Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/06/2009 G Issue 13415
الأحد 28 جمادىالآخرة 1430   العدد  13415
شيء من
سوق السندات والضجة المفتعلة
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

بعد أن تم إنشاء (سوق مالية لتداول الصكوك والسندات) كنشاط من أنشطة هيئة سوق المال في المملكة، ضج البعض، ممن احترفوا الممانعة والجعجعة، حتى أن أحدهم قال في موقعه على شبكة الإنترنت: (كل من وافق على هذا القرار من رئيس المجلس والنائب والأعضاء، ومن شارك في إصدار أو في تداولها فهو داخل في هذا الوعيد العظيم، وهو الإيذان بحرب من الله ورسوله، فكيف يتجرأ مسلم على حرب الله ورسوله)!

والسؤال: هل سوق السندات، وتداولها، بيعا وشراء، قضية مجمع على تحريمها، حتى يصبح إقرارها (حربا على الله ورسوله) كما (يزعم) صاحب الموقع، أم أن القضية محل خلاف بين العلماء؟

الدكتور حمزة بن محمد السالم باحث مؤهل علميا وأكاديميا في الشؤون البنكية والنقدية، إضافة إلى أنه باحث ضليع ومتمكن - أيضا - في مسائل الربا المحرم من الناحية الفقهية الشرعية. الدكتور حمزة كتب بحثا اطلعت على صورة منه بعنوان: (استنباط رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تمويلات البنوك المعاصرة). ذكر فيه أن هناك أربع وجهات نظر مختلفة في تحديد الأموال التي يجري فيها الربا، تمثل أربع مدارس أصولية شرعية؛ ثلاث منها (لا تعتبر) أوراقنا النقدية المعاصرة أموالا ربوية؛ وهي: مدرسة الظاهرية، التي رأت الوقوف (حصرا) على الأصناف الربوية الستة (الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح) دون سواها، على اعتبار أن ظاهر النص يقضي بذلك. المدرسة الثانية وهي المشهور من المذاهب الأربعة، والتي نظرت - كما يقول الباحث - إلى الصورة دون القصد في الأصناف الستة، فقاست عليها ما شابهها من الأموال، وأشهر من قال بذلك الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - والشيخ حسن أيوب. والمدرسة الثالثة: هي مدرسة بعض علماء الحديث الذين يأخذون بالقياس بشرط وجود (علة) منضبطة الشروط، فإذا كانت العلة ضعيفة (أي غير منضبطة الشروط) يجب الوقوف على النص، وعدم القياس عليه؛ ومن هؤلاء - كما جاء في البحث - الإمام الصنعاني وكذلك ابن عقيل من الحنابلة. كل المدارس الثلاث هذه، وما تمثله من جماهير العلماء، تعتبر (سوق السندات) سوقاً جائزة لا غبار عليها.

المدرسة الرابعة: هي مدرسة ابن تيمية وكذلك تلميذه ابن القيم رحمهما الله؛ والتي تقول بأن علة الربا في الذهب والفضة، هي (مطلق الثمنية)؛ وعليه فإن الأوراق النقدية الحديثة هي أموال يجري فيها الربا، وهذا تحديدا ما ناقشه الباحث نقاشا مستفيضا، وانتهى فيه إلى أن (مطلق الثمنية) الذي اعتبره ابن تيمية - رحمه الله - أساسا لعلة التحريم، لا ينطبق على فلوسنا المعاصرة، خاصة بعد أن تم إلغاء (القاعدة الذهبية) للعملات الورقية عام 1973م الأمر الذي أدى إلى انتفاء صفة (حفظ القيمة) عن الأوراق النقدية الحالية تماما؛ وأصبح (تناقص) قيمتها طبيعة من طبائعها، بما يناقض شرط ابن تيمية نفسه الذي اعتمده - رحمه الله - كشرط لجريان الربا في المعاملات.

الذي يهمني مما تقدم أن أثبت لأصحاب (الضجة) المفتعلة، الذين يتلقفون أي قضية، ويجعلون منها قضية (إجماع)، وهي محل (اختلاف)، أن جعجعتهم، وتصعيدهم، واقتناصهم لمثل هذه القضية، وتحويلها من كونها قضية مختلف عليها، إلى أنها قضية (مجمع) عليها، أمر لا يتفق مع واقع الحال، فهي قضية (خلافية) - كما ذكر الباحث - وتجاوزهم لهذه الحقيقة لن يغير من الواقع شيئا؛ كما أن مثل هذه القضايا قضايا شائكة، تتطلب من الباحث، إضافة إلى العلم الشرعي، علماً وتمكناً - أيضا - بكيفية نشأة وتطور وعمل الأوراق النقدية المعاصرة؛ وأفضل مثال للباحث المطلوب في هذه القضايا الشائكة هو الدكتور حمزة السالم، الذي نقلت وجهة نظره (باختصار) في هذا المقال.

وبودي أن أسأل صاحبنا (المجعجع) ومن لف لفيفه: هل الشيخ ابن سعدي، والشيخ حسن أيوب والدكتور محمد الأشقر، فضلا عن الإمام الصنعاني وابن عقيل، ومن وافقهم على ذلك من العلماء المعاصرين داخل المملكة وخارجها، كانوا (يحاربون الله ورسوله)؟

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في قضايا الخلاف: (مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه) (مجموع الفتاوى 20-207). ويقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: (اعلموا وفقكم الله، إن كانت المسألة إجماعا فلا نزاع، وإن كانت مسائل اجتهاد فمعلومكم أنه لا إنكار في من يسلك الاجتهاد) (الدرر السنية 1-43). فهل التزم (المجعجعون) بذلك؟ أترك الحكم لكم. إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد