Al Jazirah NewsPaper Friday  26/06/2009 G Issue 13420
الجمعة 03 رجب 1430   العدد  13420

أدبيَّات الشُّخْتُوريَن 1-3
كتبه لكم: أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - عفا الله عنه -

 

قال أبو عبدالرحمن: أُبدي اعتذاري لمعالي الدكتور عبدالعزيز خوجة مما اختلط عليَّ من الدمج بين مطلع ميمية البوصيري وميميته المعارِضة لها، مع ما في ميمية معاليه من ملاحظات سأبديها إن شاء الله.. وكنت أوَّلَ من نَحتَ (الأدفقي) للأديب الفقيه - أعني الشيخ حمد الحقيل رحمه الله تعالى -، وسمعتُ من معالي الدكتور محمد بن سعد الشويعر قديماً: أن (الشختور) نحت للشيخ الدكتور.. والنحتُ سنة للغة العرب جارية لا تنقطع على مثال السبحنة والحمدلة والهيللة، وقالوا عن مذهب الدكتور طه حسين: الطحسِني.. وأما (الفكرنة) و(التلفزة) فليست نحتاً، ولكنها تَحوُّلٌ من صيغة الاسم الجامد إلى صيغة الفعل الصادر عنه اسم مشتقٌّ يعمل عمل الفعل، والصادر عنه مصدر.. وأما الحروف المفرَّقة مثل (م ع س) للمملكة العربية السعودية فذلك رمز لا نحت مثل (حم) للإمام أحمد في مسنده، و(خ) للبخاري في صحيحه.. إلخ.

* سِمَجْ)، وخشيتُ من السماجة في الإطالة بفصلٍ عن (أدبيات الظاهري) حول مختارات في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شائبة فيها؛ فتنازلتُ عن ذلك حتى تسمح مناسبة، ولا سيما أنني شاركتُ الدكتورَ محمد عبده يماني -حفظه الله- في أدبيَّاته؛ وسأشاركه إن شاء الله بلامية الشهرزوري؛ فكيف أستعمل صيغة المثنَّى فيما اشتركنا فيه وقد كرم عليه قومه - عن جدارة - بالدال، وحرمتُ منها (عن تقاعس وإهمال)، وعوضوني بالشِّين - الشين المعجمة المشددة المكسورة؛ فاحذروا من الفتح -، وما رأيت شيئاً يجمعنا غيرَ (الشختورين) مع تجاوز؛ لأن الصيغة النحتية لمن جمع الشيخ والدكتور، ومحمد عبده يماني شيخ ورع فيه خير كثير، ولكن الشخترة تجمعنا في حرف الشين، ثم يبقى له حظه الأوفر من الراء.. ثم نتوقف معاً قليلاً عما وقفنا عنده من قول البوصيري - وقد ظلمتُ معالي الدكتور عبدالعزيز خوجة؛ فنسبتها إليه عندما اختلط عليَّ الأمر بين ميميته التي أهداني إياها، وميمية البوصيري - في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبدأ بالميمية الثانية، وهي قصيدة والدنا الدكتور عبدالعزيز خوجة؛ فقد اختار منها معاليه حفظهما الله قوله:

اليوم أحملُ وِزْراً لا أطيق به

كالطود ناءت به كواهل الأُطمِ

فالنفس تصبو وتنساني وتمخر في

بحر الهوى دونما خوفٍ من التُّهم

لعل حب رسول الله يشفع لي

في النائبات وخوف الله في ندم

فالله أعلم لم أشرك بوحدته

والله يمحو بنور أحمدٍ ظُلمي

يا خير ملتجئ في الأرض نأمله

يوم القيامة أيضاً يا خير معتصم

يا أحسن الناس في خلق وفي خُلق

وأرحم الناس في خصم وفي حكم

اعلم أيها الوالد الكريم أن أبا عبدالرحمن سيغزوك كثيراً في وزارة الثقافة والإعلام، ولا سيما حول إنعاش مؤسسته دار ابن حزم المتألِّقة علمياً، المفلسة مالياً، وهذا لن يمنعني أبداً من مصارحة أحبائي؛ لأن المؤمنين أولياء بعض.. وأنتم معشر القوم عندكم رقة بحمد الله في حب المصطفى صلى الله عليه وسلم ربما أضرَّت، وعندنا في الوسطى غفلة لا جفاء ربما منعت من خير كثير.. وهذه الأبيات بيقين عندي الآن كالشمس هي القصيدة الطويلة التي أعطيتموني إياها بالرباط أو القاهرة، وأختها في منزلكم العامر مبروزة، ووضعتُ عليها تعليقات في حينها لعل الله أن يُيَسِّر فأجدها في أوراقي المبعثرة، أو تعطوني نسخة طبق الأصل من القصيدة، والمختار ههنا مكرَّم عن قصيدة البردة وإن كانت روح المعارضة واضحة؛ وإنما عندي ملاحظة عن اجتهادِ فهمٍ خاطئ لا غير، فحب رسول الله أيَّدك الله إذا وقع على وجهه المشروع فهو مُدخِل الجنةَ بدءاً بدون الشفاعة، وإنما شفاعة المصطفى عليه أفضل صلاة وتسليم تكون بدخول أهلِ الجنةِ الجنةَ إذا أذن الله له.. وأما حين رجحان السيئات على الحسنات فالخوف رجحاناً أن يُطَهِّر الله المؤمن بالنار ولا يُخَلَّد فيها، بل يخرجه الله برحمته ثم باستيفائه تطهيره، أو بشفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم قبل تمام تطهيره، وهو على أي حال تحت المشيئة، وليس أملنا أن نتحرَّى الشفاعة للخروج من النار، فبئس المقيل والمبيت ليلة واحدة في نار جهنم، وليس جَلِدٌ على النار بجليد، بل رجاؤنا في شفاعته صلى الله عليه وسلم برفع منازلنا، وأن لا ندخل النار بدأً، وأن نكون من زُواره في ملكه الكريم الكبير.. وهو لن يشفع إلا في الآخرة بإذن من الرحمن له ورضى منه سبحانه للمشفوع له.. وهو صلى الله عليه وسلم بعد الله سبحانه خير مُلْتجإٍ لنا في الأرض في حياته وبعد مماته عليه الصلاة والسلام؛ في الاستضاءة بهديه، والعمل به.. وما عدا ذلك فلا يملك لنا شيئاً؛ لأن الأمر كله لله، وبذلك صرَّح ابتداء بالأقربين الأقرب فالأقرب؛ فقال: (يا فلان لا أملك لك من الله شيئاً).. وهو يوم القيامة لن يعصمنا من شيئ إلا بشفقته وبدعائه: (اللهم سلِّم سلِّم)، وبالشفاعة المرجوَّة إذا أذن له ربه ورضي عن المشفوع له، وسيشفع أيضاً الرسل عليهم الصلاة والسلام، وملائكة الرحمن عليهم سلام الله وبركاته، ثم شفاعة أرحم الراحمين حتى يخرج من النار من لم يفعل خيراً قط.. وتمادى الخلاف في اصطفاق أبواب جهنم ليس فيها أحد كما في الموقوف الصحيح عن عمر رضي الله عنه، وكما في الحجج بين الفريقين التي حار فيها الحبر ابن قيم الجوزية في حادي الأرواح وغيره.. ولا ألج هذا الموضوع الخطر، والله فعَّال لما يريد، ولكن مهما كان الأمر فالجنة محرَّمة على الكافرين.. وإنما تنتهي بيوم القيامة الأكوان التي قدَّرها الله قبل خلقه السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ولكن خلق الله وتوسعته في الخلق، وتجدُّد تدبيره لا ينتهي أبداً؛ لأنه الآخر الدائم الباقي أبداً، فليس من شرع الله:

يا خير ملتجئ في الأرض نأمله

يوم القيامة أيضاً يا خير معتصم

إلا بالمعنى الضيق الذي أسلفته، وليس أملنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما رجاؤنا في الله سبحانه، وإنما حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقام علينا الحجة سواء أشفع لنا بإذن ربه أو لم يأذن الله له.. وكم لديه من الأقربين يود لو يشفع له.. على أن باب الإذن بالشفاعة على عمومه لمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق غير مقبول في الكافرين أصلاً سوى شفاعته في عمه أبي طالب أن يخفف الله عذابه، وإن والله عيوننا لتدمع؛ إذ نود لو ينجو أبوطالب مناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الله مالك يوم الدين (يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (سورة الانفطار - 19) وكم من ملك كريم يود لو تحصل له الشفاعة إطلاقاً، ولكن كما قال الله سبحانه (أَمْ لِلْإِنسَانِ مَا تَمَنَّى، فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى، وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى) (سورة النجم 24-26).. والشفاعة حق، والاتكال عليها والجزم بها باطل؛ لما ذكرته من الإذن والرضى.. ومحمد صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم يرحم بقلبه، ولما يمحو بنوره من الكفر في الدنيا محواً لحجته لا لوجوده، والرحمة لله وحده يوم الدين، ومن رحمته أن يأذن للشافع ويرضى عن المشفوع له، وليس هذا محقَّقاً لكل أحد إلا لمشيئته سبحانه.. وكلنا ذلك الرجل نمخر في بحر هو الحب والغزل، والعبرة بمواقعة الإثم، وأما المخر في بحر الهوى عن مراد الله فالله يعصمنا جميعاً أن نكون منهم.. ثم اعلم حفظك الله أن الأطم بناء بشري بطين مطبوخ وآجُرٍّ وحُصيَّات، والأطواد خلق الله بلا فعل للإنسان جعلها الله أوتاداً للأرض؛ فكيف تنوء بها كواهل الأُطم؛ وإنما تنوء كواهل الأُطم بالأطواد.. ثم ذكر معالي الدكتور محمد عبده يماني لمعالي الوالد الحبيب عبدالعزيز خوجة شعراً ليس بذاك من الناحية الفنية يقول فيه:

لو أنهم جاؤوك

ما شدوا رحالهم إلى جهة ضياع

لو أنهم جاؤوك

ما تاه ربان لهم

أو ضل في يوم شراع

يا سيدي

سقط القناع على المسارح

عن وجوه لم تكن القناع

مولاي

هب لي منك مناي من غوايتها

ومن وسواس رونقها الطروب

خذني إليك ومدني بسلام روحك

سيدي كيلا أضيع

قد جئت

بحراً من خطايا

قطرة من روض طيبك

يا شفيع

فيا معالي الوالد الكريم إن عبد الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم سيدنا وأنف الجافي ألف راغم، ولكن هذا الابتهال لا يليق إلا بالله سبحانه، ولا يليق بسيد الخلق الذي يقول: (لا أملك إلا نفسي).. ونحن لا نطلب شفاعته اليوم؛ لأن ذلك أمر لا يملكه إلا يوم القيامة بإذن من ربه ورضى عن المشفوع له.. ولو أنهم جاؤوك دُسَّت في تفسير ابن كثير السلفي عن قصة الأعمى كما دُسَّ في تاريخه بعض نصوص تلاميذه.. والله ندب المنافقين ليأتوا إليه صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم لا ليغفر لهم كما قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً) (سورة النساء -64)، ولو صحت قصة الأعمى - وهي لا تصح - لكان فيها عجب إنكاري واشمئزاز: العجب الأول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يشفي أحداً في قبره، ولم يأت بذلك نص، وإنما حدثت له في ذلك آيات في حياته.. والعجب الثاني أن لله فتنة في المحيا والممات ينجو بها من نجا، ويهلك بها من هلك كولادة عقيم تقف عند قبر الحسين رضي الله عنه المكذوب في مصر وتقول: (نظرة عين يا حسين).. ومثل ذلك ما يحصل لعُبَّاد الأصنام من فتنة، وما يحصل للمغبِّرة بالغناء (الذكر الصوفي!!!) في المساجد (ملاعب الوثنية)، وكالفتنة في متشابه النصوص وغامضها ونقل الأخبار التي لا زِمام لها ولا خطام.. ومنذ (هب لي منك) إلى آخر القصيدة ابتهال لا يليق إلا بالله سبحانه؛ فما لنا نجفو في حق الله الصريح ونتشبَّث بالشُّبَه عن عبده ورسوله المخلوق المربوب صلى الله عليه وسلم ، والله يعلم أنك يا معالي الوزير في سويداء سويداء قلبي منذ صلَّيتُ بكم في بيتكم العامر وقد فاتني بعض الصلاة؛ فلما سلَّم الإمام تقدمتُ إماماً للمصلين أُتمُّ صلاتي وصلاتهم؛ فيا لها من جهالة رعناء من ظاهري لم يرسُو عِلمُه وورعه إلا على كِبَر ؟!!.

وعوداً على بَدْءٍ أقول: إن كون عبدالله ورسوله محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً إنما هو مُقدَّر قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما في عموم الحديث الصحيح القطعي، وخَلَق اللهُ سبحانه آدمَ عليه السلام بعد خلق السماوات والأرض، وإنَّ ذِكْر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نبي وآدم مجندل؛ لأن آدم أول مبعوث من الرسل عليهم الصلاة والسلام؛ فأكد بذلك أنها مُقدَّرة مع تقدير نبوة إخوانه غير طارئة، وبذلك لزم أهل الكتاب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبدينه؛ لما أتاهم من تبشير به عن قضاء سابق.

وأقول ثانية: إن حب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح هو مثل ما شاهدته في مدينتي شقراء من أحوال عوام نضَّر اللهُ وجوهَهم تعلو أهدابهم ثفنات السجود.. كان المطر لا ينقطع بإذن الله ثم ببركة قبول دعائهم، وكانوا يعْمُرون المساجد ويلازمونها، وكانوا يصلون ما تيسَّر من آخر الليل على الرغم من شدة أعبائهم، وتجيش قلوبهم حباً لأصحاب رسول الله رضي الله عنهم؛ فما بالك بحبهم لرسول الله نفسه عليه أفضل صلاة وتسليم؟!.. وكانوا يتحرَّجون عن كل مشتبه من باب الورع؛ فكان حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتِّباعاً: بإيمانهم بعلوِّ منزلته في نطاق ما صحَّ به الشرع، وطاعتهم له في تقديس ربهم وتوحيده؛ فهل أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا؟.. ورأيت أبي عمر -رحمه الله- وهو يحدِّثني بخبر الأعرابي الذي جحده أبوجهل -لعنه الله- حقَّه - ولم أحقِّق بعدُ توثيقَ الخبر؛ لكثرة أعبائي - (1)؛ فقال كفار قريش استهزاءً: (اشك أمرك على محمد) (صلى الله عليه وسلم)؛ فذهب عليه الصلاة والسلام يأمر أبا جهل بدفع الحق لصاحبه؛ فأجاب بالسمع والطاعة، واستجاب؛ فقال كفار قريش لأبي جهل: (تباً لك ما رأينا اليوم أجبن منك!!)؛ فقال: (إني رأيت جملاً فكُّه الأسفل في الأرض، وفكُّه الأعلى فوق رأسي)، وأخبرني أبي عن سماعه في مجالس المشايخ أن ذلك جبريل عليه السلام، فرأيت أبي -رحمه الله- دامِعَ العين يحرك رأسه، ويرفس الأرض برجله، ويقول عن أبي جهل: (اِخْسْ يا عدو الله.. يا ناقص العقل.. تحارب من كان معه ربه؟).. وهكذا رأيت انفعالهم سروراً بسرور رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانكساراً لمصابه، ويصلُّون عليه كلما ذُكر، ويكثرون من ذلك يوم الجمعة، وعند دخول الأسواق، وعند استحسانهم الشيء.. هذا خلاف الفرائض وما بعدها مما شرع فيه الصلاة والسلام على المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فلنتق الله من شائبة نفاق بافتعال حبٍّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير صادق حسبما رأيته في الموالد، ولا مشروع؛ فوالله العظيم قسماً براً لن يفوق أحدٌ السلفَ الصالح من أهل السنة والجماعة في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وشعر الظاهري أبوتراب رحمه الله عن وفاء متبادل، وقيام كل واحد منا بحق الآخر؛ فإن كان معاليه راضياً عني فليتحفني جزاه الله خيراً بقصيدته وقصيدتي معاً؛ فإنهما مما فُقد مع (كثُّ البثِّ)، وقصة ضياع مكتبتي يعلمها القاصي والداني، وأما قصيدة الدكتور محمد عبده يماني لأبي سهيل:

أبا سهيلٍ ويارا

لكم أزفُّ اعتذارا

فما قصدت لسوء

ولا أثرت الغبار

لكن رسائل ودٍّ

تعانق الأزهارا

كانت دعابات حبٍّ

قد لازمت أشعارا

فلا تُعاتب فإني

أقدِّم الاعتذارا

ودع وشاية خِلٍّ

سعى ليشعل نارا

فمن يشك في نظافة سريرتك أيدك الله؟.. ولكن لا أريدك أن تعتذر، بل أنا وأنت نحمي السفُّود على القصيبي كلما وجدنا مدخلاً حتى نكون مدرسة واحدة، ولكن محل النزاع أن لا يتوب عن الغزل الذي هو الفستق المقشَّر ما ظل الأديم سليماً.. ثم اعلم حفظك الله أن الأستاذ خالد المالك لحساسيته ولطول مقالتي حذف خزرجيتي ومنبتي من المدينة المنورة وحنيني إلى سكناها، ووصيتي أن أدفن في بقيعها مع شيخي عبدالفتاح أبوغدة رحمه الله تعالى.. وما قصدتك حفظك الله في زحافات الشعر، وإنما تحدثت عن تجربتي من خلال قراءتي وغنائي للشعر العامي أن الزحافات والعلل إذا لم تكن ثابتة فإنها ترِد بالفصحى نطقاً وتختلُّ ضرورة غنائياً؛ فيكون الزحاف أو العلة.. وأسأل الله جلت قدرته أن يجمع قلوبنا على الحق سواء أكان عندي أم عندكم، وأهل القبلة ملة واحدة إلا من كان مبغضاً لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، معطلاً لشرعه، مبتدعاً لغيره.. وهكذا الساجد للصنم، والذابح على النُّصب.. وعلماء الملة لا يكفِّرون أحداً من أهل القبلة إلا فلول الأديان المغلوبة من الجهمية والباطنية، وبعد ذلك الحق مُرْتَجَعٌ بين أهل القبلة بالبرهان، وأرجو الله أن يكون في خيرك الكثير وتديُّنك وفعلك الخير عمارة لدنياك بالتوفيق للحق المختلف فيه، وفي الآخرة عمارة لها بعفو ربي وكرمه؛ فإنه غفور رحيم، غفور ودود.. ودعائي لك ولي وللخوجة وللقصيبي ولجميع إخواني المسلمين، واْعْرِكْ أُذني كما شئتَ فإنها خير مساج، ولن أنقطع عن دالَّتي عليك بالمؤازرة مهما أحفظتك.. أوَ لسنا كمحمد بن داود الظاهري وأبي العباس ابن سُريج الشافعي رحمهما الله؟.. وبعض تلامذتي الذي لم يُرزق سعة أفق يقول: (المداعبة والدعابة للنساء)، وقد أبعد النجعة، فالدعابة أنواع، ولكلٍّ من الجنسين حظٌّ منها أو اشتراك في معانيها، والأصل في الدعب تمدُّد وانبساط مُؤنس، وكل ذلك أنواع.. ولنعد الآن إلى قصيدة البوصيري؛ فقد اختار معالي الدكتور محمد قول البوصيري:

دع ما ادَّعته النصارى في نبيهم ِ

واحكم بما شئتَ فيه واحتكمِ

وانسب إلى ذاته ما شئتَ من شرفٍ

وانسب إلى قدره ما شئت من عِظَم

فإن فضل رسول الله ليس له

حَدٌّ فيعرب عنه ناطق بفم

فمَبلغ العلمِ فيه أنه بشر

وأنه خير خلق الله كلِّهِم

سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ

كما سرى البدر في داج من الظُّلَم

قال أبوعبدالرحمن: هذا نفس إيماني يهزَّ الأريحية؛ لشاعريته وصدقه دينياً، وبراءته من غلوِّ النصارى في عيسى بن(2) مريم عليه السلام.. ومحمد صلى الله عليه وسلم بشر يقيناً، وليس مبلغ علم قاصر، وما جعل الله رسولاً إلا بشراً، وهو مسلسل النسب الشريف، ونصوص بشريته كثيرة كما في سورة الأنبياء.. ثم قال البوصيري:

فإن لي ذمة منه بتسميتي

محمداً وهو أوفى الخلق بالذِّمم

يا نفس لا تقنطي من زلة عظُمتْ

إن الكبائر في الغفران كاللَّمَم

لعل رحمة ربي حين يقسمها

تأتي على حسب العصيان في القِسَمِ

واختار الدكتور محمد عبده يماني قول البوصيري:

إني اتهمت نصيح الشيب في عذلٍ

والشيب أبعد في نصحٍ عن التُّهمِ

فإن أَمَّارتي بالسوء ما اتعظت

من جهلها بنذير الشيب والهرمِ

والنفس كالطفل إن تُهْمله شبَّ على

حبِّ الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ

وأشهد أن هذه الأبيات مشحونة شاعرية وحكمة، ولكنَّ شيئاً حزَّ في نفسي جداً، وهو الاختيار لأبيات كريمة من قصيدة طويلة توحي للمتلقِّي أنها بريئة، وأن المختار من محاسنها.

قال أبوعبدالرحمن: بردة البوصيري هي إنجيل الصوفية، وأشهد لله شهادة ألقى الله عليها غير نادم، بل طامع بالأجر الجزيل: أن هذه البردة لا نجاة من متَّخذيها إنجيلاً إلا بتوبةٍ نصوح، وتجديد إيمان؛ لأنها جمعت ظُلمين من أشنع الظلم:

الظلم الأول: إشراك عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم مع ربِّه في العلم والتدبير.

والظلم الثاني: الافتراء على شرع الله، ومن كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتبوَّأ مقعده من النار؛ فكيف بمن كذب على ربه (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً) (سورة الأنعام -93)، ومن تدين لله بما لا تقصر وسيلته العلمية عن العلم بأنه كذب فحكمه حكم من افترى.. ونماذج ذلك من مفهوم أبيات البردة نفسها، ومن نماذج سترد إن شاء الله على طولها من كلام صاحب (النفحات الشاذلية)، وكل شروح البردة لا خير فيها، بل هي تضليل للمسلمين نسأل الله العافية، ودين الله بالوسائل الدلالية التي شرعها الله لنا أمانة في أعناقنا؛ فيا ويح من لم يصدق مع نفسه وعلمه ودلائل شرع ربه؛ فإننا لا ندري متى نلقى الله، وكل مذنب دون الكبائر وكل من رجحت حسناته، وكل من تساوت سيئاته وحسناته بين اليقين والرجحان في النجاة ودخول الجنة للآية الكريمة: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (سورة فاطر - 32)، وأما الشرك بالله والافتراء على الله فأمرهما خطير، فالمشرك محرَّمة عليه الجنة، والمفتري يترجح أن يتبوأ مقعده من النار، ثم لا يخلد فيها مؤمن.. وكيف نتخذ بردة البوصيري في القرن السابع، وشروحها في قرون متأخرة تديُّناً جديداً يتلوه الصوفية بكل ما فيه من ظلم أعظم مما يتلون كتاب الله، ومن تلك الشروح الضالة شرح المحلِّي، بل كلُّ مَن عُني بشرحها وتأويلها فهو في دائرة الظالمين المذكورين آنفاً.. وتعبَّد لله بالصدق والصدع بالحق قِلَّة بَرَّأوا ذمتهم ببيان ما فيها من ضلال، وآخر هؤلاء فيما أعلم الشيخ عبدالرحمن أبو(3) بطين رحمه الله تعالى(4).. ووجدت من افتراء الصوفية على شرع الله رسالة حسين بن محمد عن إثبات وجود النبي صلى الله عليه وسلم في كل مكان؛ فهل في الغلو أكثر من هذا؟.. وأرجو من أحبابي أن يقرأوا رسالته ليروا حُجَجَه الباهرة!!.. نسأل الله السلامة، وأعود إلى البوصيري فأذكر أن قبل قوله: (فإن فضل رسول الله ليس له) من الأبيات التي اختارها معالي الدكتور قوله:

لو ناسبت قدره آياته عظماً

أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرِّمَم

لم يمتحنَّا بما تعيا العقول به

حرصاً علينا فلم نرتَبْ ولم نَهِم

أعيا الورى فهم معناه فليس يُرى

في القُرُبِ والبعد فيه غير منفحم

كالشمس تظهر للعينين من بُعِدٍ

صغيرة وتُكِلُّ الطرف من أمم

وكيف يدرك في الدنيا حقيقته

قومٌ نيام تسلَّوا عنه بالحُلم

فبملغُ العلم فيه أنه بشرٌ

وأنه خير خلق الله كلهمِ

وكلُّ آيٍ أتى الرسل الكرام بها

فإنما اتصلت من نوره بهم

وبعد قوله (سريت من حرم إلى حرم) التي اختارها معاليه قول البوصيري:

وبتَّ ترقى إلى أن نلتَ منزلة

من قاب قوسين لم تُدْرَك ولم تُرَم

وقدَّمَتْك جميعُ الأنبياء بها

والرسل تقديم مخدوم على خدم

وأنت تخترق السبع الطباق بهم

في موكبٍ كنت فيه صاحب العَلم

حتى إذا لم تدع شأواً لمستبق

من الدنو ولا مرقى لمستنم

خفضت كل مقام بالإضافة إذ

نُوديت بالرفع مثل المفرد العلم

وقبل قوله: (فإن لي ذمة بتسميتي) التي اختارها معاليه قول البوصيري:

خدمته بمديح أستقيل به

ذنوب عمر مضى في الشعر والخدمِ

إذْ قلَّداني ما تُخشى عواقبه

كأنني بهما هديٌ من النعمِ

أطعتُ غَيَّ الصبا في الحالتين وما

حصلتُ إلا على الآثام والندمِ

فيا خسارة نفسٍ في تجارتها

لم تشتَرِ الدين بالدنيا ولم تَسُمِ

ومن يبعْ آجلاً منه بعاجله

يَبِنْ له الغَبن في بيع وفي سَلَمِ

إنْ آتِ ذنباً فما عهدي بمنتقض

من النبي ولا حبلي بمنصرمِ

فإن لي ذمَّة منه بتسميتي

محمداً وهو أوفى الخلق بالذممِ

إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي

فضلاً وإلَّا فقل يا زلة القدمِ

حاشاه أن يُحرُم الراجي مكارمه

أو يرجع الجار منه غير محترمِ

ومنذ ألزمتُ أفكاري مدائحه

وجدتُه لخلاصي خير ملتزمِ

ولن يفوت الغِنَى منه يداً تربتْ

إن الحيا يُنبتُ الأزهار في الأَكمِ

ولم أُرِد زهرة الدنيا التي اقتطفت

يدا زُهيرٍ بما أثنى على هرمِ

وبعد ذلك قوله:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذُ به

سواك عند حلول الحادث العَمَمِ

ولن يضيقَ رسولَ الله جاهُك بي

إذا الكريم تجلَّى باسم منتقمِ

فإن من جودك الدنيا وضرتها

ومن علومك علم اللوح والقلمِ

يا نفسُ لا تقنطي من زلَّة عظمت

إن الكبائر في الغفران كاللَّممِ

لعلَّ رحمة ربي حين يقسمها

تأتي على حسب العصيان في القِسَمِ

أفيحق التسويق لكفريَّات البُردة باختيار أبيات قليلة جميلة لا شائبة فيها مع إسقاط هذا الضلال المبين؟.. ولقد قال حسن العدوي الحمزاوي في شرح بعض ما مضى أقوالاً سأتعبَّد الله بدحضها، ودحض ضلاليات البردة معاً.. قال الحمزاوي: (رُوي أنه صلى الله عليه وسلم رأى في ليلة المعراج أفواجاً من الملائكة يطوفون حول البيت المعمور، وذكَّرهم في طوافهم اسمُ محمد صلى الله عليه وسلم وهم يقطعون في طوافهم الشوط أسرع من لمح البصر، وغيرهم من الملائكة (عليهم جميعاً سلام الله وبركاته) لا تستطيع قطع ذلك الشوط إلا في زمن طويل؛ فسأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام: (من هؤلاء؟)؛ فقيل له: (هؤلاء أشراف الملائكة في السماء كما أن لك أشراف البشر في الأرض)، فقال له: (يا أخي يا جبريل: بماذا استحقوا هذه المنزلة، وبِمَ تيسرت لهم هذه السرعة في الطير؟) فقال له: ببركة اسمك؛ فبه نالوا ما نالوا.. اهـ.)(5).

قال أبوعبدالرحمن: علامة (اهـ) إشارة إلى ما تمَّ نقله عن أبي السعود؛ وذلك بمناسبة قول البوصيري:

وانسب إلى ذاته ما شئتَ من شرفٍ

وانسب إلى قدره ما شئت من عِظَم

فما نقله الحمزاوي نموذج للشرف؛ فيا عبادَ الله: أي مصدر شرعي مُحْتَمَلِ التوثيق يوجد فيه هذا الكلام؟.. بل هو افتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وملائكته الكرام؛ وذلك شرُّ الموضوعات!!.. ثم قال هذا الحمزاوي: (ولما كان قدره صلى الله عليه وسلم لا حدَّ له لزم من ذلك أن جميع ما ظهر على يديه من الآيات لم يكن شيئ منها مناسباً لقدره (صلى الله عليه وسلم) العظيم).. ثم قال عن البيت: (يعني أنه لو ناسب شيء من آياته التي هي كتسبيح الحصى في كفه، وانشقاق القمر له، وتسليم الأحجار والغزالة عليه قدَره: لكان من جملتها أنه إذا دُعي دارس الرمم مع ذكر اسمه الشريف أحياه الله تعالى بسبب بركة ذكر ذلك الاسم الشريف كأن يقول مثلاً: (يا ميت عش باسم محمد صلى الله عليه وسلم).. ويجوز أن يكون دارس منصوباً بأحيا، ويكون في يُدعى ضمير مرفوع نائب عن الفاعل، والتقدير: أحيا بركة ذكر اسمه الشريف دارس الرمم حين يُدعى هو.. أي دارس الرمم مصاحباً لذكر الاسم المبارك، ويحتمل أن يكون ضمَّن يُدعى معنى يذكر أي أحيا اسمه دارس الرمم حين يُذكر هو (أي اسمه)، ودارس على هذا مفعول أحيا؛ فإن قيل: (إن كلامه يعطي أن شيئاً من آياته صلى الله عليه وسلم لم يناسب قدره؛ لأن لو حرف امتناع لامتناع.. أي امتنعت الخاصية المذكورة لامتناع مناسبة شيئ من آياته قدره، وهذا باطل؛ لأن من آياته القرآن وهو كلام الله وكلامه صفته وشرف الصفة بشرف الموصوف؛ فكيف يصح أن يقال: (صفة الله لم تناسب قدر النبي صلى الله عليه وسلم).. فالجواب: أنه ليس المراد بالقرآن كلام الله الذي هو صفة ذاتية، وهذا المعنى قائم بذاته سبحانه وتعالى ولا يفارق الذات؛ فإطلاق القرآن عليه الذي هو بمعنى المقروء مجاز، وهذا لا يكون معجزة؛ لأن المعجزة فعل الله الخارق للعادة(6)، وهذه صفة للذات، بل يراد بالقرآن الحروف والأصوات التي تنفتح بها أوداج القارئ، وهذا هو المعجزة، وإطلاق القرآن عليه بمعنى القراءة، ومدلوله المعنى القديم، وهو الدال عليه، وهذا هو مراد الناظم(7)؛ لأنه يُراد بالآية المعجزة؛ وحينئذ يمتنع أن تكون الحروف والأصوات مناسبة لقدره صلى الله عليه وسلم اهـ قسطلاني)(8).

قال أبوعبدالرحمن: أما شرفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظمُ قدرِه فهو مُحصى في شرع الله سبحانه وإن غاب آحاد منه عن بعض العلماء، ولا يُنسب إليه عليه الصلاة والسلام إلا بالشرع الصحيح الصريح لا بالدعوى والعواطف، وأما آياته عليه الصلاة والسلام - غير شريعة ربه وفي قمَّتها القرآن الكريم - فهي جماد لا تُقارن بشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعِظم قدره، وأما الآيات (التي يسميها المتكلمون معجزات) فليست حسب قدر أيِّ رسول على جميع أنبياء الله ورسله أفضل الصلاة والسلام، بل هي وَفْق(9) ما تقوم به الحجة على المُرسَلِ إليهم، ووفق تعنُّتهم كبني إسرائيل.. وجَعْلُ البوصيري آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرةً عن قدره يقضي أن قدره لا يتمُّ إلا بإحياء اسمه دارس الرِّمم؛ فيا أحبائي: هل في دين ربكم أن مقدار ما آتاه الله سبحانه عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم لم يتمَّ به عِظم قدره، وهل في دين ربكم أن قدره لا يتم إلا بإحياء اسمه دارس الرِّمم؟؟.. إن هذا أشنع من غلوِّ النصارى الذين زعم البوصيري أنه تبرَّأ منه؛ لأنهم شهدوا من عيسى عليه السلام آيات الله له بإحياء الموتى.

وأما كلام الله سبحانه وعموم وحيه فهو حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته: يهديهم في الدنيا، وينجيهم من النار ويدخلهم الجنة برحمته.. ولا مقارنة في التفضيل إلا بصراح الحق، وهو أن فضل كلام الله على كلام البشر كفضل الله على خلقه، وتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم على القرآن الوحي غلوٌّ وبدعة محدثة.. وكذب هذا الحمزاوي في دعواه (أن القرآن كلام الله الذي هو صفته)؛ فالله سبحانه لا يُوصف بالقرآن ولا بالكلام، بل يوصف سبحانه بالتَّكلُّم، ويوصف فعله بالتكليم.. ألا إن في شرع الله من النصوص القطعية الصريحة عن فضل عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعِظَم قَدْرِه ما نكون بوعيه مأجورين مبرورين، وإن من الافتراء على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والإغْماض في الكذب ما يجعل السالك خارجاً عن الملة أو مبتدعاً أو فاسقاً، ولنا استراحة من مَلَلِ البحث الجاد مع لامية الشهرزوري ثم عودة إلى البوصيري، والله المستعان.

* * *

(1) قال أبوعبدالرحمن: ذكر لي فضيلة الشيخ المصحِّح لمقالتي قصةً مشابهة في سيرة ابن هشام ص282-283 نصُّها: (حدث لأبي جهل حين هَمَّ بإلقاء الحجر على الرسول صلى الله عليه وسلم: فلما أصبح أبوجهل أخذ حجراً كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وقِبلته إلى الشام؛ فكان إذا صلى بين الركن اليمان والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، وقد غدت قريش؛ فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبوجهل فاعل)؛ فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبوجهل الحجر، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه، مرعوباً، وقد يبست يداه على حجره، حتى قذف الحجر من يده.. وقامت إليه رجال قريش، فقالوا: (مالك يا أبا الحكم؟).. قال: (قمت إليه لأفعل به لكم البارحة؛ فلما دنوتُ منه عرض لي دونه فحلٌ من الإبل.. لا والله ما رأيت مثله ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط؛ فهَمَّ بي أن يأكلني).. قال ابن إسحاق: فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ذلك جبريل عليه السلام لأخذه).

(2) قال أبوعبدالرحمن: لا تكتب ألف (ابن) بعد عيسى؛ لأن وصفه بأنه ابن مريم عليهما الصلاة والسلام يقوم مقام وصف غيره بأنه ابن فلان، وعيسى عليه السلام لا أب له؛ لأن مَثَلَه عند الله كمثل آدم خلقه من تراب.

(3) قال أبوعبدالرحمن: الضم على الحكاية أجود.

(4) انظر أسماء بعض الردود على البردة في تقديم محقق رسالة الشيخ أبوبطين الدكتور علي العلاج بتقديم سماحة الوالد الكريم معالي الدكتور صالح الفوزان في ترجمة أبوبطين/ دار الصميعي بالرياض عام 1422هـ/ ص350-351 .

(5) النفحات الشاذلية في شرح البردة البوصيرية 3-414 دار الكتب العلمية ببيروت/ طبعتهم الأولى عام 1426هـ بتحقيق أحمد فريد المَزيدي، ويا له من تحقيق!!.

(6) قال أبوعبدالرحمن: بل هي ما لا يقدر عليه إلا الله.

(7) قال أبوعبدالرحمن: هذا هَذْرٌ لن ينجيه من الفرار عن القرآن الذي هو وحيُه سبحانه.

(8) النفحات الشاذلية في شرح البردة البوصيري 3-415-416.

(9) قال أبوعبدالرحمن: وفق بفتح الواو بمعنى الموافق بدلالة صيغة (فَعْل) بفتح الواو وسكون الفاء.. قال الزبيدي في تاج العروس 13-458 دار الفكر: (الوَفْق من الموافقة بين الشيئين).. والمعاصرون يُخطئون ويكسرون الواو، ولو صحَّ نقل الوِفْق بكسر الواو لكانت واحد أوفاق، ومصدر (وَفِق) بكسر الفاء.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد