Al Jazirah NewsPaper Monday  01/06/2009 G Issue 13395
الأثنين 08 جمادىالآخرة 1430   العدد  13395
هل بدأت نهاية حركات الإسلام السياسي؟
د. عبدالرحمن الحبيب

 

الانتخابات الكويتية الأخيرة صاحبها صخب إعلامي مدوي بسبب المفاجأة بفوز أربع نساء في مقاعد مجلس الأمة الكويتي.. الآن وقد هدأ الصخب وبدأ التأمل والتحليل السياسي، يمكن القول أن أكثر ما يلفت الانتباه هو ما أفرزته تلك الانتخابات.

من استمرار ظاهرة تراجع الإسلام السياسي خلال السنتين الأخيرتين بالمنطقة العربية..

قبل هاتين السنتين كان انتصار التيارات الدينية المسيسة بكافة أطيافها المعتدلة والتقليدية والمتشددة هو السمة الطاغية في نتائج الانتخابات العربية سواء كانت برلمانية أو بلدية أو نقابية.. لكن الوضع تبدل دراماتيكياً منذ تراجع حركات الإسلام السياسي في الانتخابات التشريعية الأدرنية في نوفمير 2007، وتقدم مرشحي العشائر ورجال الأعمال، وما شهدناه هذه السنة في فبراير بالعراق في الانتخابات المحلية والبلدية من تراجع ملحوظ لمرشحي الطائفية والأحزاب الدينية.. ثم بعد ذلك التراجع الحاد للإسلاميين في انتخابات الجزائر رغم تدني نسبة المشاركة إلى 35%.. وحتى خارج المنطقة العربية شهدنا تراجعاً واضحاً للتيارات الدينية والقومية المتشددة في انتخابات الهند وسيريلانكا وباكستان.. فما الذي يحدث؟

مع الحذر الشديد من سرعة الاستنتاج سواء بصحة ظاهرة تراجع التيارات الدينية المسيسة، أو بإمكانية استمرار التراجع خلال السنوات القادمة، فإنه من المهم تحليل المزاج العام للواقع السياسي الانتخابي في العالم العربي..

رغم أن أهم أسباب نجاح حركات الإسلام السياسي في الانتخابات كان قرب خطابها من مشاعر وعواطف الجماهير العربية المحافظة والمتدينة أصلاً، إلا أنه - وللمفارقة - كان أيضاً من أهم أسباب تراجع التصويت لهذه الحركات.. فقد استخدمت هذه الحركات الخطاب الديني الوعظي بطريقة عاطفية جذبت لها أصوات الناخبين في البداية، لكن عندما انتهى وقت العواطف وجاء وقت الأداء البرلماني عبر التجربة الواقعية التنفيذية، لم يكن لدى تلك الحركات مشاريع تنفيذية ولا برامج عمل بل واصلت حضورها الخطابي من خلال العاطفة الدينية المتشددة والعلاقة المتوترة مع الآخرين المخالفين وتأزيم العلاقة مع الحكومة لأسباب إيديولوجية أكثر مما هي أسباب عملية، ولم تتمكن من تخطي خطابها الوعظي وآراءها الفقهية الجامدة، وابتعدت عن هموم الجماهير الحقيقية.. كل ذلك أدى إلى عزوف كثير من الأصوات عنها..

ومع إقراري أنه لا يمكن حصر هذا التراجع لحركات الإسلام السياسي في خطابها وموقفها، بل هناك العديد من العوامل يمكن إدراجها مثل التدخل الحكومي ضدها والمضايقات التي تتعرض لها والحملات الإعلامية ضدها وشبهات التزوير ودخول المال السياسي في اللعبة الانتخابية وطبيعة النظام الانتخابي في هذه الدولة أو تلك.. ومنها أيضاً إحباط ومن ثم عزوف كثير من الناخبين عن التصويت ككل..

إلا أن هذه العوامل - من وجهة نظري - تظل أقل تأثيراً إذا قسته بالخلل المنهجي داخل حركات الإسلام السياسي والتي أشرت إليها في عدم قدرة خطاباتها وبرامجها من التحول من شعارات أخلاقية وعظية إلى مشاريع سياسية واضحة داعمة لبناء مجتمع حديث وبناء دولة عصرية.. وافتقار أعمالهم السياسية إلى التركيز على القضايا الكبرى كالفقر والفساد الإدراي والمالي والبطالة والحقوق المدنية كحقوق العمل والتعليم والصحة وتكافؤ الفرص ومستوى المعيشة..الخ، مقابل تركيزها على قضايا أقل أهمية بالنسبة للناخبين مثل التركيز على الصراعات الفكرية والأخلاقية مع التيارات المخالفة فكرياً وثقافياً واجتماعيا، فتجد مثلاً التركيز في الفكري بالصراع مع طروحات الليبرالية وفي الثقافي بالصراع مع التيارات الحداثية وفي الاجتماعي بالصراع مع الانفتاح الإعلامي والفني لدرجة أن يحوز خلاف على مقالة صحفية أو محاضرة ثقافية أو رواية أو قصيدة أو أغنية أو برنامج ومسلسل تلفزيونيين مساحة كبيرة من الجدل داخل قبة البرلمان وخارجه..

إذا صح هذا التحليل للحالة الانتخابية الراهنة فإنه يشير إلى تهافت الفكرة المتخوفة من عدم نضج المجتمعات العربية ديمقراطياً وعدم تهيئها للانتخابات بزعم أنها لن تصوت على الكفاءة بل ستصوت عاطفياً للمتشددين (طائفياً وعشائريا) الذين بدورهم سيستولون على القرار ويعملون على إلغاء التجربة الديمقراطية وقمع المخالفين والأقليات وتهديد كيان الدولة والاستقرار الاجتماعي. إذا صح هذا التحليل فهو يؤكد أن النضج يأتي عبر التجربة وممارسة الحقوق وليس فقط بالتنظير والتوعية بالديمقراطية والوعد بالحقوق للانتظار ردحاً من زمن الوصاية لكي يبلغ الطفل السياسي العربي مرحلة التمييز والرشد الانتخابي..

فالظاهرة الانتخابية الحالية لا تظهر تراجع تيارات الإسلام السياسي فقط، بل أيضاً تراجع شامل لأغلب الحركات غير المعتدلة من كافة التيارات الوطنية والقومية واليسارية التي حصلت على نتيجة صفر في كثير من البلدان العربية، مما يشير أن الناخبين يمتلكون نضجاً يمكِّنهم من تعديل خياراتهم ومعاقبة المخطئين وأصحاب الشعارات التي لا توظف عاطلاً ولا تداوي مريضاً ولا تغني فقيراً..

وإذا كان للظاهرة الانتخابية الحالية مؤشرات إيجابية، فإن ثمة مؤشرات سلبية أيضاً ينبغي التنبه لها. حيث يلاحظ تدني نسبة المشاركة لمستويات مقلقة، ومقاطعة بعض الأحزاب الدينية والمدنية لها.. كما يلاحظ تراجع الأحزاب والتنظيمات التقليدية العريقة، مقابل صعود العشائرية.. كذلك صعود الأفراد المستقلين الذين لا يحملون مشاريع سياسية قدر ما يحملون برامج خدماتية مؤقتة تدغدغ مصالح الناخبين مؤقتاً، ويعتمد أغلبهم على جهات النفوذ، وهذه الجهات قد تكون حكومية تدعمهم بشكل مباشر أو غير مباشر في دهاليز العملية الانتخابية أو جهات ذات نفوذ مالي أو طائفي أو عشائري يقوم المرشح بخدمتها وليس خدمة الناخبين..

هذه الظواهر السلبية تشير إلى ضعف مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي وإحباط المواطن منها وإحباطه من العملية الانتخابية برمتها، ومن ثم مقاطعه للانتخابات أو لجوئه إلى ما ينفعه مؤقتاً من مرشحي المؤسسات التقليدية (العشائرية والطائفية)، على منطق المثل التقليدي ( شيء تعرفه أحسن من شيء لا تعرفه).. وهذا المنطق التقليدي كان من أكبر دعائم الحركات الدينية المسيسة..

والآن يبدو أن الحركات الدينية المسيسة في تراجع.. فهل ما يبدو هو واقع فعلي سيستمر أم مجرد تراجع مؤقت أم أن الصورة مشوشة؟ الوقت ما زال مبكراً للإجابة.. ولعل الانتخابات المقبلة قريباً في لبنان والمغرب هذا الشهر قد تقربنا من الجواب، مع أن لبنان له وضعه الطائفي الخاص..

أياً يكن الأمر، فالأغلبية الصامتة في المجتمعات العربية مؤيدة للإسلام المعتدل المرتبط بالعصر عبر إنجازات واقعية تمس همومه وقضاياه الكبرى.. المنحاز للإنجازات وليس للتأزيمات.. الذي يتبنى الحياة لا الانتحار.. الذي يتعامل مع الأفكار الجديدة من منطلق منفتح متسامح غير عنيف محترماً كافة التيارات الوطنية الأخرى بلا تكفير ولا تخوين.. الذي يقبل التحديث والتطور التاريخي الطبيعي للمجتمعات.. وأمام هذه الغالبية الصامتة ينبغي أن يركز المرشحون في الانتخابات إذا أرادوا البقاء على المدى الطويل..



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد