Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/06/2009 G Issue 13415
الأحد 28 جمادىالآخرة 1430   العدد  13415
حنكة وسداد ملك الإنسانية
بقلم د. سليمان أبا الخيل

 

من الأفراح التي تتوالى في هذه البلاد المباركة الطاهرة المملكة العربية السعودية، والمناسبات الوطنية التي تحمل أبعاداً مختلفة، ودلالات هامة، وتشعرنا بنعم لا يمكننا حصرها، ونعجز عن أداء حقها ما ننتظره في السادس والعشرين من الشهر السادس، فقبل أربع سنوات عاش الشعب السعودي ملحمة من ملاحم الوفاء والألفة والاجتماع، وصورة من صور التعاون والتماسك، وقطع الطريق على من يريد بهذه الوحدة سوءاً، إنها نعمة الانسيابية في انتقال الولاية، والتسليم والرضا والالتفاف حول المليك المفدى، فلم يكن مصابنا الجلل بفقد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الجنة، وجزاه عنا خير الجزاء - ليلهينا أو ليشغلنا عن مصالحنا الكبرى، ووحدتنا الوطنية التي هي مضرب المثل، ولم يكن هذا الحدث لينتج فراغاً سياسياً، وإنما تماسك الجميع وتآلفوا، واتحدوا خلف من جعل الله قدره ولاية هذه الدولة المباركة، بما حباه الله من صفات ومؤهلات، وبما مكنه من إسهامات وإنجازات، شكلت في مجملها رصيداً شعبياً وعالمياً، ليحتل بها الصدارة، ويتوج مليكاً على القلوب والبلاد، ونسأل الله أن يديم عليه نعمه، ويحفظه من كل سوء ومكروه.

إنها لنعمة عظمى، ومنة جلى تعد امتداداً للنعمة الأساس، والانطلاقة الكبرى، والوحدة التاريخية التي تمت بفضل الله ومنته على يد القائد الفذ المؤسس الباني المغفور له - بإذن الله - الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي - طيب الله ثراه، وجعل الجنة مأواه -، وحد هذا الكيان العظيم المملكة العربية السعودية، وأسسه على أساس راسخ متين، وأودع فيه من عوامل البقاء والعز والتمكين، وجعل أساس قيامه التمسك بهذا الدين القويم، ونصرة توحيد رب العالمين، فجمع الله به بعد شتات، وألف به بعد فرقة، ووحد الله به القلوب والأبدان، واستمر أبناؤه البررة، والملوك الأوفياء لدينهم ووطنهم وشعبهم على هذا النهج السديد، والمسلك الحميد إلى هذا العصر الذهبي عصر خادم الحرمين الشريفين، ملك الإنسانية والسلم والسلام، والرجل البطل الهمام، الذي منذ بيعته تحقق لهذه المملكة الرائدة المزيد من المنجزات التنموية العملاقة، في مختلف القطاعات والأجهزة، تشكل في مجملها رصيداً لمليكنا المفدى، تميز بالشمولية والتكامل في بناء الوطن، ويضع بلادنا الحبيبة في رقعة جديدة في خارطة العالم.

إن من يستقرئ الحقبة التي لم تتجاوز أربع سنوات يجد أن المنجزات توالت واستعصت على لغة الأرقام، وأحدثت نقلة للمملكة بعيدة الأهداف والمدى، تنطق بحكمة القائد الوالد، وسداد رأيه، وما حباه الله من خلال وخصال، وما أقدره الله عليه من مواهب يعز وجودها، إنها إنجازات مدروسة، تتخذ من الرؤية الاستراتيجية والأعمال المؤسسية أساساً لها، ولو رام أحد أن يرسم هذا التنوع في الإنجاز لأدركه في كل شأن، فإن نظرت إلى الشأن الداخلي فإن مليكنا المفدى صدق ما عاهد الله عليه من أن يجعل أمر الدين لا مساومة عليه، وحقق ما رسمه من سياسة تجعل مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.

إن من يرصد السمات الشخصية التي تميز مليكنا المحبوب من خلال لقاءاته والمناسبات التي يلتقي المواطنين يترسم في هذا الملك الإنسان الحنكة والحصافة، والنزعة العربية الإسلامية، والمحبة الصادقة لشعبه ووطنه، ومع ذلك البساطة المتناهية، التي يعيش فيها مع شعبه وكأنه واحد منهم، ويحتل الوطن والمواطن سويداء القلب، فالوطن يعيش مع مليكنا كل لحظة من لحظات عمره المديد - بإذن الله - لا يرضى له إلا الصدارة، والرقي والحضارة، والأخذ بكل معطيات الحياة المعاصرة، وما يضمن الأمن والاستقرار، مع الحفاظ على الثوابت والأسس التي قامت عليها هذه الدولة المباركة، إن هذه السياسة الداخلية هي ما يميز ولاة أمرنا - أيدهم الله - فلئن فاخرت أمم بالديمقراطية فإن رصيد ولاة أمرنا من ذلك ما يمثل الصورة المثالية، والمنهج الإسلامي النقي الصافي، يصل المواطن إلى أعلى مسؤول في الدولة من خلال سياسة الأبواب المفتوحة، ولذا فإنه لا يستغرب ذلك الرصيد الشعبي من المحبة والولاء واللحمة لمليكنا - أيده الله - ولتهنه الخيرية التي أخبر بها المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون لهم ويصلون لكم). وإن أبرز معاناة عاشتها المملكة ما أفرزته أفكار الغلو والتطرف، وما حملته ثقافة التكفير والتفجير، وهذا الخطر تقلص بدرجة تعطي مؤشراً إيجابياً يدل على انحسار الفكر، ونسأل الله أن يمكن منه ومن حملته.

أما المواقف العربية والعالمية فحدث ولا حرج، فلقد سارت الركبان، وتحدث القاصي والداني بتلك المبادرات التاريخية، والمشاركات المؤثرة في صياغة أسلوب العلاقات الدولية في هذه الحقبة، وأصبح للمملكة أعمق وجود في المحافل الدولية، وفي صناعة القرار العالمي، فدعوة الحوار المنطلقة من فهم عميق للأسس الشرعية والمقاصد المرعية انطلقت من مكة المكرمة إلى مدريد في إسبانيا، وإلى جنيف، وستظل حتى يحقق الله على يد إمامنا ما هو من مقاصد ديننا من التواصل والحوار المؤدي للسلم والسلام، وعلى الصعيد العربي تجلت حكمة وحنكة ملك السلام في لم شمل قادة الأمة العربية، وتقريب وجهات النظر، وتغليب الصالح العام، والنظر إلى المستقبل بتفاؤل، ومواجهة كل التحديات والعقبات والصعوبات.

وهكذا فإن إنجازات مليكنا حديث لا يمل ومعين لا ينضب يوقفنا بتصرفاته ومبادراته على تمسكه بالإسلام وقيمه وأحكامه، والشعور بشعور الجسد الواحد، يجعل قضايا المسلمين وما يحل بهم فوق كل اعتبار، ويساهم ويشارك بكل ما أوتي من ثقل وقوة عالمية ليوظف هذه المكانة في مشاركة المسلمين قضاياهم ومعاناتهم.

* مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد