Al Jazirah NewsPaper Tuesday  30/06/2009 G Issue 13424
الثلاثاء 07 رجب 1430   العدد  13424
أديب الأدباء.. ابن حسين لـ (الجزيرة):
بكري الشيخ أمين سارق.. والعجلاني ظالم !

 

حوار - محمد بن عبد العزيز الفيصل :

اثنان وخمسون وثلاثمائة بعد الألف للهجرة ببلدة العودة بمنطقة سدير ذلك العام لم يكن عادياً.. ففي هذه السنة خرج من يحمل لواء الدفاع والدعوة.. الحماس والعزم؛ بأن هذه البلاد لديها من القدرات الثقافية والأدبية ما يؤهلها لتكون في الصدارة لتسمو فوق كل من يحاول التقليل من شأنها الثقافي الأدبي.

أناقته الدقيقة، ومشيته الهادئة تضيء جانباً من شخصيته الجذابة فعندما يتحدث ابن حسين فسيصمت الجميع طوعاً وكرهاً، فعذوبة الحديث لن تسمح لهم إلا بذلك وحسب.

قالها واضحة مدوية بصوته الأجش الهادئ الذي كسر صمت الوسط الثقافي فكانت الكلمة التي خشي منها المثقفون، ولكنه نطقها بشجاعة فحفظ ماء وجه أدبنا السعودي.. نعم إنه أدب مستقل منفرد بشخصيته الخاصة فلم يكن تقليداً أو محاكاةً كما وصفه (المغرضون) الذين لم يريدوا لهذا البلد خيراً.

كان له شرف الأسبقية في الدعوة إلى تدريس الأدب السعودي في المعاهد والكليات قبل أن تتطور لتتحول إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لتسير على هذا النهج جامعات المملكة العربية السعودية، فالأدب السعودي يذكره ويشكره على الدوام. هذا هو الأديب ابن حسين أول من درس الأدب السعودي في المملكة قبل خمسين عاماً يخص (مسيرة) بهذا الحوار التفصيلي ليزيح الستار عن تلك الحقائق والأحداث الأدبية (السعودية).. فإلى لُبّ الحوار.

* قضيتم ردحاً ليس بالسهل من حياتكم في مصر أثناء ابتعاثكم للدراسات العليا، حدثنا عن تلك الليالي القاهرية كيف كانت؟

- الحديث عمّا لقيته هناك من أمر سواء كان من باب الإيجاب أو السلب يطول، وقد رويت شيئاً من هذه الأمور في كتاب (من حياتي) وهو لم يصدر بعد، وقد سجلت فيه جميع مذكراتي من أيام الطفولة وحتى هذه الأيام.

من حياتي

* ومتى سيرى النور؟

- هو مكتوب على الحاسب ولكنه لم يصدر بعد وأنا في الحقيقة متردد في نشره بعض الشيء؛ وسبب ذلك أنّ الأحداث لا تنتهي إلاّ بنهاية حياة الإنسان، بالإضافة إلى وجود أمور قد لا يريد الإنسان الإفصاح عنها في حياته، وفي هذا الكتاب يمكنك أن تقرأ ابن حسين مدة خمس سنوات ونصف في مصر، علماً بأنّ العائلة كانت معي لئلا يخطر بذهنك أني قد تزوجت هناك؟!.

أحداث

* هل لك أن تروي لنا بعضاً من هذه الأحداث؟

- المواقف والأحداث كثيرة جداً وجلّها تتصل بأناس قضوا نحبهم وتوفوا ومع ذلك سجلت ما جرى بيني وبينهم، وهم زمرة من شيوخي منهم الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي أستاذنا في بعض مواد تاريخ الأدب وهو المسؤول عن الاختبار الذي يجرونه للدارس عموماً - الذي يريد أن يلتحق بالأزهر - في صفحات من كتاب تراثي ويُمْتَحن فيه، وقد يعين هذا الكتاب في الليلة التي تسبق الامتحان أو قبلها بأيام ولكنها صفحات قليلة، في أحد الأيام كان المختبر في التعيين الدكتور أحمد الشرباصي والدكتور أحمد الشعراوي، فخرج وقال لي: ادخل يابن حسين عندنا لك نار تخرج رائحة الجمل، فقلت له على الفور: وعندي لك من مثلها ما يخرج رائحة لحم الفسيخ، وكان معي ابني عبد الحميد فهممت للدخول برفقته فقال: لا، فقلت له: هذا ابني، وقال: حتى لو كان ابنك!، فدخلت وحدي وأول سؤال سألنيه، هل أنت متزوج؟، فقلت له: أولاً هذا ليس بموضع السؤال فالمفترض أن يكون السؤال في الأوراق المخصصة وهل أنت باحث اجتماعي؟!، فقال لي: هل أنت تتحدانا؟!، فقلت: الذي منعته من الدخول ابني ومع ذلك لم تسمح له!، فأخذ يتدرّج في السؤال، فسأل عن الشخصية الشعرية الموجودة في كتاب زهر الآداب للحُصَري، فقال لي: هل هذا الشاعر جاهلي أم إسلامي؟، فقلت له: أنا بحثت عنه فلم أجد له ذكراً لا في كتاب الأغاني أو غيره سوى أنه جاهلي ولهذا أنا أسألك الآن من هذا الشاعر؟، فقال: أنت هنا ممتحن ولست بسائل!، فنظر إليّ بدهشة وقال هذا أعمى ولا بد أنه عدو للأزهر وللأزهريين فغيّر السؤال وقال: هل تأثر الشعر العباسي بالخارج، فقلت: نعم، وهذا ظاهر جداً في شعر بشار وغيره من الشعراء فأخذ يرجع إلى الوراء حتى وصل عصر حسان بن ثابت وسأل هل هو إسلامي أم جاهلي، فقلت له: ها السؤال صعب جداً فأرجوك أن تستدعي حارس باب الأزهر كي يجيب عليه، فقال: هل تهزأ بنا؟!، فقلت له: هل هناك أحد يجهل أن حسان مخضرم، فأخذ يتدرج حتى الشعر الجاهلي، عندها أحس الحرج وطلب قهوة وماءً لهما ولي أيضا، وعندما وزعت الجداول كان للشرباصي تاريخ الاجتماع، وكانت البداية عندما سألني ما المعاجم التي عندكم؟ فقلت: لسان العرب، فقال: أبت الدراهم إلاّ أن تخرج أعناقها فقلت: هل تريد منها شيئاً يا أستاذ؟!، فسكت ولم يجب عليّ، فلما جاء زمن المحاضرات وإلقائها سألت الله العون وظننت بأنه سيستهدفني ولكن الغريب في الأمر أنه تغيّر كثيراً، ومن أقواله التي كان يرددها: أنّ ابن حسين جاءكم ليأخذ الشهادة ورقة مرور فقط، على عكس الشرباصي الذي كان في امتحان التعيين وفي أول محاضرة واستمر على هذا النهج.

السرقة

* أطلق الدكتور بكري الشيخ أمين في كتابه الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية أحكاماً عامة على الأدب السعودي وصفتموها في أحد حواراتكم بأنها جائرة، مع أنّ بعض الباحثين مازالوا يحتجون بها ويعطونها حجماً من الدراسة والتبجيل، فما تفسيركم لذلك؟

- سبق أن قصدني بكري الشيخ أمين وعبدالرحمن رأفت الباشا في منزلي بجبرة أول ما تعينت في المعهد العلمي وطلبا مني مسودة كتاب الأدب الحديث في نجد، فقلت لهما: لا يمكن لي أن أعطيكما إياها إطلاقاً، ولكن اسألا ما شئتما، فيبدو أنّ الرجل لأسباب غير واضحة أستاذن هو وصاحبه وخرجا بعد أن قمت بضيافتهما، وبعد ذلك أصدر كتابه قبل صدور كتاب الأدب الحديث في نجد فسرق منه ولم يشر إليه وأحذ كثيراً من المعلومات منه ومن غيره هذا أمر، الأمر الآخر أن بكري شيخ أمين يسير على نمط الشاميين الموجودين بالمملكة سابقاً أي على نهج منير العجلاني وأمثاله وقد وصف الأخير المثقفين السعوديين في المجلة العربية بأنهم حملة ابتدائي ولا شيء غير ذلك! الذي ناقشه الدكتور محمد العوين في أحد كتبه، كما ناقش ادعاءه أنّ الأدب السعودي تقليد للأدب في مصر والشام، فهو تجنى على الأدب السعودي، بالإضافة إلى أنه قد أثرى ثراءً رهيباً منه فباع منه الكثير من الكتب واشتراها السعوديون والمراكز الثقافية والبحثية في الجامعات وغيرها مع أنه يحكم على الأدب السعودي أنه تقليد للآداب الأخرى، صحيح أن بداية الأدب السعودي في الأعوام 1340هـ، و1343هـ كانت تقليداً، لاشك في هذا ولكن استمر ذلك حتى عام 1360هـ حتى استقل الأدب السعودي بشخصيته المتميزة ويظهر ذلك فيما كتبه الكاتبون أمثال حسين سرحان وغيره من الذين حاكوا بعض المصريين أمثال أحمد عبد الغفور عطار وحمزة شحاتة ومحمد حسن عواد وهؤلاء قلدوا في بداية أمرهم كثيراً؛ فعواد قلد العقاد وحاول الوصول إلى مرتبته ولكنه فشل ولم يصل إليه لا في شعره ولا في نثره، وحسين سرحان أيضا قلّد المازني وتميّز في تقليده إلى أن استقل بشخصيته ويتبين ذلك في مقالتيه الشهيرتين (كراث بن ليمون الفجلي) و(غراب يسخر من طاووس) وما إلى ذلك من المقالات التي سخر فيها من نفسه، كما أنه قد سخر من الآخرين مثل قوله بأن أحد الصيادين في البحر تصوره سمكة وكان وجه هذا الرجل إذا نظر إليه أي شخص تخيله سمكة. وبعد هذا استقلوا وتمثلت هذه الشخصية فيما أنجبوه بعد سنة 1360هـ.

محاربة الأدب السعودي

* وصفتهم بأنهم لم يريدوا أن يفهموا الأدب السعودي، لماذ؟

- تقصد لماذا يحاربون الأدب السعودي؟!، مع أنهم ألفوا هذه الكتب لهدف مادي بحت من أجل الثراء وكان ذلك على حساب الفكر السعودي، لماذا؟ لأنهم لم يستطيعوا فهم الأدب السعودي، بالإضافة إلى أنهم بنوا هذه الأحكام على أقوال أدباء يوصفون بأنهم من السعوديين كعطار وعارف وأمثالهم والنصوص التي عالجوها كانت تحاكي الأدب في مصر والشام ولكنهم لم يحسنوا النظر في الأدب السعودي عامة ولو نظروا إليه لفهموا أنه قد استقل بشخصيته المتميزة.

خمسون عاماً

* ذكرتم بأنكم أول من درَّس الأدب السعودي قبل ثلاثين عاماً .. بعد كل هذه السنين كيف تنظرون إليه الآن؟

- أولاً: أنا لم أدرس الأدب السعودي قبل ثلاثين عاماً، بل قبل خمسين عاماً وكنت أنادي بفصل الأدب السعودي عند التدريس ولذلك عندما توليت رئاسة قسم الأدب أعطيت الأدب السعودي فصلاً كاملاً من السنة، وبعد تقسيم الكلية إلى ثمانية فصول أصبح هو الآن في الفصل الثامن وقد أعطيته هذا الحق في التقسيم الأول، فكان هو الذي يدرس في النصف الثاني من السنة الرابعة أي الفصل الثامن الآن، الأدب السعودي على هذا النحو الذي شرعته له حاكته المدارس والكليات في الجامعات الأخرى ونسجت على نوله جامعة الإمام في هذا وكنت قد حاضرت سنة 1383هـ عن الأدب السعودي وكانت المحاضرة الأولى عن الشعر في نجد، وأذكر أن قاعة المعهد العلمي الذي كان للبنين والآن للبنات مع الأسف الذي افتتح في آخر سنة درست فيها عام 1378هـ، وقد بني لهذا الغرض للكليَّين والمعاهد وكانت له سمعة قوية جداً حتى إن أحدهم أرسل ابنه ليدرس في المعهد فلما جاء ليطمئن عليه قالوا له إن ابنك ذهب إلى الكلية تخرج من المعهد وذهب للكلية فقال أين الكلية فقالوا في الدور الرابع فذهب ليقابل ابنه وكان أول لقاء له فضربه بكف على وجهه!، وقال له أبعثك للدراسة في المعهد وتذهب للكلية وكان يضن أن الكلية أقل من المعهد وفي سنة 1383هـ - وكنت آنذاك أستاذ للأدب في المعهد - حاضرت في القاعة التي كانت في الدور الأسفل ومازالت إلى الآن فيها خارطة عملها رجل جزائري ومعه أستاذ في الجغرافيا اسمه يحي حافظ عملوا خاطرتين إحداهما في القاعة والأخرى في المبنى الثاني في المعهد، وهذا من أوصاف المعهد التي لا تزال موجودة حتى الآن وقد حاضرت في هذه القاعة وامتلأ المعهد فكل الأماكن التي يمكن أن يبلغها صوت الإنسان قد اكتظت بالحضور وذكرني هذا بأيام ما كنت في الأحساء عندما استعانوا برجال الشرطة والجيش الذين جاءوا لتنظيم الحركة وحفظ النظام بين الناس وكان ذلك في مقر تابع لوزارة المعارف والذي وجّه إلى الدعوة مدير التربية والتعليم بالأحساء وكان اسمه أحمد الهلال وأحيل للتقاعد منذ زمن طويل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد