Al Jazirah NewsPaper Monday  01/06/2009 G Issue 13395
الأثنين 08 جمادىالآخرة 1430   العدد  13395
ربيع الكلمة
اذهب فإني لا أشهد على جور!
لبنى الخميس

 

العدالة ثمينة جداً، ولذا فهي تكلف غاليا.. وهي القيمة الأخلاقية العالية التي لا يتقنها كثير من الناس.. وخاصة حين يتعلق الموضوع بالأبناء.. فهناك الأفضلية الشهيرة والأزلية التي تمنح للرجل ولا تعطى للمرأة التي أثبتت على مر السنين أنها أكثر عطفا وحنانا وقربا للوالدين في شبابهما أو في شيخوختهما، وأنا لا أعمم.

إليكم القصة الرمزية التالية التي تصور الواقع المؤلم لكثير من النساء..

(أبو مساعد رجل أعمال ناجح وشهير, يقطن العاصمة -الرياض-).

رزق أبو مساعد بثلاثة أبناء وثلاث بنات.. كان أبو مساعد يوزع المصروف المدرسي كل صباح على الأبناء والبنات بالتساوي، لكل واحد منهم عشرة ريالات.. كبر الأبناء وتخرجوا من المدرسة ودلفوا الجامعة وتخرجوا منها تزوجوا وحصلوا على وظائف مرموقة.. بينما اكتفت البنات بشهادة الثانوي وبعض الدورات التدريبية وتزوجن بعد ذلك من رجال ميسوري الحال.

كانت حياة البنات مع أزواجهن متأرجحة بين الاستقرار والتوتر بسبب ظروف الحياة الصعبة.. فقد تأثرت حياتهن الزوجية مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار والتضخم؛ مما أدى إلى وقوع خلافات متواصلة بين الزوجين.

أما بالنسبة للأبناء فلم يتأثروا بالأزمة، رغم أن رواتبهم لم تكن كافية.. ولكن كان الأب يغدق بماله عليهم ويمدهم بين الفينة والأخرى بمبالغ كبيرة سواء كانوا بحاجتها أم لم يكونوا!.

الأمر الذي أطلق شرارة القهر الأولى في نفوس البنات.. فهن يعانين شظف العيش وصعوبة الظروف المادية. فقد حرمن أنفسهن من الكثير، ومرت عليهن أيام صعبة ومريرة، في حين أن الأبناء كانوا يتمتعون بثروة والدهم وينعمون بجميع أسباب الترف والرفاهية.

كبر الوالد وبدأ الأبناء يديرون أمواله وأملاكه، وفي بعض الأحيان يبيعون بعض ممتلكاته ويقسمونها في ما بينهم تحت ذريعة أنهم يقومون بمشروع تجاري أو يشترون أسهما استثمارية أو غيرها من المبررات والذرائع.

وحين حاولت البنات أن يطلبن من والدهن أن يعدل بينهم ويعطيهن ما يعطي الأبناء استشاط الأبناء غضبا وحاولوا التأثير عليه على قاعدة (حنا أبخص).

فتولدت الحساسية ودبت الخلافات والمشاكل التي تصل إلى حد الضغينة والحقد والقطيعة أحياناً.

هذه القصة الوهمية والتي أردت من خلالها أن أوضح وأوثق ما يحدث حقيقة على أرض الواقع.

فقد ُطلب مني مراراً أن أتحدث عن هذا الموضوع وأن أنقل وأسجل معاناة كثير من الأسر والنساء.

فقد أصبحت النساء اليوم بين خيارين أحلاهما مر: إما أن يطالبن بحقوقهن المشروعة ويفقدن تواصلهن وروابط الأخوة بين إخوانهن. أو أن يصمتن على مضض ويكتمن ما بداخلهن من ألم وقهر وحسرة ويجاملن حتى يبقين حبل الود والتواصل بينهن وبين إخوانهن على حساب حقوقهن الطبيعية والمشروعة.

فمتى يصحو الآباء والأبناء من هذه التجاوزات التعسفية الخطيرة التي تقطع بمهارة حبل الود والمحبة والأخوة بين العائلات؟

ألا يتكرر هذا السيناريو بشكل مؤلم ومزعج في كثير من العائلات السعودية؟؟

ألا يفتقد العدل والمساواة وتنعدم العدالة الحقيقية؟؟

أعتقد أنه من حق البنات أن يتمتعن بثروة والدهن ويعشن بمستوى الأبناء

و أن لا تكون عطية الأبناء للبنات بعد موافقة الوالد فضلة ومنة عليهن.

أين نحن من موقف محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم- حين جاءه رجل وقال له يا رسول الله إني أريد أن أهب أحد أبنائي إحدى أملاكي.. فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (هل وهبت بقية إخوانه مثلما وهبته؟) فقال له: لا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: (اذهب فإني لا أشهد على جور).

ومن هذا المنبر أهيب بدور رجال الدين وأرباب القلم والفكر والتربويين أن يولوا هذه القضية الشائعة اهتمامهم ويعملوا على توعية المجتمع بمخاطر التفرقة بين الأبناء وتداعياتها الخطيرة وتبعاتها المدمرة.

ختاماً.. مازال الأبناء في القصة الرمزية السابقة التي تصور الواقع اليوم يأخذون المصروف المدرسي ولكنه تضاعف مئات، بل آلاف المرات، ومازالت البنات يأخذن العشرة ريالات فقط بفضل ومنة!.

نبض الضمير:

(ليست الأنانية أن يعيش المرء كما يهوى، بل أن يطلب من الآخرين أن يعيشوا كما هو يريد).

* * *






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد