Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/05/2009 G Issue 13390
الاربعاء 03 جمادىالآخرة 1430   العدد  13390
المرأة والخلع
د. سعد بن ناصر الشثري

 

يشترط في الخلع رضا الزوج في المشهور من مذاهب الأئمة الأربعة وعليه العمل في أكثر محاكم الأحوال الشخصية في العالم الإسلامي وهو المنصوص عليه في أنظمتها، أما المحاكم الشرعية في هذه البلاد فإنها تجري الخلع ولو لم يرض الزوج انطلاقاً من قرار مجلس هيئة كبار العلماء الصادر عام 1394هـ

والذي نص على أن القاضي ينصح الزوجة أولاً، ثم يحاول الصلح بين الزوجين ثانياً، ثم ينصح الزوج بمفارقتها ثالثاً، ثم يبعث القاضي حكمين لينظرا في شأنهما رابعاً، (وإلا أفهم القاضي الزوج أنه يجب عليه مخالعتها على أن تسلمه الزوجة ما أصدقها... فإن لم يتفق الحكمان أو لم يوجدا وتعذرت العشرة بالمعروف بين الزوجين نظر القاضي في أمرهما وفسخ النكاح حسبما يراه شرعاً).

وحادثة الخلع الوحيدة التي حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فيه امرأة ثابت بن قيس فقالت: يا رسول الله لا أعيب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم زوجها بمفارقتها.

والأصل في الحياة الزوجية أن يتقرب كل واحد من الزوجين إلى الله تعالى بالقيام بحقوق بعضهما، ولن تحصل السعادة لأحد الزوجين إلا إذا قام بإسعاد الآخر، وهنا توجد الألفة والمحبة والاستقرار النفسي والاجتماعي قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

والشريعة الإسلامية احترمت العلاقة الزوجية، ورغبت في بقائها واستمرارها فجعلت عقد الزواج (ميثاقاً غليظاً)، وأمرت كل واحد من الزوجين باحترام الآخر والقيام بحقوقه (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا).

ووضعت وسائل متعددة من أجل تقليص عدد حالات الانفصال بين الزوجين، ولذا فإن من غير المقبول شرعاً استعمال لفظ الطلاق للحلف على الآخرين لحديث: (من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) وكذلك من غير المقبول شرعاً أن يستعمل الزوج لفظ الطلاق من أجل تهديد زوجته (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا). وقد روى الدار قطني بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً طلق ألبته فغضب وقال: (وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا). وجاء رجل لابن عباس فقال: إني طلقت زوجتي ألفاً، فقال: اتخذت آيات الله هزواً، وقد ورد: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، ومن الأمور المذمومة شرعاً مطالبة الزوجات بإقامة دعاوى الخلع ضد الأزواج بغير سبب مشروع، وفي الحديث: (ليس منا من خبب امرأة على زوجها)، قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى 23-363: (فالسعي في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة وهو من فعل السحرة ومن أعظم فعل الشياطين) وفي السنن: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة)، وفي صحيح مسلم (أن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول: ما صنعت شيئاً ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: أنت أنت).

والأصل في مشروعية الخلع أنه يكون إذا خشيت المرأة من الإثم بسبب عدم قيامها بحقوق زوجها، قال تعالى: (وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

* عضو هيئة كبار العلماء



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد