أشياء كثيرة في الحياة الحديثة ظلت لبعض الوقت بعيدة عن محيطنا الجغرافي، لكنها وصلت إلينا أو هي في الطريق.

لكن صراع قوى الممانعة ضد التغير واختيار الثبات على المواقف والأشكال القديمة، دون تطور مع استمرار الرجعية، هو صراع مع الوقت، ولكسب المزيد من الوقت في الظلمة، البقاء خارج التغطية الكونية لأطول وقت ممكن.

ومع إدراك أن الوقوف في وجه كل قادم حديث للبشرية، أصبح أمراً غير وارد، أو في حساب المستحيل، إلا أن هذه القوى تصر بشكل فاضح على أنها ليست في خانة الممانعة ضد الجديد، لكنها تريد سلطة ممارسة الفرز من أطر دينية واجتماعية، لكنها أطر هي الأخرى مؤقتة طبقاً للاجتهاد والحاجة، لكن قوى الممانعة هذه تدرك تماماً أن المسألة مسألة وقت، لذا هي تصر على المنع لكسب المزيد من الوقت في ساحة الثابت وخصوصيته وسلطته.

فيما ترى القوى الحية اجتماعياً، أن البقاء استثنائياً خارج الكون وحداثته يعني المزيد من التراجع عن المجتمع العالمي، والاعتماد على الوقت لتغير الكثير من الأشياء، سينتج تغيراً بطيئاً ومملاً يستنزف أجيالاً وطاقةً وفرصاً.

الكثير من الأشياء التي ظلت في قائمة المحرم أو الرفض، لم تعد كذلك وأصبحت جزءاً من واقعنا ولا نتصور حياتنا بدونها، على الرغم من كل تلك المقاومة الصاخبة التي هدرت طاقة أجيال، وكرست لتخلف أو تراجع مستمر، لكنه أصبح اليوم أقرب إلى طرفة متداولة وسخرية مقبولة تتناولها أجيال بمتعة وتهكم.

وتحولت المواجهات السابقة، والتي اعتقد جيل سابق بأهميتها وأنها أساس الصلاح والتقوى، إلى ذكرى لا تستحق الاحتفاء بها، بل ويخجل البعض من إعادة تداولها، كما حدث عند إنشاء التلفزيون والإذاعة، وإدخال البنات إلى التعليم، والبث الفضائي، وبشكل أقل ممانعة مع الإنترنت، والهاتف الجوال بالكاميرا، وهو يتكرر اليوم بصيغ عدة، مع محاولات جادة لإدخال التغيرات الاجتماعية والحضارية، مثل إدخال اللغات الأجنبية إلى المناهج، كما الرياضة لمدارس البنات، وحتى ما يتعلق بتطوير القضاء والأنظمة، وقيادة المرأة للسيارة، أو دور السينما، وغيرها.

التركيبة الدائمة الرافضة لاستمرار حياة متطورة تتكرر بأشكال مختلفة، لكن الملاحظ أن قوة الدفع للتغير من الأعلى هي أقل من زخم تجاربها السابقة، وهو أمر يعود لتعقيدات منها ما يتعلق بالتشابك الديني والاجتماعي ومراكز قوى تتبدل باستمرار.

المؤكد أن المجتمع السعودي يسير في حركة دائرية باتجاه المستقبل، والشواهد حولنا تسجل للكثير المتحول اجتماعياً وثقافياً، وحتى في مسار الاجتهادات الدينية ونقدها، رغم قوى الممانعة وزخم تيارها.

إلى لقاء