Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/06/2009 G Issue 13418
الاربعاء 01 رجب 1430   العدد  13418
مركاز
استدراك الغبار
حسين علي حسين

 

اكتشفت بعد الانتهاء من المقالة السابقة أنني أتحدث عن الغبار بحميمية وكأنه صديق عزيز سوف أشعر بالشوق إليه حالما تطول غيبته، لكنني بعد أن قلبت الأمر، اكتشفت - آه من هذه الكلمة - أنني أتحدث عن غبار الحاضرة، وتحديداً غبار مدينة الجبال ومدينة الهضاب، لكنني حالما انتهيت تداعى إلي غبار طهران والقاهرة، وهو لا دخل له من قريب أو بعيد بالغبار السياسي، لكنه غبار الرطوبة والأنفاس وعوادم السيارات والمصانع والإسفلت وحرق بقايا المزروعات خصوصاً الأرز، في مثل هكذا غبار شعرت في أحد المرات وكأن سماء القاهرة سوف تطبق، بقضها وقضيضها على أنفاسي، هربت حالاً إلى السكن ولم أخرج إلا عندما علمت بجلاء تلك الموجة الكاتمة التي لا تنفع فيها الفلاتر ولا أنابيب الأكسجين، حلها الوحيد للعاصمتين انتقال نصف السكان والمصانع إلى مدن أخرى وترك مساحة للبحر للتنفس، لكن ذلك من المستحيلات فهذه الهيصة هي التي تجعل للعاصمتين طعماً مبرءاً من السياسة والمشاحنات!

وما يحصل في المدن مع الغبار يحصل في الصحاري، خصوصاً الدهناء والربع الخالي والصحراء الكبرى، هذه الصحاري قد تنام على أحد هضابها ولا تشعر بنفسك إلا وأنت غريق في الرمل، وقد عانى الكثير من الرحالة الذين حاولوا عبور هذه الصحاري، تزودوا بكل شيء ومع ذلك غرقوا ومعهم جمالهم وأحمالهم. وعلى حد علمي لم يحقق أمنية عبور الصحراء إلا جون فيلبي، غيره الكثيرون ماتوا غرقاً في الرمل وعطشاً وضياعاً، ففي الصحراء تضيع الحدود والمساحات، ولأن لله حكمة في كل ما يصيب الإنسان أو المكان، فإن تحت هذه الصحراء كنوزاً متعددة، ننعم وينعم غيرنا بخيراتها! وقد نشرت إحدى وكالات الأنباء بعضاً من فوائد الغبار. التي أقرها مركز الأبحاث الألماني للصحة البيئية ومقره (ميونيخ) تقول: (هناك مقادير كبيرة من غبار المنازل ربما تقوي دفاعات الجسم، واكتشفت الدراسة عدداً أقل من علامات الحساسية في دم الأشخاص الذين تحمل المراتب المنزلية التي ينامون عليها غباراً أكثر).

وتورد مجلة (جيو) مجموعة من مصادر الغبار قائلة: (أي أسرة في ألمانيا تجمع ستة ملليجرامات من الغبار لكل متر مربع يومياً، ويأتي 75% من كمية الغبار من الخارج، ويشمل ذلك اللقاح (غبار الطلح) واستهلاك إطارات السيارات والجزيئات الكونية والمعادن الناجمة من الصحراء. هذه الجزيئات التي تبلغ 2010 ميكرومتر يمكن أن تسبب أضراراً للجهاز التنفسي كما يمكن أن تؤذي العين، وتشكل الذرات الأصغر، أي تلك التي في حجم النانومتر (الناتومتر هو جزء من البليون متر) خطراً صحياً!! (أبناء الصحراء مثلنا لا علاقة لهم بهذه الاحصائيات، نحن أيها السادة نسف الغبار سفاً بكل مكوناته ومع ذلك مازلنا بخير، وطلقة في عيون الأعداء من هواة جمع مثل هذه الاحصائيات مقلبة المواجع!!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد