لم أجد فرقاً بين تلك الحقبة من الاختبارات التي كان الطلاب يهيئون أنفسهم لها بالمذاكرة المستمرة والسهر الطويل، وهذه الفترة التي ألغيت فيها مركزية الاختبارات. نعم ليس هناك فرق سوى أنها فرصة مناسبة لكسب السمعة والإطراء في بعض المدارس، من هذه اللائحة التي جعلت التنافس بين المدارس في نوعية الملخصات المنهجية التي تحدد ضمناً شيئاً من أسئلة الاختبارات النهائية للصفين الثاني والثالث الثانوي، كونهما (معدلاً تراكمياً) لشهادة الثانوية العامة البديلة، وهي الحقيقة التي تحاول كل مدرسة أن تظهر تميّزها في نسبة النجاح على حساب المدرسة الأخرى، فكان الكاسب الأهم بعضٌ من المدارس الأهلية التي تعيش أزهى حضارة الكسب الإعلامي والمالي. إنّ إلغاء مركزية الثانوية العامة الذي اتُّخذ منذ سنتين، يعتبر هزة قوية لثقة الوزارة بمخرجات طلابها وطالباتها داخلياً وخارجياً.
من الداخل لم تتغير نظرة القياس والتقويم للمخرجات التي كسبها الطالب أو الطالبة طيلة تحصيلهما العلمي (للسنتين الماضيتين) أو لنقل (المعدل التراكمي)، فلم يكن إلغاء المركزية للثانوية العامة علاجاً لكبح جماح الدروس الخصوصية التي أصبحت أكثر طلباً في السوق السوداء هذه الأيام، أو إزالة رهبة الاختبارات، وهي النظرية التي كان يطالب بها أصحاب الآراء المؤيّدة لإلغاء مركزيتها، حيث كانت (30%) من الدرجة العلمية ويحسب لها الطالب (1000) حساب وكافية لحفظ شيء من الهيبة التعليمية والرقابة المركزية على المدارس من قِبل إدارات التربية والتعليم في المناطق التعليمية التي أصبحت تحمّل كل صغيرة وكبيرة من مخالفاتها على المدرسة وتفرّغت لأمورها التعليمية الأخرى. وأرى أنّ هذه من المسلّمات الضرورية كونها حصيلة لعام كامل يجب المحافظة على أهميته العلمية.
من الخارج أفقد إلغاء المركزية العامة لشهادة الثانوية العامة المصداقية في الحصيلة التعليمية أو (مخرجات التحصيل) من النقد وسلامته من التشكيك فيه، كون كل الدول العربية التي تسبقنا في التصنيف العالمي للتعليم المتقدم والمتطور تقيم مركزية لهذه الاختبارات، فهل الطلاب والطالبات في هذه الدول، لديهم المقاومة النفسية والعقلية لمقابلة الاختبارات بأريحية وثقة عمياء، فإذا كان كذلك فلنستفد من هذه الثقة ونطبقها، لكن لديهم تحميل المسئولية والحرص من الطالب وولي الأمر على المستقبل وأنه بين مفترق طرق ويجب عليه أن يفرق بين التهاون والجدية، فمتى سلك طريق الجدية والحرص فقد كسب المعرفة. لقد درسنا في الثانوية العامة بمركزيتها المعقدة جداً وكان الاختبار فيه كما يطلق عليه العامة (من الجلدة إلى الجلدة) أي الكتاب بأكمله دون أعمال سنة، ومع ذلك كانت النتائج إيجابية والحصيلة اللغوية والثقافية طيبة، وتخرّجت هذه الأجيال التي تقود مسيرة هذه الأمة التعليمية وغيرها، فلم تتضجّر من منهج ولم تطالب بإلغاء مركزية. إنّ ترفيه الطالب والطالبة فوق العادة لدرجة التسيب على حساب العملية التعليمية ومكتسباتها لن يقدم التعليم مهما حاولنا أن نطوره أو بحثنا عن كل الفرضيات في الداخل والخارج، وأنّ وجود رسوب ونجاح (علامة صحية) في المجتمع، فليس كل المجتمعات على وتيرة واحدة من العلم والتحصيل، وليس كل العقول تتفتح لكل نظرية تطبق في التعليم، وأعتقد أنه ترتب على إلغاء تلك المركزية للثانوية العامة أن قامت بعض الدول العربية بعقد اختبارات للطلاب والطالبات لأبنائهم ممن حصلوا على شهادة الثانوية العامة من المملكة العربية السعودية، لقياس مدى سلامة تلك الحصيلة، مما يضع دائرة كبيرة ذات ألوان براقة حول سلامة الحصيلة والثقة. إنّ رأيي المتواضع وخبرتي في التربية والتعليم في مختلف المواقع التعليمية لا زالت تؤيد إعادة شهادة الثانوية العامة شهادة مركزية لتعطي الثقل والسمعة الكبيرة للتعليم في بلادنا، ومدى قوته ومتانة قاعدته التحصيلية، ولا يضير أن يكون وراء ذلك قياس للقبول أيضاً. إنها فكرة أضعها بين يدي صاحب السمو الأمير وزير التربية والتعليم ليقيني بأنّ سموه لم يأت للتعليم إلاّ مطوراً ويستيقظ من نومه مفكراً ومتأملاً في جيل هذا الوطن الكريم الذي ألزمه أمانته التعليمية والتربوية خادم الحرمين الشريفين، وليقيني الكامل وتجربتي المتواضعة أنّ أفضل التطوير هو الحصيلة المكتسبة للطالب أو الطالبة من الكد والتحصيل والجهد في المثابرة، ولا يأتي هذا الكسب إلاّ بالجدية الكاملة والتكامل بين أركان العملية التعليمية (المنهج والمعلم والطالب) فالمناهج تتطور ذاتياً من خلال تعديل وتقويم مستمر وفق الواقع العام والحالة الراهنة التي تحكمها متغيرات العالم والتطور التقني والعلمي، والمعلم بدأت بحمد الله بوادر تحفيزه تظهر للسطح من خلال أخذ مستحقاته الوظيفية على المستوى الحقيقي له ولم يبق سوى الطالب الذي أرى أنه لابد أن نضعه على المحك الحقيقي في كيفية تحمّل مسئوليته في التحصيل حتى نخلق جيلاً يحمل المسئولية متحمساً للتحصيل بعيداً عن تميعات الحضارة وضريبة الفضائيات، أو كما يطلق عليه جيل (الكدش) والحصول على الشهادة الثانوية العامة بطريقة الملخصات والتخطيط في الكتاب المدرسي وعليه أن يفرق بين الخط والخطين لأنّ لكل منهما شفرته الخاصة وتكثر هذه النوعية من الخطوط في بعض المدارس الأهلية حتى تسجل للمدرسة نقطة مضيئة من النسب العالية في سجلها الشرفي في كل عام (واللبيب بالإشارة يفهم).
* وزارة التربية والتعليم - تعليم البنات/ مدير عام التعليم الأهلي والأجنبي للبنات سابقاً
alanazy111@hotmail.com