ثمة تغير ملموس في خطة وخطاب وتوجه هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (حسبة) المعمول بها حاليا، وهو تغير يتسق مع المعطيات الحديثة ويتلاءم معها؛ الأمر الذي يكسب الهيئة مرونة في الأداء وقدرة عالية على مواكبة الجديد والمستحدث في مجالها، وينفي عنها مزاعم هي بمنأى عنها.
نعم، تشهد الهيئة حاليا ما يمكن تسميته (تحولاً جذرياً) في مسيرتها من خلال نقلة نوعية في عملها الإداري والميداني؛ فقد تم إطلاق عدد من المتحدثين الرسميين ومساعديهم بفروع الرئاسة العامة في مناطق المملكة المختلفة للتواصل مع وسائل الإعلام فيما يخص مناطق عملهم حول القضايا والإجابة عن كل الاستفسارات، وذلك امتداداً لخطوات التطوير الإعلامية التي تتبناها الهيئة، جنباً إلى جنب مع تنظيم دورات على نظام التدريب الإلكتروني عن بُعد لعدد من منسوبي الرئاسة لإكسابهم المعارف والمهارات اللازمة للتعامل مع نظام التدريب الإلكتروني داخل الهيئة.
وقد كان لي في الأسبوع الماضي شرف المشاركة في الندوة الأولى ضمن فعاليات إطلاق مشروع الخطة الاستراتيجية للرئاسة العامة، وذلك من خلال إحدى اللجان المعنية بهذا الأمر، وقد لمست من آراء الحاضرين ومقترحاتهم الرغبة الصادقة في صون هذا البلد والحفاظ على مقدساته ورعاية ثوابته وعاداته المرعية وتقاليده الموروثة من الأجيال السابقة.
كان جميع المشاركين يحدوه الأمل بأن يقدم كل ما يملك فداء هذا الوطن، وأن يكون لبنة قوية في جداره، وإضافة تدفع إلى الأمام، إلى التقدم والنهوض والنمو، أي باختصار خدمة المجتمع وفق منظومة متطورة لتعزيز قيمنا الإسلامية.
لقد دارت حوارات متعمقة حول مضامين عدة لعل أبرزها هو وضع خطة طويلة المدى وأخرى تنفيذية لتطوير هذا الجهاز في الجوانب الإدارية والفنية والموارد البشرية وتعزيز كفاءتها للقيام بمهامها على أكمل وجه.
ولهذا الغرض النبيل الذي يخدم الخطط التنموية في المملكة والاقتراب من قلب كل مواطن وفق سياسة تطويرية شاملة في العمل الاحتسابي، صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - على تأسيس كرسي الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحسبة ودراساتها المعاصرة في جامعة الملك سعود، وهو ما يجسد قناعته الراسخة - يرعاه الله - في دور العلم ومكانته في بناء النهضة والحضارة، وأن طبيعة التنافس العالمي اليوم باتت مرتكزة على المعرفة ومستوى أصالتها وعمقها.
وهذه الموافقة الكريمة على تأسيس هذا الكرسي تُعدّ تعبيراً عن الدور المهم لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأكيداً على قدر خدماته ومهامه الكبرى التي يؤديها في تنفيذ رسالته، وهو ما تحرص الحكومة الرشيدة - أيدها الله - على ترسيخ مفاهيمه عبر جعل المعرفة صناعة قائمة على التخصص الهادف إلى الإنتاج المثمر.
كما جاءت موافقة النائب الثاني على تأسيس كرسي الأمير نايف بن عبدالعزيز لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، للغرض ذاته.
ولا شك أن هاتين الموافقتين الكريمتين تعدان دليلا واضحا على ما يلقاه الجهاز من دعم وتأييد من قياداتنا الرشيدة.
وبالتوازي مع ذلك، دشنت الهيئة الأسبوع الماضي مشروع خطتها الاستراتيجية بالتعاون مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وبرعاية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية.
ومما لا شك فيه أن هذه الخطة طموحة وذات أبعاد مختلفة منها ما هو قيمي وتربوي وديني وأخلاقي، ولا تحتاج سوى الدعم والتأييد والمباركة من الجميع، ولاسيما أجهزة الإعلام التي تضع - في معظمها - أعمال الهيئة تحت مجهر النقد والمحاسبة وفي بعض الأحيان التهويل وسماع وجهة طرف دون آخر، وهي أمور غالبا ما تكون تأثيراتها سلبية وتؤدي في كثير من الأحيان إلى تأليب الرأي العام وتهييجه وحثه على اتخاذ مواقف مسبقة من الهيئة وأعمالها وخططها.
إنني أقتبس هنا ما جاء على لسان سمو النائب الثاني وزير الداخلية في الاحتفال بتدشين الخطة الاستراتيجية للهيئة عندما طالب جميع وسائل الإعلام بالوقوف مع الهيئة بذكر إيجابياتها الكثيرة، قائلاً (الخطأ معرض له كل إنسان يعمل، والذي لا يخطئ لا يعمل؛ ولذلك أطالب وسائل الإعلام في بلادنا بأن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يكونوا في صف الهيئة، وأن يتركوا لأهل الاختصاص بعض السلبيات التي يبحثون عنها).
إن جهاز الهيئة يمر في الفترة الحالية بمرحلة حساسة ومهمة في تاريخه، ولذا وجب علينا جميعا الوقوف خلفه ودعمه وتشجيعه، ولفت نظره إذا كانت هناك أخطاء، حتى يواصل مسيرته في صون البلاد وحمايتها والعمل مع الأجهزة الأمنية الأخرى في دعم الأمن والحفاظ عليه.
لذا وجب علينا في هذه الفترة الوقوف خلف هذا المرفق ودعمه؛ كي نمكنه من أداء دوره على الوجه الصحيح، وأن تكون انتقاداتنا له بناءة وتصب في المصلحة العامة؛ حتى نجتاز أيه عقوبات قد تواجهنا.
- رئيس مجلس إدارة مجموعة الحكير للسياحة والتنمية