Al Jazirah NewsPaper Friday  19/06/2009 G Issue 13413
الجمعة 26 جمادىالآخرة 1430   العدد  13413
في ندوة «الجزيرة» بمناسبة الذكرى الرابعة للبيعة:
خادم الحرمين الشريفين شخصية قيادية من طراز نادر

 

خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - شخصية قيادية من طراز نادر ومنذ اللحظة الأولى لتوليه المسؤولية عينه وقلبه مع الشعب، اهتمامه كبير بمشروعات التوسعة في الحرمين الشريفين وكذلك المشاعر المقدسة، رعايته لكل مشروعات التطور في هذه البلاد، حرص على توفير وظائف لجميع الشباب، اهتم بالمرأة ووفر وهيأ فرص العمل المناسبة لها، وفي عهده تم وضع حجر الأساس لمدن اقتصادية كبيرة في المملكة، كما أن هذا القائد هو صاحب فكرة حوار الأديان كما أنه - حفظه الله - هو من يؤكد يوما بعد آخر ثقل المملكة ودورها الريادي في العالم.

من هذا المنطلق، نحن نعيش الذكرى الرابعة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملكا على المملكة العربية السعودية ارتأينا في (الجزيرة) أن نطرح كل تلك النقاط السابقة في ندوة أقيمت بمكتب (الجزيرة) بجدة شارك فيها مع محرري الجزيرة الدكتور عبد الله مرعي بن محفوظ نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية بجدة، والدكتور عبد الله بن معتاد الخالدي من كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز ومستشار التنظيم وتطوير المنظمات والكاتب والروائي الأستاذ حامد بن عقيل.

وهم يقدمون التهنئة بالذكرى الرابعة لمبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين - حفظهما الله -، أجمع المشاركون في الندوة على أن شخصية الملك وما قدمه لشعبه والعالم تحتاج إلى أيام وأيام للحديث عنها، وكذلك إلى صفحات وكتب، ومن هنا قال: د. عبد الله مرعي بن محفوظ: منذ أن تولى الملك عبد الله بن عبد العزيز إدارة شؤون البلاد نجد أن تحركاته داخل المملكة واللقاءات التي جمعته بقطاعات كبيرة من الشعب لها أثر كبير، إذ غيرت النظرة التي كانت موجودة سابقاً من أن الناس ترى الملك فقط على شاشات التلفزيون وصفحات الصحف.

الملك عبد الله خرج عن هذا الإطار. أذكر أنه عندما زار جلالته شركة مكة للإنشاء والتعمير خرجت الناس مذهولة بعد أن رأته يتجول بتواضع شديد بينهم، وكذلك احتكاكه بالمواطنين في الرياض ونجران وجازان.

هذه الزيارات المتعددة غيرت من مفاهيم الناس، حيث أصبح يلامس حياة الناس وهمومهم. لذلك فإن تعبير المواطنين عن الحب الذي يكنونه له هو تعبير صادق، لأن احتكاكه بأفراد الشعب رفع من حب الناس له. كذلك تعامل الملك مع النساء حيث كان هناك حذر وتوجس في هذا الأمر في السابق.

الملك عبد الله في مناسبات عديدة كان يستمع إلى السيدات، وكان يسلم عليهن والتصاقه بالشعب معروف ومشهود، لذلك أطلق عليه (ملك الإنسانية).

قريب من الناس

د. عبد الله الخالدي: الحديث عن شخصية مثل الملك عبد الله حديث ذو شجون لأنه شخصية صنعت أمجادها عبر اجتهادات كثيرة، وهو خلاصة تجربة تاريخية ممتدة منذ سنوات طويلة، ولذلك لا تستغرب هذه التشكيلة الرائعة من الصفات المتميزة لديه وهو شخصية قريبة من قلوب الناس.

الملك عبد الله قريب من الناس بسبب هذه العفوية التي يتميز بها والبساطة والتقدير والقرب والالتصاق بالمواطنين، مما يدفع الجميع لمحبة هذا القائد لمحبته شعبه وارتباطه به كشخص يكسر كل القيود الرسمية ليصافح رجلاً بائساً على الطريق، أو يحنو على طفل ينثر على وجهه الورود. من الصعب الحديث عن شخصية مركبة التكوين مثل خادم الحرمين.

لم يأت من فراغ

الأستاذ حامد بن عقيل: الملك عبد الله أحبنا فعشقناه، ولم يأت حب المواطنين له من فراغ. نحن جميعاً تعودنا منذ أن كان ولياً للعهد على مبادراته الرائعة. الحب الذي نلمسه في قلوب الجميع للملك نشأ من تفاصيل بسيطة.

عندما استقبل أبناء شهداء الواجب وقام بإكرامهم رأينا جميعاً كيف أن الملك كان بسيطاً معهم. كذلك في جولته في أحياء الرياض التي أوضحت أن جزءاً من كاريزما الملك يعود للعفوية التي يتصف بها.

الناس يعلمون أنه ليس هناك شيء مصطنع في شخصية الملك. فالذي نراه على شاشات التليفزيون هو نفسه الملك عبد الله في حياته العادية. ليس هناك شخصية مصطنعة وأخرى حقيقية. الملك يتعامل بعفوية ويستمد كاريزماه من هذه العفوية.

قبل أيام نشرت إحدى الصحف أن الملك عبد الله من أهم أربع أو خمس شخصيات في العالم. المملكة في عهده أصبحت تتمتع بثقل اقتصادي وسياسي كبير. بعد أزمة الخليج ووضوح موقف المملكة من القضية الفلسطينية أعتقد أن المملكة استطاعت أن تتبوأ المكان اللائق بها.

استطاع الملك عبد الله أن يوجد للمملكة ثقلاً في العالم كله. مصر في السابق كانت هي الرائدة في هذا المجال ولكن بعد الهجوم الإسرائيلي على لبنان عام 2006م استغرب الكثيرون من تصريحات قادة المملكة التي تبين في ما بعد أنها كانت خطوة مهمة جداً في جعل المملكة من أهم الدول في المنطقة.

الاهتمام بالمشاعر المقدسة

اهتم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتوسعة الحرمين الشريفين وكذلك المشروعات الجديدة في المشاعر المقدسة، وذلك دليل واضح لاهتمامه بكل ما يريح حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين وزوار مسجد رسول الله في المدينة المنورة؟

د. عبد الله مرعي بن محفوظ: هناك مرتكز أساسي منذ قيام الدولة السعودية الأولى والثانية. في مختلف المراحل فإن القوة التي تقوم عليها السعودية مرتبطة بالمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة. القدرة المادية للمملكة تنعكس أول ما تنعكس على المدينتين المقدستين. ولكن ما تم في عهد الملك فهد والملك عبد الله من بعده هو شيء يقارب الخيال. التوسع والتنظيم في المدينتين.

كذلك بخصوص عملية الاستيعاب. كنا في السابق نتحدث عن قدرة المملكة على استيعاب مليون ونصف المليون أو مليوني معتمر خلال العام. الآن - ولله الحمد - يمكن أن يصل عدد المعتمرين خلال العام الحالي إلى ثمانية ملايين معتمر.

هذا العدد الكبير من المعتمرين واكبه توسع كبير في المشروعات الخاصة بالمدينتين المقدستين. لكن الجزء الأهم هو أن الدولة ولأول مرة أدخلت القطاع الخاص كشريك استراتيجي معها. ما حدث في مشروع جبل عمر وغيرها من المشروعات هو أن الدولة أعطت فرصة كبيرة للقطاع الخاص لكي يقدم مبادرته ويستفيد من التوسع الحاصل. كذلك مدينة المعرفة الاقتصادية وبعض المشروعات الأخرى، فأدخل القطاع الخاص كشريك اقتصادي في هذه الأفكار في عهد الملك عبد الله إضافة إلى أن العهد الحالي أصبح يعادل ضعفي منجزات المملكة منذ قيام الدولة السعودية الثالثة.

الاقتصاد والتعليم في عهد الملك عبد الله

شهد الاقتصاد السعودي نقلة نوعية منذ تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم، فقد بدأت النظرة الاقتصادية تتشعب وأصبح لدينا مشروعات عملاقة. كيف تطور الاقتصاد في عهد الملك عبد الله وما هي رؤيتكم لمستقبله؟

د. عبد الله مرعي بن محفوظ: بعد أن تولى الملك عبد الله مقاليد الحكم في عام 2005م يرى البعض أنه نتيجة لارتفاع أسعار النفط بشكل كبير جداً استطعنا أن نقيم هذه المشروعات، لكن تخيل أننا خلال أربع سنوات فإن هذه المبادرات التي حدثت وارتفاع أسعار النفط لا تغطي الفكرة التي قامت عليها، ما حدث هو أن هناك شراكة حقيقية حدثت بين الدولة والقطاع الخاص.

هذه الشراكة تمثلت في ثلاثة مرتكزات أساسية هي التعليم والاقتصاد والقضاء. كنا نواجه مشكلة كبيرة في القضاء وكنا نخاف الحديث في هذا الأمر حتى لا نحاسب عليه. عندما قام خادم الحرمين وقال إن لدينا قصورا في عمل القضاء من الناحية الإدارية وليس من ناحية التنفيذ أو الحكم، فانعكس ذلك كله على العمل. استطعنا أن ننشئ المدن الاقتصادية. إذا كنا قد أنشأنا هذه المدن بدون أن يكون هناك تعليم مواز فلن ينجح العمل. منذ تأسيس المملكة وحتى تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم تم إنشاء 11 جامعة.

منذ بداية عهد الملك عبد الله وحتى الآن أي خلال 4 سنوات أنشئت 11 جامعة أخرى وأصبح لدينا 22 جامعة. هذا التوسع في التعليم العالي ينعكس على هذه المدن الاقتصادية. كيف كنا سندير هذه المدن؟ هل عن طريق استقدام العمالة من الخارج بالملايين؟ أم نعتمد على شبابنا في ذلك؟ نظرة الملك عبد الله شملت ثلاثة محاور أساسية بأن جعل التعليم يسير في نفس المسار مع أنظمة القضاء.

بخصوص الاستثمار كم يبلغ إجمالي المبالغ التي دخلت المملكة منذ بداية عهده - حفظه الله - ؟

في حدود 200 مليار دولار تقريباً. كنا معروفين بأننا كسعوديين نستثمر أموالنا في الخارج أما أن يأت شخص ليستثمر أمواله لدينا فهذا لم نعرفه إلا في هذا العصر الزاهر. أصبحنا بيئة حاضنة للاستثمار. هذا هو التحول الذي حدث خلال الأربع سنوات الماضية.

د. عبد الله الخالدي : الدكتور عبد الله بن محفوظ كرجل اقتصادي وقانوني أحاط بالموضوع من هاتين الناحيتين. أنا أركز على سبعة نجاحات رئيسة شكلت منظومة متكاملة. أول هذه النجاحات كان قدرته على إدارة البلاد خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ حيث كانت أمواج الإعلام المعادي تعصف بالمملكة من جميع النواحي. نسبة لأن من شارك بتلك الأحداث حسب ما تردد هم مجموعة من أبناء المملكة المنحرفين فقد سبب ذلك هزة كبيرة للمملكة في تلك الفترة.

صرنا نستمع لانتقادات عديدة توجهت منذ البداية صوب النظام التعليمي والمناهج الدراسية بزعم أن التعليم قاد إلى ارتكاب تلك الأعمال الإرهابية. الإدارة الحكيمة للملك عبد الله لم تتفاعل مع تلك الأحداث بمنطق رد الفعل الملك عبد الله كان في قمة الهدوء لإدارة الحوارات لم يكن يرد على الإطلاق على تلك الانتقادات الدولية، لكنه كان مستمراً في كثير من القناعات التي حققت تغييراً كبيراً في أوساط شعبه وعالمه.

أول ما اتجه إليه كان هو قضية الحوار مع العالم الخارجي لا يهرب من الحوار إلا من هو في موقف ضعف الإنسان الواثق من نفسه والقوي يواجه الآخرين. الإسلام دين منفتح على الآخر وهو أقوى عندما ينفتح عليهم وينكمش عندما تغلق حدود الدولة الإسلامية. الملك عبد الله زار الفاتيكان وحاور المسيحيين في عقر دارهم، وكانت تلك الزيارة نقطة قوة كبيرة للمملكة على الرغم من بعض الانتقادات الطفيفة من بعض من لا يحسن النظر للأمور ولا يراها من بعدها الاستراتيجي.

كل هذه المواقف أحدثت تغييراً كبيراً في نظرة العالم للمملكة. كانت بعض الأصوات تنادي بتقسيم المملكة إلى عدة دويلات وأقاليم وتغيير المناهج التعليمية. بعد ذلك حدثت الهزة المالية العالمية، وذلك أعطى المملكة بعداً ممتازاً. العالم من حولك يتأثر والمملكة من أقل الدول في العالم تأثراً بالأزمة.

هذا الوضع قاد إلى وجود المملكة في التنظيمات المالية الكبرى مثل مجموعة العشرين مما أعطاها قوة اقتصادية هائلة. في ظل كل ما يحدث كان هناك تأسيس للبنة اقتصادية جديدة في المملكة عن طريق تلك المدن الاقتصادية الجديدة. هذه المشروعات ضخمة بطبيعة الحال وأنفقت عليها ميزانيات ضخمة وعلى الرغم من ذلك لم تتأثر بها المملكة.

جامعة الملك عبد الله للعلوم والتنمية هي إنفاق من نوع راق لصناعة المستقبل في المملكة كما ذكر الدكتور عبد الله بن محفوظ. هذه الجامعة هي نقطة انطلاق عالمية للتعليم في المملكة لتركيزها على البحوث وكسرها للنظرة الضيقة إلى التعليم.

هناك أيضاً مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء والمبالغ التي رصدها الملك عبد الله لتطوير القضاء تبلغ 7 مليارات ريال. هذه الكوكبة من الإنجازات هي حزمة ومنظومة متكاملة من إنجازات تمت في خلال فترة زمنية قصيرة.

الثقافة في عهد الملك عبد الله

المثقفون والكتاب لهم في السنوات الأربع تعليق.. لا شك أن الثقافة والأدب كان لهما كلمة مختلفة وتطوراً في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كيف تنظرون إلى ذلك؟

الدكتور عبد الله مرعي بن محفوظ والدكتور عبد الله بن معتاد الخالدي: بالتأكيد أن الثقافة والمثقفين والإعلام والرأي شهد في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز تطورا واضحا وملموسا وحبذا لو يدلي لنا ابن عقيل كمثقف برأيه في ذلك.

حامد بن عقيل: سقف الطموحات الأدبية في المملكة أصبح عالياً جداً. أشار الدكتور الخالدي إلى زيارة الملك عبد الله إلى الفاتيكان، من المميزات الموجودة في شخصية خادم الحرمين الشريفين أنه شخصية علمية قادرة على الاختراق. رجال الاقتصاد في العادة يركزون على المال والاقتصاد والأسهم، ولكن الملك عبد الله اتجه إلى الاهتمام بتقنيات النانو واقتصاديات النانو.

المدن الاقتصادية الموجودة الآن تمثل اقتصاد النانو المبني على المعرفة، من يحتكر المعرفة يحتكر الاقتصاد ويملكه. الدولة الآن تراهن على الثقافة، الاهتمام بالرياضة أصبح عالياً أيضاً، المملكة في عهد الملك عبد الله أصبحت في مقدمة الدول في المنطقة من ناحية الاهتمام بالثقافة.

هذا ليس نابعاً فقط من الإنتاج الثقافي للمملكة؛ فالرواية السعودية الآن موجودة بكثرة وفي أشكال متعددة ومستويات جريئة جديدة من الناحية الفنية. الحراك لم يكن على مستوى الكتاب فقط، بل على مستوى الثقافة ككل.

معرض الرياض الدولي للكتاب صار من أهم المعارض في المنطقة، ليس لأن التنظيم جيد، ولكن لأن هناك شعب بدأ يهتم بالثقافة ويعرف أن الإقبال على الثقافة هو الذي يمكن أن يدعم هذا الوطن ويساعده على تحقيق أهدافه.

دعم الصناديق العقارية

خلال الفترة الأخيرة أمر خادم الحرمين الشريفين بدعم صندوق التنمية العقارية لمساعدة المواطنين والصندوق طرح برامج إقراض متعددة عكس ما كان موجوداً في السابق من برامج معينة. كيف وجدتم هذا الدعم في ظل النهضة العمرانية التي تعيشها المملكة؟

د. عبد الله مرعي: لدينا زيادة في تمويل بنك التسليف، ولدينا هيئة الإسكان وزيادة الرواتب. كل هذه الإجراءات تمت في وقت واحد. إذا سار الوضع على ما هو عليه الآن ولم تكن هناك أية عقبات خلال السنوات القادمة ستكون هناك استفادة قصوى للشعب بشكل كبير.

من هم أقل من سن الخامسة والعشرين يعادلون 65% من سكان المملكة. هذا الجيل الشاب يحتاج إلى الكثير لكن كما تفضل الأستاذ حامد بن عقيل، فإن المعرفة شيء أساسي. هناك تغير في المفاهيم. إذا رجعت بذاكرتك إلى قبل خمس أو ست سنوات كان التفكير كله ينصب إلى كيفية إنشاء المشروعات الصغيرة وكيف يمكن استجلاب العمالة.

الآن تغير هذا المفهوم حتى لدى رجال الأعمال وعند المواطن. صرنا نسعى وراء المعرفة. كنا دائماً آخر من يعمل على جلب المعرفة. الآن أصبحنا نتقدم على دول كثيرة منها دول أوروبية في التفكير وتهيئة الجيل على تقنية لا زالت في بداياتها في دول أوروبية. علينا أن نركز جميعاً على نقطة أساسية وهي المعرفة. هذا سيخلق نقلة نوعية ويجعل الشعب خلف القيادة.

المدن الاقتصادية في عهد الملك عبد الله

بخصوص المدن الاقتصادية في المملكة، ما توقعاتكم لانعكاساتها الإيجابية؟

د. عبد الله الخالدي: توجهات الدولة ككل في واقع التعليم تنحصر في التركيز على العلوم بشكل قوي جداً، بمعنى أن هناك اتجاها للتقليص من التركيز على العلوم النظرية. جامعاتنا ومدارسنا تركز كثيراً على الدراسات النظرية. الدولة تسعى بقوة لتقليص الجوانب المتعلقة بكليات الآداب وأقسامها والاقتصاد والتركيز على العلوم.

الاهتمام سيكون على العلوم التطبيقية. لا شك أن للثقافة أثرها، ولكن العلوم التطبيقية الحديثة هي لغة المستقبل. طابع توجهات الناس الحالي لا يميل إلى الجوانب الثقافية. لم يعد كثيرون يعبأون بمتابعة الروايات والكتب والشعر.

-الدكتور عبد الله مرعي بن محفوظ: مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بالمنطقة الغربية يمكن أن تعطينا مؤشراً للنجاح. التعليم يتجه اتجاهاً قوياً نحو التخصصات العلمية، أقول ذلك وأنا قريب من هذا الأمر. أعداد الخريجين وصلت إلى معدلات مرتفعة. الكليات الأدبية لا زالت موجودة ولكني أتوقع مستقبلاً كبيراً للمدن الاقتصادية. لكن دعونا على الأقل نرى تجربة مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في المنطقة الغربية التي أعتقد أنها ستعطينا مؤشراً لإمكانية نجاح المدن الأخرى.

في أحد الاجتماعات بالغرفة التجارية قلت لهم إنهم إذا أرادوا أن يعرفوا مشكلات المرأة في المجتمع فعليهم بالبحث في كتب الروايات لأنهم أفضل من كتبوا عن المرأة ومعاناتها وهم أفضل من كتبوا عن المهمشين في المجتمع وعن العشوائيات وعن المرأة وعملها في المجتمع.

إذا توسعنا في القراءة وأخذنا ما هو موجود فيها وجعلنا لها منظومة معينة، فقد تمكنا مع الشيخ صالح التركي نقلة نوعية في خلال 4 سنوات. التركي دخل الغرفة التجارية وبها 13سيدة أعمال. الآن وصل العدد إلى أكثر من80 سيدة في جميع المجالات. كل العقبات تجاوزناها نتيجة لقرار واضح وصريح. وجدنا أننا أعطينا النصف الآخر من المجتمع حقه. نسبة الإناث في المجتمع السعودي أكثر من 49%. معنى هذا أنهن نصف المجتمع حقيقة وليس مجازاً.

ثبت نجاح المرأة وفقاً لضوابط المجتمع السعودي الواعي المتدين. المجتمع السعودي قبلي ولا يرضى بالتجاوزات. إذا وقعت التجاوزات الفردية فهناك النظام الذي يصوب الخطوات.. قضايا المهمشين والعشوائيات ظلت منذ عهد الملك فيصل إلى عهد الملك عبد الله.

هناك قضايا لم يكن هناك من حاول علاجها، مثل البرماوية والبلوش والأفارقة وفي الحدود جماعة الوديعة في نجران والبدون في الشمال. مشكلات هؤلاء لم تعالج إلا في عهد الملك الإنسان عبد الله. أو من تطرق إلى هذه المشكلات هم الكتّاب والأدباء.

حامد بن عقيل:

إذا كان لي تعليق على حديث الدكتور عبد الله بن محفوظ من أننا نستقي معلومات عن المجتمع من الروايات، فهذه معلومة صحيحة وإشارة جيدة. التركيز الآن يتم على المدارس وإصلاح التعليم.

د. عبد الله أشار في مداخلته الأولى إلى أنه لم يعد أحد يهتم بالروايات في هذا العصر. الكتاب مؤشر على الحراك الثقافي والاجتماعي، الأمير خالد الفيصل عندما تحدث في نادي جدة الأدبي ركز على نقطة في غاية الأهمية وهي اقتصاديات المعرفة، لا يمكن أن ينجح مصنع في منطقة ليس لمجتمعها قيم عمل واضحة.

لن تنجح مدرسة أو جامعة في مجتمع أبوابه مغلقة أمام نصف أعضائه. نحن مجتمع نشكو من وجود إحباط عام ليس نتيجة للظروف بشكل عام بقدر ما هو نتيجة للوسائل السلبية. بدون تنوير لن ينجح شيء بدليل أن المشروعات متكاملة مثل مشروع مدينة جدة الاقتصادية وتقنية النانو والمجلس الاقتصادي الأعلى.

جامعاتنا تشكو من عدم توافر مراكز الأبحاث. ومن طغيان بعض أدبيات القبيلة. العلوم مهمة جداً ومن الأشياء المبشرة أن المملكة وقعت مؤخراً اتفاقاً في هذا الصدد مع فرنسا. بدلا من أن تلعن الظلام عليك أن تشعل شمعة. بدل أن ندين إيران على مشروعها النووي علينا أن نبدأ في مشروعاتنا.

لذلك، فإن التركيز على المعرفة ليس هو الغاية النهائية ولكنه الخطوة الأولى في سبيل تحقيق النمو الاقتصادي، على جميع المستويات بما فيها الرياضة وحقوق المرأة. المعرفة في البداية ثم يأت بعدها كل شيء. هناك مدن اقتصادية إذن لا بد من وجود أساتذة جامعيين. الأساتذة الآن يعدون بشكل ربما لم يسبق له مثيل.

- د. عبد الله الخالدي : أنا قريب من الأدب والثقافة وأنحاز لهما. المملكة العربية السعودية في عهد الملك عبد الله تؤسس لكثير من الأمور بطريقة صحيحة. لم يعد الأمر عشوائياً وهناك خطط في جميع النواحي. سارت هذه الخطط المستقبلية لتطوير نظام القضاء والخطط المستقبلية لتطوير التعليم، ومليارات الريالات مرصودة لهذه الأغراض.

هذا دليل على رغبة النظام في تحقيق الأهداف بطريقة علمية مدروسة. أتساءل دائماً عما حدث في التعليم وقابلت خبراء من معظم أنحاء العالم أتوا لإنجاز منهج حديث. هناك شيء واحد مهم لتحقيق هذه الطفرة التنموية وهو الإدارة.

لا بد من التركيز على الإدارة. الإدارة في القطاعين العام والخاص لا زالت لا تواكب مستوى الطفرة الكبيرة التي تشهدها الدولة. حتى في موضوع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. هناك إخفاقات في اختيار الكفاءات الإدارية للمناصب المختلفة سواء كانت جامعات أو شركات أو غير ذلك. لا بد من التدقيق في الاختيار وأقترح إنشاء مركز لاختيار القيادات.

هذا المركز تتجمع فيه معلومات شخصية وعامة وكل ما هو مطلوب عن الأشخاص الذين لديهم مهارات تساعد الدولة في تحقيق ما تراه. من ينجح في مكان ما قد لا ينجح في سواه. لكل حالة لبوسها. لذلك أرى أن وجود مركز لاختيار القيادات الإدارية للدولة في مجلس الوزراء سيكون عاملا رافدا ومساعدا لصناع القرار في انتقاء الكفاءات من داخل هذا الجهاز.

حامد بن عقيل: نحن على الطريق وسنصل إلى مستوى لائق في كل القضايا، حتى إذا كانت هناك بعض الصعوبات فسوف نتغلب عليها. يكفي أن لدينا قدرة على طرح مشكلاتنا ومناقشتها بأسلوب ملائم. قبل أربع سنوات لم يكن هذا ممكناً. لا بد أن تكون هناك خطة للنهوض بالثقافة كما أشار وزير الإعلام لأنها هي السبيل الوحيد للنهوض بهذا المجتمع وتحقيق أهدافه.

(نقاط من الندوة):

- أجمع ضيوف الندوة والمشاركون فيها على نقاط عدة وبارزة أظهرتها الأحداث الأخيرة وكان نتاجها بروز شخصية الملك عبد الله بن عبد العزيز وحنكته، وبالتالي سارت العجلة إلى بر الأمان. ومن أبرز تلك النقاط والأحداث التي لخصها لنا الدكتور عبد الله بن معتاد الخالدي خلال الندوة هي:

- تعرضت المملكة إلى حملة ظالمة خلال أحداث 11 سبتمبر، حيث قامت حملة إعلامية منظمة تهدف للإساءة إلى الدين الإسلامي وثوابت هذه البلاد لتورط بعض المغرر بهم من أبناء المملكة في أحداث 11 سبتمبر. والجميع يعلم تلك المقالات التي كانت تصف المملكة بالتشدد الديني والوهابية والتدريس الديني المتشدد وضرورة إجراء تغييرات في المناهج وإغلاق المؤسسات الدينية.

واجه الملك عبد الله - حفظه الله - تلك المواقف بحنكة ودبلوماسية حيث أبدى عدم الانجراف في تيار الردود أو الدفاع عن سياسية المملكة والبقاء منفتحاً ومستمعاً الى الحوارات الدولية والرد الدبلوماسي الهادئ بعيدا عن التشنج.. ونجاح المملكة في التصدي للإرهاب حتى أصبحت نموذجا يحتذى به في كيفية التعامل والمعالجة للحركات الإرهابية. إضافة إلى الانفتاح على العالم وحوارات الثقافات والأديان.

* من الحوار الوطني إلى حوار الحضارات بين دول العالم.

يتميز الملك عبد الله بروح محبة للسلام والتعايش السلمي بين الجموع. لانه يدرك من عمق التاريخ مساوئ الصدام بين الشعوب وما تقوده إلى عدم الاستقرار وتردي الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية بطبقات الناس ومبادراته التي أعطت قيمة كبيرة لطبيعة الإسلام المتسامح، وهو النهج الذي سار عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء من بعده وكانت قمة الشجاعة زيارة الملك عبد الله للفاتيكان التي لا تربطنا بها علاقة دبلوماسية، ولكن الزيارة تشير إلى عظمة الإسلام وقوته وعدم خوفه وتحديه للآخرين بمبادئ الإسلام الإنسانية العظيمة؛ حيث أتت الزيارة لتجلي غموض النظرة نحو الإسلام والمسلمين التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر وما وصف به المسلمون من أنهم متفرقون دعاة حرب لا دعاة سلام لذلك نستطيع القول ان المملكة قدمت مشروعا أخلاقيا عالميا.

* تطوير مرفق القضاء.

لقد مر القضاء السعودي منذ عهد الملك عبد العزيز حتى الآن بمراحل من التطوير والتوازن لتحقيق هدف تحكيم الشريعة الإسلامية. ولعل أزهى فترات التطوير هي المرحلة التي نعيشها الآن في عهد خادم الحرمين الشريفين حيث تم وضع مبلغ ضخم 7 مليارات ريال لهذا التطوير الذي يشمل زيادة أعداد القضاة وبناء مقرات المحاكم واستخدام تطبيقات التقنية ونظام المحاماة وتدوين الأحكام القضائية وتشكيل الهيئات القضائية وتطوير ديوان المظالم.

* مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام.

التعليم هو هاجس التغير والتحول إلى مجتمع متقدم أكثر اهتماما بالإنتاج ولعل الحديث حول التعليم وشجونه يطول وما خطة التطوير إلا دليل اتساع حجم المشروع الذي رصد له 3 مليارات ريال لتحقيق شمولية النظرة لتطوير مكونات التعليم المختلفة.

* نجاح السياسة المالية.

يميل الملك إلى إعطاء قيمة كبيرة للسياسة المالية. لذا هو يعطي للسياسية المالية أهمية كبيرة منذ بدايات حياته في المشاركة السياسية في إدارة البلاد. فسياسة المملكة المالية سياسة متأنية غير متسرعة منضبطة لا تتجه للتسرع. وهذا ما فاجأ العالم حيث خرجت المملكة بأقل الأضرار خلال الأزمة المالية العالمية وسياسة الملك عبد الله تميل للانفتاح على الإنفاق على جوانب المشروعات الضخمة الاقتصادية والإصلاحية الأخرى.

****

أدار الندوة: صلاح مخارش

متابعة: فهد المشهوري وعبدالله دماس

المشاركون في الندوة:

* الدكتور عبد الله مرعي بن محفوظ نائب رئيس الغرفة التجارية الصناعية في جدة

* الدكتور عبد الله بن معتاد الخالدي، كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز مستشار التنظيم وتطوير المنظمات

* الكاتب الروائي حامد بن عقيل




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد