Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/06/2009 G Issue 13418
الاربعاء 01 رجب 1430   العدد  13418
مَن يحرس ضمائرنا من الغفلة أو النسيان؟
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

 

سألني أحد الأصحاب مَن يحرس ضمائرنا من الغفلة أو النسيان؟ فقلت له: ومَن يحرس الحياة فينا؟

الله خير حافظ ولكن لنعقلها ونتوكل، والضمير بتكوينه وبنائه الأساس منا، فهو لا يصاب بالهرم ولا ينتكس به العمر إلى أرذله، إن حيويته وجهد العطاء منه له عمر مختلف، فنحن به محظيون، فوفق ما يكون وبالتوازي معه يسير ونسير معه.

ومن خلال إكرامه ورعايته نأمل ونحيا بسلام، إن بنيانه قد تم وفق ما ألقي فيه في مراحل التربية التي عنيت بها الأسرة والمجتمع والمدرسة، أو أنه تكون بالمؤثر الذاتي التلقائي، فقوة الردع والتأثير يعلو شأنها وتستمر فاعليتها في كل الظروف، والأهم الدافع الديني حيث يتميز به الضمير ويسمو في كل توجه وبكل ما يوجه، فرأس التقوى مخافة الله، وربما أن المغزى من سؤالك وان خلفيته ماهية الحياة في أطوارها والأدوار وكذلك ما يعترض طريق الإنسان من مانع أو دافع بالإغراء أو الأهواء، وكذلك ما يتطور في حياة الإنسان من أمور مادية أو معنوية.

إن الأمر مزيج من تفاعل مستمر بين الضمير وكل المؤثرات سواء من داخل الإنسان نفسه أو ما جاء بتأثير من خارجها، وهذا كله يلح في مطالبه فتنشط النفس الأمارة بالسوء فيسوء بنا المسير أو يحالفنا الحظ فيأخذ بنا كل إيجابي فتقوى النفس المطمئنة.

كما أن هامش الرغبات في النفس ينادينا ويبرر ما يود أن نفعل، لكن الضمير وفق ما هو عليه من قيم دين ودنيا وبأثر من جذور تكوينه يلتزم بموقفه ويحرص على رسالته وواجبه نحوها.

ومن البديهي أن الإنسان يعرف ويتميز بضميره، وما يمنع ويجيز هذا الضمير، فبكل ما يوحي به يعمل كل منا الخير معه، وحتى لا يغفل أو ينسى وجب إكرامه من خلال تفهم ما يوحي به أو يمنع عنه؛ حتى لا يستبد بنا شيء من وحي النفس الأمارة بالسوء.

وحتى لا يصاب هذا الضمير بخمول أو غفلة أو نسيان، ومن أجل الحرص على فاعليته، ربما حسن منا وبمقتضى ما نقوم به من أدوار تغذي منافعنا في الجسد المادي أو غيره، فإن الحوار مع الضمير بشراكة كل العوامل والظروف ينشط أداءه ويوجه مشاعرنا نحوه، ومن ذلك أيضاً أن يكون لدينا كراس ولنسمِّه الضمير (كراس الضمير) نسجل فيه وبشكل منتظم ملخصاً لهذا الحوار وما نشاء من تعليق، فقد نلوم معه النفس الأمارة بالسوء أو أي عامل في نفس الاتجاه، وسنكتشف في يوم قادم هذه الذخيرة ومقدار العائد منها. وهذا الكراس المقترح إعداده لا علاقة له بخواطر فكر ولا خلجات نفس بل هو شيء بكامله مرتبط بالضمير وما يتعلق به (الملكة الروحية).

وبهذا نكون قد خطونا عملياً في طريق لا يغفل معه أو ينسى الضمير، كما أن معرفة نقاط الضعف لدينا التي منها تنفذ إيحاءات النفس الأمارة بالسوء عامل مهم ومساعد، فإن المعرفة به تؤدي إلى تكامل المحاكاة والحوار مع ما يرمز إليه خير ما فينا أو يحض عليه دافع إلى ما هو عكسه، وبكيف ولماذا قد نتحاشى بعضاً من الانحراف الخطير، ومن طبائع الأمور شئنا أو لم نشأ فإن داعي النفس الأمارة بالسوء لا يتردد ولا يتوقف يقابله ما يصدر عن ضمائرنا والمحصلة عمار لعمل كل جانب.

فرائع أن نرقبهم ونحاذر من طغيان واحد منهم، ففي تضخم الضمير ما يؤذينا ويؤلم الحركة فينا بل يشلها، أو أنه يتداخل مع القدرة على الاستقرار فنصاب بما نخشى منه وهو قادر على تعطيل الفاعلية لدينا، كما أن ترك النفس الإمارة بالسوء توجه بما ترغب وتريد يحولنا إلى أن نعيش الحياة بأهواء وشهوات وعادات نكون لها عبيد مستسلمون، فلنساعد الضمير ليؤدي عمله ورقابته، فبمساعدته يتعمق الخير فيه فنعيش فترضى النفس المطمئنة بحياة يسودها الأمن والسلام.

ومن ناحية أخرى ليست مهمتها بقليلة ذلك أن فيما يوجه به الضمير أو يراقبه أمراً ليس من الأمور التي تعنينا مباشرة، حيث يمتد الأثر إلى طرف أو أطراف أخرى، ومن هنا قد يحدث شيء من مزالق الظلم، وفي حالة أبسط القسوة وسوء المعاملة وقد يتوسع الأثر فتمتد أيدينا إلى مال عام أو أنها تأخذ مالاً حراماً، وقد تسيء أيدينا صرف المال سواء كان حلالاً أو جمعته اليد بالحرام، ومن ذلك من يعمل فيما يسمونه بغسيل الأموال، أو من هو محترف في تجارة السلاح بغير حق ولا مشروعية لدفاع عن وطن أو مقدسات وعرض.

هنا حتى وإن جاء صديق حميم ينبه ويحذر من ذلك فلن يبلغ أثره ما يبلغه الواعز من الضمير، إن الممارسات التي تمس القيم والأخلاق والشرف يكثر تعدادها والشيء الذي لا يحتاج إلى عد واعداد هو شيء أحد، انه الملكة الروحية (الضمير)، انه بواعز منه يمنع من شر مستطير متى أصغينا لنصحه، وما يذكر به وبذلك قد نحمي أمماً من ظلم وعدوان غاشم.

فبالضمير الحي تبتهج الحياة والناس، وتأمن من كل أمر سيئ فيه، فالضمير بالنسبة للمسلم هو الذي يتحرك ويعمل بزاد من التقوى، وبالنسبة لغير المسلم فإنه يذعن للنظام والقانون وحقوق الغير.

أفلا يستحق هذا الكبير (الضمير) شيئاً صغيراً اسمه كراس لنسجل فيه تجاربنا مع الضمير وإلى أي مدى هو غالب وليس مغلوباً، وفي ذلك مدعاة لاعتزازنا بقوة العزيمة وسلطة الإرادة وليس العادة.

قد يكون سخيفاً أن أقول إن كل من يسير في مهب الريح لا يصل سالماً إلا ومؤشر الدالة (البوصلة) يعمل وبطريقة لا تحتمل أي خطأ أو عطل فيها، فمثلاً الطائرة وبها الصندوق الأسود يسجل كل صغيرة أو كبيرة تحدث أثناء المسير نحو هدف معلوم وحتمية الوصول إليه تقع تحت طائلة المجهول، وحتى يتم وصول آمن ومؤكد فلابد من الوسائل التي تهدي إليه.

ونحن أيضاً في مهب الريح وبه ومعه تستجيب الحركة (الأهواء والرغبات والعادات) التي إن عرفنا شيئاً عن مقدماتها فنحن من يجهل النتائج وربما المساوئ وما تعبر عنه، وعلى طريق أراد الله لنا معه علماً لا يخلو من المجهول، إنها هبة الضمير فحري بنا الاحتفاء به وبحكمته في سجل يعلمنا في يوم من الأيام حين نراجع معه الأشياء فينا ومنا فندرك مدى الهدى والرشاد.

لعل مقالاً كتلك العجالة المختصرة لا يأذن بالمزيد من قول قد يغري بحديث مطول عن النفس وسراديبها التي لا يدعي أحد كمال معرفتها.

والله الموفق، {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد