Al Jazirah NewsPaper Friday  12/06/2009 G Issue 13406
الجمعة 19 جمادىالآخرة 1430   العدد  13406
حولها ندندن
الانفصام بين النظرية والتطبيق
د. جواهر بنت عبدالعزيز آل الشيخ

 

الذي يرى حال الكثير من شبابنا وشاباتنا يتأكد أن التعليم عندنا مفصول تماماً عن الواقع، سواء أكان هذا الواقع واقعاً اجتماعياً أو دينياً أو حياتياً، والنماذج الواقعية العديدة هي التي تصدمنا، بل وتثير حنقنا، وقد لفت انتباهي مؤخراً أحد الرسوم الكاريكاتيرية في صحيفة الجزيرة عبّر عن هذا الواقع الأليم بحوار دار بين والد وابنه الشاب الجامعي العاطل، حيث يخاطب الأب ابنه بحنان وواقعية مقترحاً عليه أن يستغل موسم الامتحانات ويدرّس دروساً خصوصية لمن يحتاجها، فيرد عليه الابن المتعجرف بأسلوب يثير السخرية والاشمئزاز قائلاً: مركزي ما يسمح لي!.

أي مركز يا أخي هذا الذي تتحدث عنه؟ وأنت ما زلت تعيش عالة على والدك رغم وصولك لسنوات النضج والعقل؟ لقد كان الأبناء الذكور في مثل هذا العمر يحملون أُسرهم فوق ظهورهم بدءاً من الجِدة والجِد المقعدين، ويأكلون لقمة عيشهم مغموسة في طعم عرق الجد والشرف، حتى وصل بعضهم إلى مراتب عليا مادياً أو معنوياً.

وليت الأمر يقف عند حد الخريجين الجامعيين فحسب، بل إن هذه العدوى المضحكة المبكية وصلت إلى من هم في مستويات متدنية من التعليم، حيث آلمني أشد الألم موقف أحد أبناء العاملات الكادحات السعوديات في إحدى المؤسسات الحكومية، التي أتت من (منطقة داخلية بعيدة)، ولا يتجاوز راتبها حفنة قليلة من الريالات اضطرت إليها لترملها بعد وفاة زوجها الذي ترك لها شباباً تقف الأفيال على أكتافهم، حسدتها نظائرها عليهم، ولكن الصدمة أنهم جميعاً رفضوا مواصلة تعليمهم الذي وصل بحمد الله (للشهادة الابتدائية)، ورغم ذلك رفضوا القيام بأي عمل (لا يليق بمستواهم!) إلى حد أنه حينما اضطر أحدهم لإرضاء والدته المسكينة بأن ينخرط في إحدى الوظائف البسيطة، سخر منه أخوه معايراً إياه بقوله: كيف ترضى أن تعمل (براتب هندي)؟

وليت الحال يختص بحالات معدودة يمكن تجاوزها، بل إن كثيراً من البيوت أصبحت تحوي أمثال الشخص الأول أو أمثال الثاني، حتى أصبحوا عالة على أهاليهم، أو أداة طيعة في أيدي أصحاب (النوايا السيئة) الذين يحركونهم كما يشاؤون! ليس ذلك فقط، بل إن الخطب فادح لدرجة مذهلة، وذلك فيما نراه من رعونة في القيادة تؤدي (لحوادث قاتلة أو معيقة)، وإصرارهم على والديهم بالحصول على هذه الوسيلة الانتحارية حتى قبل أن تنعم أظافرهم.

وغير ذلك من السلوكيات السلبية والتصرفات المشينة التي نلحظها بوضوح في نسبة لا يستهان بها من شبابنا وشاباتنا مثل التكالب السخيف على المظاهر الزائفة والتفاخر بالماركات الأجنبية المقدسة في نظرهم القاصر رغم أن نوعية بضاعة كثير منها تبلى خلال أيام، ولم يعد الأمر ينطلي على المتسوق والمتسوقة الواعيين، والأنكى من كل ذلك (العلاقات المشبوهة) بين الجنسين أو العلاقات المثلية، بل والمجاهرة بذلك دون حياء أو خوف!.

الذي أود الوصول إليه هو (أن لا تنفصم عرى التعليم عن الواقع)؛ فلا بد أن يكون معها تطبيق عملي يوازيها، فلم تعد الدروس النظرية وحدها تجدي نفعاً، فلا بد أن تحوي مناهجنا التعليمية (زيارات ميدانية) متناوبة تشرف عليها المؤسسات التعليمية والتربوية إلى المستشفيات حيث يرقد ضحايا الحوادث، وإلى السجون حيث يقبع ضحايا المخدرات والشهوات المحرمة، وأن يتعلم كل شاب وشابة من خلال التعليم صنعة مختارة من رغباتهم تقيهم ذل الحاجة وتطبع في عقولهم أن العمل اليدوي ليس عيباً، بل مفخرة، وإلا فإن تعليمنا سيصبح زبدا دون أي تأثير إيجابي في هذا العصر المنفتح بل المتعري.



g.al.alshaikh12@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد