Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/06/2009 G Issue 13411
الاربعاء 24 جمادىالآخرة 1430   العدد  13411
مركاز
الغبار! - 1
حسين علي حسين

 

منطلقات الغبار كان لها في الجزيرة العربية عدة أسماء أبرزها: المعاصير (الأعاصير)، عجة إبليس، الهبوب، وهي مسميات شرسة في مجملها، وتعكس الطريقة التي ينطلق بواسطتها الغبار من الأرض إلى السماء، إنه في العادة، وفي المناطق الترابية الخالية تحديداً، يأخذ الغبار شكل الرجل الذي يصوره أو يجسده مصباح علاء الدين السحري، ينطلق هذا الرجل بشراسة وفي لحظة واحدة من الأرض لينتشر في السماء كغمامة ترابية، في أثرها الورق والقش وكافة الهوام، وإثر ذلك يبدأ هذا الغبار في التشكل، ولك حينذاك أن تتخيل حال الناس الذين يعيشون في المنازل الطينية ويسيرون على شوارع ترابية، لا شبابيك ولا تكييف ولا كمامات، خنقة كاملة يجتازها السكان على مهل وفي معيتهم صبر سيدنا أيوب كله، بلا زيادة أو نقصان!

في الرياض كنا ننام على السطح وهو حالنا في المدينة المنورة، لكن الغبار في المدينة المنورة له مصدات طبيعية صارفة، الجبال والحقول، فلا يصل إلينا ونحن نيام إلا أقله، أما في الرياض فالسماء مكشوفة لا جبال، مجرد هضاب ترابية أو جسية وهي في الغالب تتماهى مع جيش الغبار الغازي، تأخذ منه وتعطيه، لا مشكلة، نستيقظ عندما تلسعنا الشمس ونحن مكللون بالغبار، بدلاً من أن نكلل بأشجار الغار. بالنسبة لي لم يشكل الغبار أية مشكلة، كنت أستيقظ بهدوء وأطش وجهي بالماء، وعندما أفتح باب الغرفة أرى الغبار يأخذ مكانه، كيف تسلل إلى الغرف؟ عبر الدرج والحواجز ودخل، تلك هي الحكاية، إنه غبار صاف، بدقة وصفاء الدقيق، الفرق أن أحدهما أبيض والآخر بيج، ألا يجدر بنا تدليع الغبار؟!

حاولوا تحجيم الغبار، بزراعة شجر الأثل ووضع الحواجز على الطرق الطويلة، خصوصاً طريق الرياض - الدمام وطريق الرياض - القصيم مروراً بعدد من المدن إلا أن كافة الجهود فشلت، خصوصاً مع الجو، حيث تهتز الطائرات بعنف عندما يصادفها جيش الغبار، لم يفكر أحد في رش الصحراء الرملية، خصوصاً الدهناء والربع الخالي؛ فقد قر في أذهان العلماء أن هذا الغبار يضم تحته كنوزاً من الماء والبترول، وهو مادة جيدة للعديد من الصناعات، إنه باختصار نور وديجور، نعمة ونقمة، والحال أنه نقمة ليست عصية على المعالجة، عليك إذا كنت من رقيقي البدن أو مصاباً بالربو، وهو يكثر في المناطق الصحراوية، عليك بأنابيب الأكسجين والكمامات، وعلينا بمد الشجر وتعلية البنيان، أما نوم السطوح فقد جعلتنا نعمة التكييف والأسرَّة الفارهة نودعه إلى غير رجعة، إنه الغبار الذي يعرف طريقه جيداً، مثله مثل السيل، لنأخذ خيره ونتقي شره ما استطعنا!!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد