عندما كنت طالباً في اليمامة الثانوية في الفترة ما بين عامي 81 - 84هـ كنت أشاهد مولاي خادم الحرمين الشريفين، وهو يدلف إلى مكتبه كل صباح في مقر رئاسة الحرس الوطني القديم المقابل لمبنى المدرسة.. ذلك المبنى الذي قضى أجله وترك حزناً وحسرة في نفوسنا طلاباً وأستاذة، وأرمقه أحياناً وهو يغادره ظهيرة بعض الأيام وأنا أشد الرحال على دراجتي (الفليبس) متجهاً بعد عناء قضاء يوم بين الدرس والتعلُّم.. وكان خادم الحرمين الشريفين آنذاك في عنفوان شبابه -أمد الله في عمره وبارك في مجهوداته الطيبة- وكان وقتها رئيساً للحرس الوطني.. وكانت البوابة الضخمة لمبنى رئاسة الحرس الوطني مشرعة إلا من جندي يقف في غرفة خشبية بسيطة لا يعير الداخلين والخارجين أي اهتمام.. وكان الناس آنذاك على بساطة ومحبة وتآخٍ متناهٍ.. وكان بامكان أي داخل للمبنى الذهاب إلى مكتب سموه مباشرة.. أو إلى مكتب وكيل الحرس الوطني العصامي آنذاك -رحمه الله- عبد العزيز التويجري والتحدث بلا تكلفة وببساطة مع الجميع والصلاة مع سمو الأمير وكبار المسؤولين في المسجد المجاور لقصر الملك عبدالعزيز بالمربع -رحمه الله-.. ومقر رئاسة الحرس والمراجعون وصغار الموظفين الكل سواسية.. والكل يسلم على الآخر ويحييه ويتحدث معه بكل جرأة وبساطة.. فهذه سياسة عبدالله بن عبدالعزيز التي رضعها واستمدها من والده -رحمه الله- منذ نعومة أظفاره.. حبه للوطن والمواطن والأخذ بيد الجميع والتبسط معهم وقضاء حوائجهم بقدر ما تكون.. يد خير معطاءة تمد الجسور وتبني وتعلي البناء.. فلا أحد أكبر من أحد.. فالأبواب مشرعة دائماً ومفتوحة للجميع كائناً من كان مواطناً أو مقيماً أو زائراً.. محبة وإخاء ووفاء، ولا ينقطع إعجابي ومودتي وتقديري لخادم الحرمين الشريفين منذ أن كان ولياً للعهد.. وقد كتبت عن ذلك في أكثر من مقال، فعينك لا تُخطىء تواضعه الجم عندما تراه يستقبل كل هذه الحشود الضخمة من بادية وحاضرة وزوار وطلاب حاجات وهي تبادله حباً بحب ومودة بمودة وتقديراً بتقدير وإجلال بإجلال.. وإني لأعجب من جَلَده وصبره وتواضعه الجم عندما أراه يساعد كبار السن والمرضى والمعاقين على الجلوس على المقعد المخصص أمامه ويعطيهم كأس الماء البارد ليرطبوا به شفاههم ويعطيهم جرعة تزيل عنهم رهبة الحضور ولتهدأ نفوسهم وتطمئن قلوبهم فيستطيعوا الإفصاح عما تكنه نفوسهم أمام خادم الحرمين الشريفين وجمع من الأسرة المالكة والحاكمة والوزراء وكبار الزوار وتراه يستمع إلى شكوى الشاكين وأنات الضعفاء والمحتاجين والمساكين ويقرأ ما يقدمونه له من معاريض كتبوا فيها ما يعانونه وما يريدون الحصول عليه.. ثم إنك لتراه يبت في قضاياهم في الحال فيقوموا من مقاعدهم وقد تهللت أساريرهم وقضيت حوائجهم وعُوملوا بكرامة ومحبة وإخاء.. فهذه سياسة المملكة الرشيدة منذ أن وطّد موحد المملكة وصقر الجزيرة العربية الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أركانها وخلف بعده خلف صالح من أبناء وأحفاد بررة يسيرون على نفس النهج والصراط فقد أوصاهم بالرفق بالعباد وقضاء حوائجهم وحذَّرهم من مغبة عدم القيام بذلك على أكمل وجه والسير على الصراط المستقيم.. صراط الله العزيز الحكيم.. وأن المسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يخذله وأن المسلمين كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً فإن تفرقوا تكسرت آحادهم وتشتت شملهم وخارت قواهم.. وكان آخر ما فاجأنا به خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- من دليل ثاقب بصيرته وحكمته تولية سمو سيدي الأمير نايف بن عبدالعزيز منصب النائب الثاني مع احتفاظه بمنصبه السابق كوزير للداخلية لما رأى ورأى الجميع من جدارة وثاقب وبُعد نظر سموه في كل ما من شأنه تحقيق استتباب أمن الوطن والمواطن.. وما أبداه من حزم وتبصر في معالجة أصحاب الفكر المنحرف والضال من المفسدين في الأرض والفجار.. فشكراً ألف كما يقول إخوتنا في مدينة نجران على ما حققه خادم الحرمين الشريفين بثاقب بصره وبُعد نظره من تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب.. وكلنا فداء لله ثم المليك والوطن.. وعاشت بلادنا دوماً في رخاء واطمئنان وسؤدد يخفق علمها بكلمة التوحيد في الأعالي إلى أن يقضي الله أمره.