Al Jazirah NewsPaper Sunday  14/06/2009 G Issue 13408
الأحد 21 جمادىالآخرة 1430   العدد  13408
الرياضة.. والمرأة.. والإسلام
خالد المعينا

 

يصر عدد من الناس الذين التقيت بهم ممن يصفون أنفسهم بالمحافظين على الاستمرار في جعل قضية ممارسة المرأة المسلمة للرياضة قضية خلافية ينتهون فيها إلى تحريم الرياضة على المرأة المسلمة.

بل إن البعض منهم بلغ به الأمر وسمح لنفسه أن يقذف المحصنات باتهامهن (بعدم الحياء) وهي جريمة، لأن وصفهن بعدم الحياء يعني نزع الحياء منهن وهو ما يعني أيضا نزع شعبة من شعب الإيمان وهو أمر رفضته شريعتنا السمحاء.

وقد رأت مجلة (شمس) أن تقدم لقرائها عرضا وافيا وموجزا لبحث علمي نشره صاحبه الأستاذ الشيخ منصور مندور في كتاب تحت عنوان (دعوة الإسلام إلى ممارسة الرياضة).

يقول الأستاذ الشيخ في مقدمة الكتاب: (هذه الأوراق التي بين يدك - أخي القارئ- تذكرك بحقائق غائبة عن كثير من المسلمين، ولا ادعي أنني أتيت بشيء من عندي، بل هي حقائق موجودة في الشريعة الإسلامية التي أتت بكل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم..).

إن ممارسة الرياضة حقيقة إسلامية غائبة عن كثير من المسلمين، وسنة من سنن سيد المرسلين، والتي بسبب تركها أصاب كثير من المسلمين هم كبير وضعف شديد، فأصبحت أجسادهم ثقيلة، وأبدانهم سقيمة، وعقولهم خاملة، وظهروا في هيئة مترهلة؛ جعلت الغرب ينظرون إلينا على أننا أصحاب كروش ولسنا أصحاب حضارة..!

والشريعة الإسلامية دعت الناس رجالاً ونساء وأطفالاً وشيوخاً إلى ممارسة الرياضة بهدف الحفاظ على صحتهم، وإضفاء روح المرح بينهم، وان من ينكر عليهم ذلك إنما ينكر حقيقة إسلامية وسنة نبوية فعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمر بها وأقر أصحابه عليها. إذن فروح المرح بين المسلمين أمر واجب والعبوس المتعمد بادعاء الخوف على الإسلام أمر مرفوض.

وقد قسم الأستاذ الشيخ مندور كتابه القيم إلى فصلين وخاتمة بعد مقدمة وتمهيد مختصرين.

وجاء الفصل الأول تحت عنوان: أهمية الرياضة في حياة المسلم وفيه تناول الموضوع من خلال أحد عشر مبحثا تناول في الأول منها إثبات أن ممارسة الرياضة من السنة النبوية حيث جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف...)، إذا الجسم القوي أقدر على أداء التكاليف الدينية والدنيوية من الجسم الضعيف.

وأخذاً بسنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) قال الإمام ابن القيم عندما تحدث عن الحركة وممارسة الرياضة قال: (إن الحركة هي عماد الرياضة وهي تخلص الجسم من الرواسب وفضلات الطعام بشكل طبيعي وتعود البدن الخفة والنشاط وتجعله قابلا للغذاء وتمنع عنه تصلب المفاصل وتقوي الأوتار والأربطة.. الخ).

ثم شرح كلمة رياضة وعرف السنة النبوية وبين منزلتها من التشريع الإسلامي وخلص إلى أن السنة حجة على المسلمين بلا خلاف، وقد أجمع علماء الأمة على أن من أنكر حجتها عموما فهو كافر مرتد عن الإسلام.

ثم تناول في المباحث المتتالية مفهوم القوة في الإسلام فعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (ليس الشديد بالصرعة) قالوا: فالشديد أيم هو؟ يا رسول الله قال: (الذي يملك نفسه عند الغضب).

ولأن الإسلام دين الاعتدال والوسطية، فقد حث أتباعه على الاعتدال في كل شيء حتى في الرياضة. فصحة البدن منهج ودعوى، وغاية إسلامية (فكما أن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كذلك زكاة البدن موقوفة على استفراغه من أخلاطه الرديئة)، ولا يتحقق ذلك إلا بالمحافظة والمداومة على ممارسة الرياضة.

كما أكد الكاتب في أحد مباحث الفصل الأول على اهتمام الإسلام بالرياضة، وان ممارستها ليست من قبل اللهو أو اللعب بل هي من الواجبات، في حين أكد بشكل خاص على أهمية الرياضة للأطفال بنين وبنات، إذ لا تفرقة في ذلك، وأورد الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد ذلك.

ثم كان أهم المباحث والذي يعنينا في هذا المقام وهو حق المرأة المسلمة في ممارسة الرياضة..؟!

روى أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت خرجت مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في بعض أسفاره وأنا جارية، لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال: تعالي حتى أسابقك، فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: هذه بتلك.

وهنا قال صاحب (نيل الأوطار) للإمام الشوكاني: (وفي الحديث دليل على مشروعية المسابقة على الأرجل وبين الرجال والنساء، وإن مثل ذلك لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن، ولا فرق بين الخلاء والملأ).

وهذا يعني أن المرأة المسلمة لكي تستطيع أن تمارس ما تهواه من الرياضة بحرية كاملة يجوز لها ذلك مع محارمها؛ فهي لا تحب أن يطلع عليها غير المحارم.

فلم يحرم الإسلام المرأة من حقها في ممارسة الرياضة والترويح عن نفسها ما دام ذلك في أطر الشرع الحنيف، وأن ما يعمد إليه بعض المتزمتين من منع تام لممارسة المرأة للرياضة حتى ولو كان ذلك في الإطار الشرعي، لا يمكن تفسيره إلا أنه مخالفة للسنة النبوية المطهرة؛ فضلا عن إضعاف صحة ولياقة (أمهات المسلمين) وإصابتهن بأمراض قلة الحركة والسمنة وإرهاق القلب، الأمر الذي يترتب عليه خلق جيل مصاب بالوهن والضعف والإعياء.

ثم اختتم الأستاذ الشيخ منصور مندور الفصل الأول من كتابه الموثق بمبحث حدد فيه الأطر الشرعية لممارسة الرياضة، سواء للرجال أو للنساء، شيوخ أم شباب، مستهلا الحديث بما اتفق عليه علماء الإسلام على أن عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته، وأن جميع جسد المرأة عورة ما عدا وجهها وكفيها، وأضاف البعض القدمين دون إجماع، وعلى ذلك فكل رياضة يمارسها الرجل أو تمارسها المرأة مع الحفاظ على هذا المبدأ الشرعي فلا حرج.

وخلص في نهاية القول إلى أن المسلم (رجل أو امرأة) الذي يمارس الرياضة يحرص على ما يلي:

- عدم إبداء العورة المغلظة أو جزء منها، ولو كان لرجل مثله، أو امرأة مثلها.

- عدم النظر إلى عورة الآخرين.

- عدم وصف شيء من جسد المرأة للآخرين.

- التواضع عند النصر، وعدم الاغترار بالقوة أو إيذاء الآخرين أو إضاعة حقوقهم.

- ألا يترتب على ممارسة اللعبة أو مشاهدتها (أيا كان نوعها) ضياع شيء من فرائض الدين.

- التحلي بمكارم الأخلاق القولية والفعلية إبان ممارسة الرياضة حفاظاً على المظهر الإسلامي.

- الحرص على الاستفادة من النشاط الرياضي سواء كانت الاستفادة جسمية عضلية أو روحية نفسية أو ذهنية عقلية؛ ذلك أن الوقت بالنسبة للمسلم رأس ماله.

- عدم الاختلاط أو الاجتماع -بين الرجل والمرأة- المؤدي إلى الريبة والشك.

أما الفصل الثاني من الكتاب القيم فقد جاء تحت عنوان (رياضات مارسها الرسول) صلى الله عليه وسلم وحض عليها وهي: السباحة، والمشي السريع، المبارزة، الرمي، السباق بالخيل، مسابقة الإبل.

وإذا تأملنا أركان الإسلام نجد أن ترديد الشهادة رياضة وتطهير للنفس، والصلاة وأداؤها الحركي رياضة متكاملة لعضلات جسم الإنسان، والحج وأداء الفريضة مشقة بدنية تقوم جسم الإنسان وتقويه، والطواف بالبيت مع الهرولة وتحريك الكتفين رياضة للبدن، بل إن الصوم فيه رياضة للنفس ورياضة للجهازين الهضمي والدموي.

هذا ما أكده خبراء الطب الطبيعي والتربية البدنية أن أداء الفرائض وحركاتها العضلية من شأنها أن تعمل على الحفاظ على النغمة العضلية وتنشيطها، وتعمل على المحافظة على القوام المنتصب للإنسان (رجل كان أم امرأة) بشكل متوازن.

هنا نخلص إلى أن اعتناء الإنسان (رجل أو امرأة) بجسده من حيث الصحة والجمال والنظافة ليس من الكبر في شيء؛ بل هو من قبيل العبادة التي يتقرب بها العبد إلى ربه.

والمحافظة على ذلك تعد عبادة دائمة ومتصلة، إذ إن الذي يحافظ على مبادئ النظافة والجمال والصحة، ويأخذ بأسبابها من الطهارة والرياضة لا يفرط يوما في شيء من مبادئه؛ فيكون ذلك من قبيل قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل)، صدق رسول الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد