبة لكبح جماح الحوادث.
وبعيداً عن عاطفة التقدير لما يبذله رجل الأمن من جهد جهيد نشير في عجالة لواقعة شاهدتها بنفسي في الطريق العام، رجل مرور انطلق كالطلقة بسيارة المرور حيث أوقف سيارة، وتعامل مع سائقها بشدة وغلظة وقسوة طالبه بمستندات السيارة وجذبه من داخلها وأراد أن يطيح به داخلها وحين امتعض هذا السائق من تلك المعاملة زادت غلظة رجل المرور ناهيك عن التلفظ بألفاظ نأباها جميعاً.. ومثل هذه المعاملة الفظة نراها من بعض رجال المرور في إدارات المرور عند سداد المخالفات أو تجديد (الرخص)، فكم من قسوة المعاملة فضلاً عن ضياع الوقت وهو يعتبر هدراً من وقت العمل الأصلي للمواطن فيشتاط غيظاً من فرط التجاوزات والمخالفات في ممارسات هذا النفر من رجال الأمن.
ولذا فإن الالتزام الحقيقي لرجل الأمن في أي جهة من جهات العمل الأمني، إنما يقوم على إدراكه الواعي بأن عمله الأمني هي رسالة سامية قبل أن يكون وظيفة ذات عائد مادي ومعنوي.
ومن المتيقن أن إدارات التدريب التي تقوم بتأهيل رجل الأمن عليها دور مهم في تزويده بمهارات التعامل في مجال العلاقات الإنسانية واكتساب المهارات السلوكية الإنسانية الراقية في توافق مع معطيات الزمان والمكان الوطني، ومع صحة وسلامة الأسس والمبادئ التي ينهض عليها العمل الواجب والاستجابة الفاعلة مع غايات المجتمع النبيلة.