لقد نجحت صحافتنا المحلية - بشهادة المنصفين - خلال السنوات الأخيرة في تبوء مكانتها التاريخية بالتأثير على الرأي العام السعودي، بل وقيادته الواعية بظروف المرحلة الراهنة، في العديد من القضايا التي كانت محل نقاش واختلاف بين شرائح المجتمع (مجلس الشورى، الانتخابات البلدية، الحوار الوطني وقضاياه المختلفة، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأييداً واعتراضاً، المرأة السعودية حضورها في مؤسسات المجتمع، وأخيرا موال السينما السعودية الذي لم ينتهِ بعد) وغيرها من القضايا الساخنة في مجتمعنا السعودي. لقد نجحت صحافتنا المحلية في صناعة الرأي العام المحلي والأخذ به إلى منطقة توافقية، ورغم أنني لا أعرف حتى الآن مركزاً للدراسات الاستراتيجية يقيس ثقة الشارع السعودي في الصحافة المحلية، لكنني في ذات الوقت مؤمن بأن الصحافة لا تكون قادرة على التأثير في مجمل قضايانا التنموية إن لم تكن محل ثقة الرأي العام، كما أن الرأي العام لا يصبح مؤثراً على أصحاب القرار إن لم يحصل على دعم الصحافة ووسائل الإعلام المحلية، على اختلاف أطيافها، ولقد نجحت الصحافة المحلية - في نظري - في شد اهتمام الرأي العام المحلي إلى ساحة السجال الإيجابي أحياناً والسلبي أحياناً أخرى؛ ما يؤكد أن الرأي والرأي الآخر الذي شهدته صحافتنا المحلية خلال السنوات الماضية كان مؤشراً حقيقياً على تبلور رؤية مستقبلية لمجتمع مدني يبشر بنضج حضاري، يضمن حياة أفضل لمواطن يعي دور رأيه وقيمة إعلان موقفه من قضاياه الوطنية.
هناك مَنْ يطلق على الرأي العام اسم صوت المجتمع أو إرادة الجمهور أو موقف الرعية أو السواد الأعظم أو أغلبية الناس أو أكثرية الناس.. وكلها تشير إلى زاوية من مفهوم الرأي العام في حراكنا الاجتماعي، ولا أحد ينكر أهمية الرأي العام ودوره المفصلي في خلق تقاطعات مهمة في منطقة الوعي الحضاري لمزيد من التقارب والانسجام الواعي بقضايا المجتمع وتحولاته الفكرية، لكن الاختلاف يكمن في حجم الاختلاف وكيفية التعامل معه وسبل ترشيده وتجنيده لصالح الأولويات الوطنية والاستراتيجيات التي يجب أن تكون قد رسمت في ضوء العقيدة الإسلامية السمحة والتقاليد العربية الأصيلة؛ ما يسهم في بلورة الرأي العام الواعي بقيمة الاختلاف وأهمية التنوع الفكري الحيوي.
لكل عصر سماته وميزاته، وربما كان من أهم ميزات عصرنا الحاضر: قوة المؤسسات الإعلامية، والاهتمام بصناعة الرأي العام. وصناعة الرأي العام صناعة صعبة ومعقدة تحتاج إلى دراسات في مختلف الاختصاصات، وإمكانات قلما تتوافر لكثير من الدول والمؤسسات.
وهنا أجدها فرصة للعودة الواعية إلى إيضاح الأمير المثقف سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض الذي نشرته هذه الصحيفة توضيحاً من سموه بشأن ما كتبه الشيخ عبدالله بن منيع والزميلان محمد آل الشيخ وعبدالله الفوزان في شأن مسألة الصلح في حقوق الدم، مما يهم أمن الوطن والمواطن ويكرس ثقافة السلام الاجتماعي ويفشي خلق التسامح والعفو ومؤازرة المواطن على سلك الطرق الصحيحة في بناء المجتمع، مستشهداً سموه بآيات قرآنية كريمة تحض على الصلح والسعي إليه، في إشارة إلى مشروعية التكليف من المولى عز وجل في الصلح في الدماء الذي يمثل الإصلاح وسوية هذا العمل، ولم يخف سمو الأمير تحذيره الناس من عدم مشروعية المبالغة في المغالاة في طلب العوض لما في ذلك من عنت ومشقة كبيرة، موضحاً سموه أن ذلك يأتي خلاف مقاصد الشريعة.
ولست بحاجة إلى أن أشرح علاقة سموه الكريم بالصحافة وكُتّاب الرأي؛ فقد عرفتها ولمست شيئاً منها عبر الاستماع لحواراته المفتوحة مع الإعلاميين السعوديين من خلال بعض الاحتفالات المؤسسية لصحافتنا المحلية, تلك الحوارات التي اختصرت المسافة بين السلطة والصحافة في بلادنا حتى أنه أطلق على نفسه في أحد حواراته المفتوحة مع رجال الإعلام السعوديين قائلاً: (أنا رئيس تحرير ناقد), والكل يعرف قدرة الأمير على القراءة والمتابعة فكيف به ناقداً وفاحصاً في عالم الصحافة!!، وما توجيهات سموه هنا أو هناك إلا تكريس لهذا المبدأ الذي يمارسه الأمير من خلال شخصية الإداري الواعي بدور الصحافة في تأسيس العقل الجمعي وصناعة الرأي العام للمجتمع السعودي.
كما أن علاقة سموه بالمثقفين وأهل الفكر وحملة القلم في بلادنا وخارجها تجاوز الصورة النمطية بين الأمير والمثقف لترسم فضاءات جميلة، فكم مرة زار مريضهم وواسى مصابهم وشيّع فقيدهم.. إن الصحافة والثقافة ثنائية متلازمة في مدرسة الأمير الإدارية؛ فالصحافة مرآته والثقافة مستشاره ومنبع آرائه وأفكاره التطويرية.
هذه بعض ملامح حضور أمير منطقة الرياض, من خلال رصد شخصي للعديد من المقاربات التفاعلية لسموه الكريم المبنية على (المكاشفة) عبر وقفات تأملية لما يشغل (المواطن) ويؤثر في صناعة الرأي العام من خلال ما يوجه بنشره في صحافتنا المحلية تعقيباً أو توضيحاً أو توجيهاً أو تصحيحاً للكثير من القضايا الأمنية والاجتماعية التي يهتم بها سموه بصفته الحاكم الإداري لمنطقة الرياض قلب بلادنا النابض بالحياة أو الاهتمام الشخصي في الكثير من مسائل تأريخنا الوطني، وهذا في نظري تقدير مستمر منه لما تمارسه الصحافة السعودية من حراك فكري ووعي وطني بقضايا الوطن وهموم المواطن.
أخيراً
إنّ مجرد محاولة رسم لوحة تواصل سلمان بن عبدالعزيز مع العلماء والكُتّاب والمثقفين قادة الرأي العام، أمر ليس بالسهل، لكنه مؤشر صادق على فلسفة سموه الكريم نحو الصحافة السعودية ودورها التنويري في صناعة الرأي العام ليقود سموه باقتدار حركة تشكيل الرأي العام السعودي عبر (الكلمة المسؤولة) والرأي الموضوعي إلى منطقة آمنة تحفظ للمواطن السعودي حقوقه وتنشر ثقافة التسامح والعفو لبناء مجتمع يعفو ويصفح عند المقدرة، بل ويقدر صحافة نقية تسهم في تأسيس قاعدة صلبة تضمن للمواطن حقه في الاختلاف المشروع المؤدي بحول الله إلى خارطة الرأي العام عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رائد الإصلاح والحوار الشامل محلياً وعالمياً.