Al Jazirah NewsPaper Friday  12/06/2009 G Issue 13406
الجمعة 19 جمادىالآخرة 1430   العدد  13406
بنك هونج كونج المركزي والمحسوبية
سِن مينج شو

 

أعلن جوزيف يام، رئيس هيئة النقد في هونج كونج، عن اقتراب موعد تقاعده. في الظروف العادية ما كان لحدث كهذا أن يشكل أية أهمية إخبارية. غير أنه كذلك بالفعل، ولأسباب وجيهة.

فقد أصبح لدى دونالد تسانج، الرئيس التنفيذي لحكومة هونج كونج، الفرصة لإعادة النزاهة والحكم السليم إلى واحدة من أهم الهيئات القانونية في الإقليم عن طريق اختياره لشخص على أساس الكفاءة والنزاهة التي لا يرقى إليها شك.

لا يزال يام بطلاً في أعين الكثيرين في هونج كونج، بما في ذلك الصحافيون غير المثقفين في مجال التمويل الدولي.

فهو في نظرهم الوصي على دولار هونج كونج، الذي تم تثبيت سعره طيلة ستة وعشرين عاماً عند 7,8 في مقابل الدولار الأميركي.

وأثناء أزمة 1998 المالية، كان تخفيض قيمة العملة ليلحق الضرر بهؤلاء الذين كانوا يمتلكون عقارات محلية ولكن مكاسبهم أو أصولهم كانت قليلة بالدولار الأميركي.

وليس من المستغرب إن القِلة المحتكرة من أباطرة الملكيات في هونج كونج كانوا يعارضون تغيير نظام ربط العملة رغم المبالغة الكبيرة في تقدير قيمة العملة آنذاك.

وجاء الحفاظ على سعر الصرف عند 7,8 في مقابل الدولار الأميركي على حساب ستة أعوام من الركود الاقتصادي. كانت العملة محكومة من الناحية النظرية بواسطة مجلس العملة، الذي اخترعه البريطانيون للعمل به في مستعمراتهم الأصغر حجماً.

ولقد ربط هذا المجلس العملة المحلية بالجنيه البريطاني، الأمر الذي حرم السلطات المحلية من حق الاختيار فيما يتصل بالسياسة النقدية. ورغم أصله الإمبراطوري فإن المنطق وراء مجلس العملة كان سليماً.

ذلك أن المستعمرات كانت تفتقر إلى الخبرات، وكان منح المستعمرات الحرية فيما يتصل بسياسة طبع النقود أو تحديد أسعار الفائدة قد ينتهي إلى كارثة اقتصادية - كما حدث بالفعل في العديد من المستعمرات السابقة بعد نيلها لاستقلالها. كان يام يشعر بالإحباط دوماً بسبب الافتقار إلى الحرية في التعامل مع السياسات في ظل مجلس العملة.

وقبل أن تندلع الأزمة في عام 1998 كان قد اتخذ التدابير التي منحته الحيز اللازم للتلاعب بالعملة وأسعار الفائدة.

وكان انحرافه عن النظام أيضاً سبباً في خلق ثغرات لم يعلم بها أو لم يعتبرها ذات صلة أو أهمية. وهذا هو بالتحديد ما كان بُناة الإمبراطورية البريطانية يسعون إلى منعه.

وحين حوَّل محترفو الاستثمار العالمي اهتمامهم أثناء الأزمة المالية الآسيوية (1997-1998) من تايلاند وكوريا إلى هونج كونج فسرعان ما رصدوا نقاط الضعف البنيوية التي كان يعاني منها نظام إدارة العملة. وفي وقت سابق كان خبراء محليون قد حذروا يام في هذا الشأن، ولكنه تجاهل حججهم بأسلوب وصفه أحد خبراء الاقتصاد الذين حضروا الاجتماع بأنه كان (مهيناً ومحقِراً).

فضلاً عن ذلك فقد تركوا المكان وقد أصابتهم الصدمة حين أدركوا أن يام، ووزير المالية آنذاك دونالد تسانج الذي كان رئيسه اسمياً ولكن من دون سلطة حقيقية، لم يفهما حقاً المنطق الاقتصادي الذي كان خبراء الاقتصاد يحدثانهما به.

وتحت قيادة هيئة النقد شنت حكومة هونج كونج حملة تدخل غير مسبوقة، فاشترت الأسهم المحلية (للتغلب) على المضاربين، ولكنها فشلت في وقف التدافع من قِبَل المستثمرين العالميين، بما في ذلك صناديق المعاشات والاستثمار المشترك المحافظة. في النهاية، وبينما كانت الحكومة على وشك استنفاد كامل احتياطياتها من العملات الأجنبية، أدرك يام أنه كان عليه أن يغير مساره.

فتقبل بحكمة اقتراحات منتقديه، وأصلح المشكلات التي كان ينكر وجودها سابقاً.

وبعد ذلك تقلد أعلى أوسمة الخدمة العامة على يد رئيس هونج كونج آنذاك تونج تشي هوا، الذي أطاحت به بكين في وقت لاحق لعدم كفاءته.

واليوم يتعرض يام لانتقادات واسعة النطاق في هونج كونج بسبب فشله في حماية صغار المستثمرين من أساليب البيع غير النزيهة التي تبنتها بعض البنوك حين باعت مشتقاتها السامة التي يرجع أصلها إلى ليمان براذرز، والتي كانت متخفية في هيئة سندات.

ولكنه نفى اضطلاعه بأي مسؤولية في هذا الأمر، رغم أن هيئة النقد تشرف على كل المؤسسات المالية في هونج كونج. إن يام هو الموظف المدني الأعلى أجراً في العالم على الإطلاق، حيث بلغت مكاسبه 1,5 مليون دولار في العام الماضي.

وراتبه يتجاوز سبعة أمثال راتب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، وثلاثة أمثال راتب رئيس هونج كونج. وهو يزعم أنه يستحق المكافأة باعتباره مديراً مالياً يشرف على أرصدة تبلغ عدة مليارات من الدولارات في القطاع الخاص.

ولكن في حين يُفصَل المسؤولون في القطاع الخاص أو تخفض رواتبهم إذا كان أداؤهم هزيلاً، فإن يام كان يريد راتبه من القطاع الخاص دون أن يتحمل أياً من المخاطر المتصلة بهبوط الأداء.

كانت لجنة التعويضات التابعة لهيئة النقد مسؤولة فقط عن تحديد راتب يام.

ولكن أثناء مدة خدمته التي بلغت ستة عشر عاماً، كان يام يتولى تعيين أعضاء هذه اللجنة، ويختارهم من بين العاملين في القطاع المالي الذي كان يتولى تنظيمه والرقابة عليه. وبطبيعة الحال، كانت اللجنة توافق دون نقاش على راتبه.

إن تقاعد يام يشكل فرصة لحكومة هونج كونج لمعالجة قضية رئيسة متعلقة بالحكم. فيتعين عليها أن تلغي هيئة التعويضات وأن تضع في محلها نفس هيكل الخدمة المدنية المعمول به في الحكومة التي تشكل هيئة النقد جزءاً لا يتجزأ منها.

خاص بالجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد