تؤثر الأشياء المادية في النفس الإنسانية بشكل ملموس، ذلك أن الإنسان فطر على ذلك وتأثر به في حياته الذاتية والعامة، فكان لزاماً عليه أن يحس بلذة الماديات على نفسه وعلى ذاته بحيث تؤثر فيه ويتأثر بها. ولكن التأثير لا ينبغي أن يكون سالباً للحاجات المعنوية للإنسان وحاجاته الروحية كذلك. لأن المادة ليست كل شيء في الحياة البشرية وليست هي السائدة على كل شيء فيها؛ صحيح أننا نرى المادة ماثلة للعيان والمعنى خافياً إلا أن المعنويات على الرغم من خفائها واستتارها فإنها عميقة الأثر في النفس وفي الفكر الإنسانيين. فالمادة نراها ملء العين والبصر ولكن المعنى عميق في الفكر وفي الروح وفي الفؤاد وفي الشعور.
ولذلك فلنبرأ بأنفسنا أن تؤثر فينا الماديات وتسلب عقولنا وأفكارنا وأرواحنا وأفئدتنا في حياتنا بصفة عامة وفي روحانياتنا وعاداتنا وتقاليدنا بصفة خاصة. لأن أثر المادة خطير على الإنسان خصوصاً في الأمور الغذائية والمالية والجنسية. لأنها تُحس وتلمس ولا يفكر في أثرها الخطير إلا القليل. وهذا كما ترى قصور في التفكير مؤثر في حياة الإنسان المادية منها والمعنوية. والمادة لها صلة كبيرة بالجسم كما أن لها صلة وثيقة بالفكر، وكما أن صلتها بالجسد ملموس فإن الصلة بينها وبين الفكر وثيق؛ معنىً وروحاً وعمقاً، فلا ينبغي أن تؤثر فينا سلباً بحيث تجعلنا أنانيين لا نحب الآخرين أو تأذيهم أو نؤثر في مصالحهم وأعمالهم ولكن علينا التريث والتؤدة والصبر، فالحياة سائرة وهي تسير بحسب بارئها سبحانه وتعالى ومشيئته وقدرته وإدارته، الشيء الذي يجعلها منضبطة ومستوية ومتعادلة الكفتين في ميزان قدرة الله سبحانه وتعالى، فعلينا أن نضبط مادياتنا ونفوسنا ومشاعرنا وأحاسيسنا أمام المادة، ولا ينبغي أن تخدش فكرنا المعنوي ونفسنا الروحي وشعورنا الحسي؛ لأنها محدودة الأثر وقصيرة الأجل فما علينا إلا أن نعتدل أمامها ونتزن قدامها ونكون عادلين لها ومحتسبين عليها لا نزيد منها ولا ننقص نأخذ منها على قدر الكفاية ونترك زبارقها وإغراءاتها المغرية المادية القصيرة الحد.
فالماديات أثرها وبيل، وخطرها جسيم، وضرها خطير إذا استبدت بالجسد فإنها تضر بالفكر والنفس والإحساس، فيا لطف الله أن نكون معتدلين في الأخذ بها ومنها أن الأمر ذو خطرٍ إذا تركنا الحبل على الغارب في مسألة الماديات لأنها شائكة المسلك وخطيرة المأخذ وجسيمة الأثر في النفس الإنسانية وفي الروح البشرية بل في نفسيات الناس وذواتهم الخاصة والداخلية خصوصاً في حياتنا المعاصرة التي زخرفت فيها المادة وطغت على كل شيء، فلا تكاد ترى شيئاً إلا ومعه زينة أو أثر من مادة أو قسمة من إعلان أو مسابقة فيها إغراءات مادية خطيرة وإعلانات مكثفة ومغرية مادياً، الأمر مطلوب الحد منه إلى مستوى معتدل، وحدٍ عادل، ووضعٍ ميسور لا إفراط فيه ولا تفريط. فالمسألة غدت جادة ومهمة في المفهوم العام للماديات خصوصاً ذات العلاقة بالحياة.. حياتنا اليومية ومعاملاتنا المستمرة لأنها تمس واقعنا ونفوسنا، وأفكارنا ومشاعرنا وعقولنا وأرواحنا، فلا ينبغي للماديات أن تسلبنا هذه الأحاسيس وهذه العقول والأرواح وهذه النفوس.. نفوسنا الزكية وعقولنا النيّرة ومشاعرنا الفياضة وأرواحنا الطاهرة التي لنربأ بها من طغيان المادة والماديات وأخطارها الجسيمة وويلاتها الوبيلة وآثارها الخطيرة على الإنسان والمجتمع خصوصاً حياة الناس العامة والخاصة.