Al Jazirah NewsPaper Friday  12/06/2009 G Issue 13406
الجمعة 19 جمادىالآخرة 1430   العدد  13406
اهيب بقومي
حب الإنكليز للعرب.. ومن الحب ما قتل!
فائز موسى الحربي

 

إن مَن يقرأ في أدبيات الثورة العربية التي قامت عام 1334هـ (1915م)، خصوصاً الدور الكبير الذي قام به الإنجليز، يلحظ مدى نجاح الدعاية الإنجليزية المتمثلة في السيطرة على عواطف العرب واستلاب عقولهم، وجعلهم يصدحون بأهازيج الحرية الوطنية، ويتغنون بأمجاد القومية، بل يتغزلون بحب الأصدقاء الإنجليز. وهكذا استطاعت تلك الدعاية الماكرة أن تجعل العرب يكرهون الأتراك أشد ما يكون الكره، ويحبون رسل الحرية الأوروبيين المتعاطفين مع العرب، والمخلصين في مساعدتهم؛ لنيل حريتهم وإعادة حقوقهم التي نهبها الأتراك المستعمرون!

كان هؤلاء المحبون للعرب كرماء جداً مع العرب، ولم يقف كرمهم عند حد إمداد العرب بالمال والسلاح بسخاء، وإنما خاضوا المعارك مباشرة، وأعطوا العرب دروساً مجانية وعملية في كيفية زرع المتفجرات تحت قضبان سكة حديد الحجاز، ليس لقطع أهم طرق المواصلات في الدولة الإسلامية فحسب، ولكن لقتل أكبر عدد من الأتراك الأنجاس، حسب وجهة نظر هؤلاء الإنجليز المهذبين!

يقول أحد الرجال المشاركين في الثورة العربية، وهو فائز الغصين، المحامي السوري الذي التحق بخدمة قيادة الثورة في الحجاز وهو يتكلم عن وصوله إلى ينبع: (... وقد تعرفنا على الميجر (غرالاند) الإنجليزي، وقد جاء لينبع يعلم العرب وأفراد الجيش استعمال الديناميت في نسف الجسور والقطارات). (مذكراتي عن الثورة العربية. ص 256). وقال في (ص 259) يصف إحدى رحلاته البحرية في سبيل خدمة الثورة، ويصف المركب الإنجليزي الصديق الذي أقله من رابغ إلى ينبع البحر: (في 21 محرم 1335هـ)... وكان ربان البحر الكابتن (بوئر)، وكان محباً للعرب، وقد ساعدهم مدة الحرب).

أما الشريف عبدالله بن الحسين أحد زعماء الثورة العربية فيقول في كتابه: (مذكراتي) (ص 147): (ألحقت بنا مفرزة تخريب فنية يقودها ضابط بريطاني برتبة ميجر، واسمه (دافنبورت)، وهو رجل دمث خلوق.. وممن كان في معيته من الإنجليز الكابتن (غارلند) وهو من محبي العرب مخلص شديد الإخلاص، وكان من الساعين للعمل مع المخلصين من العرب للعرب.. ثم كان من الرجال الذين عرفتهم بطيبة النفس والإخلاص الكابتن (غولدي) وهو رجل نحيف طويل معروق الوجه أخضر العينين بشوش هشوش. ثم عرفت أيضاً من الإنجليز الكولونيل (نيوكمب) وهو ممن يتظاهر بمحبة العرب في كل محل، ومن كثرة أحبابه ظل في عمله. وممن عرفت منهم الميجر (جويس) أو (جويس بك)، وهو من أخلص الناس للإنكليز والقضية العربية، وقد خدم أكثر من لورانس خدمة حقيقية قاسى فيها أنواع الشدائد، من حرارة مواسم الحجاز في الذهاب والإياب... الخ).

أقول: في الحقيقة أن هذه الأسماء ما هي إلا غيض من فيض من أسماء الضباط والجواسيس الإنجليز الذين سعوا إلى تمزيق الدولة العثمانية، وتقاسم البلاد الإسلامية، وإعطاء فلسطين لليهود، من خلال الضحك على العرب بما أسموه الثورة العربية، وفي هذا الصدد فإن (لورانس) الذي يعده الثوار العرب الحبيب الإنجليزي الأول، يقول في مذكراته: (وقد أيقنت أن الثورة العربية ستكون السبب في تمزيق تركيا).. ويقول أيضاً: (وبما أننا نقاتل في سبيل انتصار الحلفاء؛ رأينا من واجبنا أن نضحي بالعرب في سبيل الإنجليز، بل بالأحرى في سبيل انتصار قضية الحلفاء!).

ولأن العبر تستفاد من التاريخ فهل استفاد العرب من تجربتهم مع محبة الإنجليز من (لورانس) إلى (بلير)، خصوصاً فيما يتعلق بقضية فلسطين والعراق، التي تنهب فيها أوطان، وتضيع حقوق، وتقتل شعوب أم أن من المحبة ما قتل؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد