Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/06/2009 G Issue 13411
الاربعاء 24 جمادىالآخرة 1430   العدد  13411
هل يشتكي المواطن؟
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

وردني عدد من رسائل المحمول والإيميلات والمكالمات الهاتفية تعقيباً على موضوع قد أثرته في أحد مقالاتي، الذي لم أكن أتوقع أن يكون للناس، عامة الناس، ردود الفعل هذه تجاه موضوع كنت أعتقد أنه عادي. لقد كتبت عن ذوي الصنايع السبع في إشارة إلى العمالة السائبة التي تملأ

أرجاء مدننا عند التقاطعات والباحات والأراضي الخالية بحثاً عن رزق مهما كانت طبيعة العمل ونوعيته.

أكثر من ستين رسالة متعددة وصلتني جميعها تشتكي الوضع وتنادي بتغير الحال، وللأمانة عدا واحدة إلكترونية طالب صاحبها بضرورة الإبقاء على تلك العمالة وكأني أنا من يقرر ذلك. المهم أنه طالب بإبقاء العمالة بحجة رخص ما يقدمونه من خدمات مقارنةً مع المؤسسات التجارية أو الشركات العاملة في المجال الذي يحتاجه راسل تلك الرسالة، وقد أسهب في الحديث عنهم وعن صعوبة ذهابه كمواطن لشركة أو مؤسسة باحثاً عن عمل صغير ضئيل يمكن لأي من أولئك العمال القيام به نظير مبلغ زهيد.

ليس المهم بحث الأسباب التي لم يرها راسل تلك الرسالة في ترك تلك العمالة تعبث أثناء بحثها عن لقمة العيش ولا الآثار السلبية إن نحن تركناهم على حالهم، لكن المهم من وجهة نظري هو بقاء المطالبة بتغيير الوضع بالرغم مما يعانيه المواطن، تلك المطالبة التي ظلت هامدة جاثمة راكدة دون حراك حتى تاريخ كتابة المقال. مواقف وآراء الناس لا يمكن أن تظهر إن لم نقم فعلاً بسؤالهم بل وحثهم على إخراجها.

كنت قد كتبت يوما عن رأي شخصي يخص آراء عامة الناس، وأوضحت نقطة اعتبرتها - ومازلت - جديرة بالبحث، وقد أثارت حفيظة الكثير فيما بعد، وهي أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة أقسام فقط، يتمحور القسمان الأول والثاني فيما بين مؤيد أو غير مؤيد للقضية المطروحة بنسبة لا تتجاوز العشرين بالمئة من الناس ممن أسميتهم بأصحاب الرأي الذين يملكون بالفعل القدرة على تشكيل موقف واضح، فيما الثمانون بالمئة الباقية لا يملكون القدرة على اتخاذ قرار وموقف تجاه القضية، وهؤلاء هم من يذهب مع الفريق الغالب ويؤيدون القرار في النتيجة النهائية؛ ولذلك من السهل جداً إن أردنا أن نُغلب رأياً أو موقفاً على آخر أن نهتم بتلك الفئة العظمى التي لا تملك المقدرة على تشكيل رأيها.

والحديث هنا ليس عن الكيفية التي يتم من خلالها تطويع رأي النسبة العظمى في صالح أو ضد قضية ما، وإنما في غيابها عن المشاركة في عدد من القضايا التي تمس حاجاتهم أولاً قبل غيرهم.

الحديث الذي يُفترض أن نتناوله يخص محاولة معرفة الكيفية التي بموجبها نستطيع استطلاع رأي الناس حول عدد من القضايا اليومية الحياتية، الكيفية التي يجب أن يتم إيصال صوت الناس من خلالها، الكيفية التي يتم تشجيع الأفراد على الإدلاء بصوتهم في أمر ما من خلالها، الكيفية التي نحث من خلالها الناس على التقدم بالتعبير عن موقفهم إزاء موضوع ما أو تصرف ما أو حالة معينة.

لا بد أن يعي المواطن الكريم أن موقفه من قضية ما لن يصل إن هو ظل طي الكتمان أو تم تناوله في مجالس على نطاق ضيق، وأنه بذلك يكون قد أسهم في تفشي ظاهرة ربما يكون هو أول المتضررين منها، يجب أن يعي أن تعبيره عن عدم رضاه عن حالة معينة يجب أن يصل للمسؤول، وهو بذلك يساهم بشكل مباشر مع غيره في كشف العديد من القضايا التي تساعد - إن تم رصدها أولاً ومن ثم علاجها - على تحسين الكثير من الأنماط الحياتية المعاشة. يجب أن يعي أن ذلك مسؤولية دينية وأخلاقية واجتماعية وتربوية، وأنه مسؤول عن الاضطلاع بها على الصعيد الشخصي.

على الجانب الآخر، لا بد أن يعي كل مسؤول اليوم أن من أهم أسباب نجاحه في عمله هو قياس نتائج ما يقوم به، والقياس ذلك لن يكون على يد مسؤوله المباشر أو الجهة التي يعمل لها أو من خلال نظام قياس داخلي - إن وُجد - دون النظر لرأي من تقدم لهم الخدمة، عليه أن يعي أن الأداء لا يقاس من خلال إدارته وكمّ العمل المنجز، بل من خلال المواطن الذي يعمل ذلك المسؤول من أجله، عليه فعلاً أن يقيس مدى نجاحه ونجاح إدارته باستطلاع آراء الناس أولاً ومن ثم القيام بعمل التدابير اللازمة لتعديل الوضع.

عليه أن يعي أن المواطن لا يقدم شكوى ولا يقترح رأياً دون أن يُطلب منه ذلك، عليه أن يعي ضرورة وضع آلية معينة لاستطلاع آراء الناس، عليه أن يقوم بعمل كل ما هو ممكن لقياس مدى نجاح أداء مؤسسته أو المنظومة التي يعمل لها من خلال قياس آراء الناس وتقييمهم لذلك ولتلك الخدمات المقدمة، عليه أن يستفيد من آراء الناس؛ فهم من يعاني - إن ساء حال - الخدمة وترديها، وهم من يتضرر إن تواجد بينهم عمالة سائبة تعبث بكل ما حولها.

أخيراً، على المسؤول أن يعي أن تغيير طباع الناس ليس بالأمر السهل، وبالتالي لا بد له أن يقوم كأضعف الإيمان بمحاولة بحث وتحري المعلومة؛ فمعظم من يستفيد أو يتضرر من الخدمات التي تقع في منطقة عمل ذلك المسؤول هم من الثمانين بالمئة. إلى لقاء قادم.. إن كتب الله.



dr.aobaid@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد