Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/06/2009 G Issue 13418
الاربعاء 01 رجب 1430   العدد  13418
الصف الثاني والثقافة الغائبة
د. خالد محمد الخضر

 

لا أرى سبباً مقنعاً أو مانعاً منطقياً لعدم تهيئة الصف الثاني من القادة والمديرين. العالم العربي وداخل أطر العقلية الإدارية يعج بالمتناقضات ونظرية الإسقاط على الآخرين لحملهم على اللوم وتبرئة مساحته من كل شك ولوم، الغالبية الطاغية من المديرين عندما يصبح الرجل الأول في أي جهاز، أو إدارة، أو قسم، أو أي موقع يمارس ذلك المدير فيه صلاحياته ومسئولياته وجبروته وسلطته، تجده في أغلب الأحيان يمارس ثقافة القمع والسحق، لكل من هم دونه وبالذات نائبه ومساعدوه، إن ثقافة وممارسة سلب الإرادة بكسر الشوكة وتجريد الرجل الثاني من كل ما هو فاعل وبناء لخلق وتهيئة ذلك المساعد لهي أحد أبرز الصفات التي يمارسها المدير، إنك تجد الكثير من الهيئات والشركات والمؤسسات التي يمارس فيها القائد والمدير صلاحياته بمساحات تتجاوز الحد المعقول، متخطياً بذلك مساحة البناء لصنع جيل قادر على استلام راية القيادة عندما تستدعي الظروف ذلك كان، بل إننا نجد أنفسنا في أغلب الأحيان أمام مشكلة كؤودة لا يمكن علاجها أو القفز على حواجزها السلبية بحل وقتي أو علاج منصف عندما يغادر ذلك المدير أو يستقيل ؟! يتجنب الكثير من المديرين ممارسة ذلك الدور -تهيئة الرجل الثاني- لقناعات هي في الأساس تصب في دائرة الشك في الآخرين وعدم الثقة الذاتية داخل دائرة تلك الشخصية، لا يشك أحداً من هؤلاء المديرين، ومن منطلق ثقافة الشك تلك أن ذلك المساعد أو النائب هو في الأساس وضع للانقضاض على ذلك الكرسي متى ما سنحت الفرصة وتهيأت الأسباب، ثقافة الشك تلك ونظرية المؤامرة كما ينظر لها القائد والمدير هي سيدة الموقف ورأس الرمح في كافة التصرفات التي تصدر من الرئيس، لا أجانب الصواب إن قلت أن جميع مؤسساتنا في القطاع الخاص لا تقوم على منهجية صنع الرجل الثاني وتهيئته بالشكل المناسب والتي متى ما حانت الفرصة وتأتت المعطيات للقيام بالدور المطلوب منه فإننا سنجد رجلاً معداً بمنهجية عملية وعلمية تخوله للقيام بالدور المناط به في أية لحظة كانت !! إن ما يتم داخل منشآتنا وقطاعاتنا الاقتصادية من وأد للكفاءات وقمع للطموح من أولئك المديرين والذين أصيبوا بداء الشك ومرض عدم الثقة لهو البلاء العظيم على منشآتنا وقطاعاتنا الاقتصادية، المدير لا يصنع الرجل الثاني والرجل الثاني لا يجد المساحة التي يستطيع أن يتحرك من خلالها للإمساك بزمام الأمور؛ نظراً لتطبيق الخناق عليه وتسليط سوط العقاب فوق رأسه، إن هو فكر بمثل هذا الأمر، كل هذا يولد ويخلق خللاً في موازين النظم والنظريات الإدارية، انظروا إلى كافة القطاعات إذا خرج الرجل الأول لسبب أو لآخر!! ماذا يحصل بتلك المنشأة؟! إنه البحث عن الرجل الآخر والقائد الآخر، ولكن ليس داخل المنشأة، بل بالطبع من خارج أسوار تلك الشركة، والسبب إفرازات تلك الثقافة العرجاء من جانب وعدم تنبه أصحاب الشأن والقرار لمثل تلك الأمور من جانب آخر.

قال لي أحدهم يوماً إنه عمل في شركة كندية واستدعاه رئيس مجلس الإدارة وكان هذا المتحدث يعمل حينئذ في موقع بسيط وفي المستويات الوسطى في سلم التنظيم الإداري، أتدرون ماذا قال له هذا الرئيس!! قال اعمل واجتهد وهيئ نفسك لتكون مكاني يوماً ما!! ما أحوجنا لمثل هذه العقليات التي تصنع القادة وتعطي الثقة وتخلق الرجل، وتفتح الآفاق للمنافسة والإبداع والابتكار والعمل ببيئة يسودها الاحترام والعدل وشرعية حقوق الجميع، إنها العقلية الخالية من شوائب الشك والمرض واهتزاز الثقة وتصور الجانب السلبي وتغليبه على روح التفاؤل والتسامح، كم سقطت منشآت ؟! وقتلت إبداعات؟! كل ذلك ينطوي تحت عباءة التخلف وروح التسلط والعقلية الرجعية التي تنظر بعين الفردية والأنانية، وبهاجس الأنا وتضخيمها ؟!، صناعة الرجل الثاني أو القائد القادم هي مسئولية المدرسة والمنزل والجامعة والمنشأة، فالمنزل مسئول من رب الأسرة لتهيئة من يخلفه كالابن الأكبر وتطعيمه بالجرعات المناسبة حسب الوقت والظروف لإعداده الأعداد الصحيح والمثالي لتولي القيادة وبشكل لا يتم معه أي اجتهاد أو سقطات عند تسلمه دفة القيادة، وهذا ينسحب على المنشآت والتعليم في الجامعات، قيادة تخص صاحبها وتتجاوزه لتهيئة الصف الثاني.



Kmkfax2197005@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد