Al Jazirah NewsPaper Monday  08/06/2009 G Issue 13402
الأثنين 15 جمادىالآخرة 1430   العدد  13402
بين قولين
تجويع الجياع
عبدالحفيظ الشمري

 

الله أعلم ما الذي يحدث في غزة الآن، وأي أمر يدبّر لها في السر والعلن، ما نعلمه نحن أنّ أودية كثيرة في العالم يراد لها أن تزال، وفيها من يقاومون، ويقاتلون، بل هناك جبال تقصف، وقرى تباد، وأجندات تنفّذ بكل دقة، وكأنه تفانٍ منقطع النظير من أجل هلاك أكبر قدر ممكن من البشر.

(غزة) يصمت عنها الجميع، وتشيح عنها أعيننا، لكي لا يقال عنا إننا عدنا إلى سيرة الحزن، والمناحة، واجترار ذكريات الدم الأليمة، لكننا نقول إنّ الدم الفلسطيني النبيل لا يزال متجلطاً على الجراح، والغصة لا تزال في الحلوق، والمرارة تسكن جوف الجياع الذين تاهت بهم دروب المقولات بأننا إخوة وأشقاء، لكننا أثبتنا للعالم من حولنا أننا أهل بعداء حتى وإن كنا أقرباء.

تتلوّن أمراضكم يا أهل غزة بفعل الفسفور، وغير الفسفور، وبما هو أقسى منه من تجاهل، وظلم ذوي القربى، تتلوّن مكابداتكم، وعناؤكم رغم أنّ العالم يبحث عن كل ما يشغله في أي أمر سوى أمر (غزة) .. فهناك أمراض وأوبئة تخرج، وصفقات تقبض أثمانها، وأراضٍ تباع، وضمائر تشترى، وحسناوات يتماثلن للشفاء بعد أن عدلن أنوفهن، ومسيرة مترنحة بلغت طريقها دون أن تهاجمها فرق العسس في حي أوربي خلفي، لكنك في أمر (غزة) تحتار، فلا أحد يأبه بأمرها شرقاً، وغرباً.

الكل يدّعي الشرعية، ويتشبّث فيها، ويتشدّق ملء فيه بوهمها، ونحن كما قال الراحل عبد الله القصيمي ظاهرة صوتية، بل لم نعد نمثل هذه المقولة حرفياً، لأننا حتى في الصوت لم نعد مفوهين، ولم يعد خطابنا ممكناً ومقبولاً، إنما نهذي خارج الحساب اللفظي، ونتحدث عن كل ما له علاقة في العالم، لكن أن تبوح بما يحدث في (غزة) فأنت تحارب الشرعية، وتناوئ العالم المتحضر، وما إلى تلك الهيولاء المريبة.

تجويع الجياع في غزة حالة جديدة، فبعد أن جاع أهلها بات من المهم تجويعهم، وقتل كل عنصر المقاومة فيهم، فكادوا أن ييأسوا حينما دارت رحى الحرب عليهم وعلى أجساد أطفالهم في عز الشتاء، إلاّ أنهم حمدوا الله حينما أطلّ الصيف .. فلا مشاحة - كما يقولون لوسائل الإعلام - أن يثبتوا قوّتهم وصبرهم وبأسهم حتى وإن باتوا في العراء كما خلقهم الله في العصور القديمة، فقد يتظلل بأي فيء في النهار، والليل برحمة الله وعونه.

وإمعاناً في التجلُّد والصبر، فهاهم أهل غزة يرسلون إشارة بأنهم يعتزمون بناء بيوتهم من الطين، ويصلحون حالهم بالدقيق النادر، وبالزيت القليل ليعيشوا على الكفاف، لأنّ من يصمت الآن، ومن يناور أو يفاوض في فلسطين لم ينل أي شيء، فمن باب أولى أن يقاوم إلا أن يعجل بحل، ولا يؤجل بأمر مكيدة جديدة تحاك من أدعياء الحلول الممكنة.



Hrbda2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد