Al Jazirah NewsPaper Tuesday  30/06/2009 G Issue 13424
الثلاثاء 07 رجب 1430   العدد  13424
الأمن الفكري.. واللغة
د. محمد ناصر الحقباني

 

للفكر علاقة وطيدة باللغة والعكس صحيح. بعد سنوات طويلة من الجدل في أيهما يؤثر في الأخر اللغة أم الفكر، انتهى علماء اللغة إلى القول بأن اللغة والفكر يؤثران في بعضهما البعض، فالفكر السليم يؤدي إلى لغة سليمة خالية من الشوائب والأفكار الفاسدة، واللغة السليمة ينتج عنها فكرا سليما يراعي في طياته المبادئ الإنسانية الراقية.

وبما أن الفكر المنحرف - كغيره من الفكر الإنساني - يتميز بسمات لغوية وأسلوبية تعطيه خصوصية يمكن من خلالها التعرف على مصادر هذا الفكر، ومحاربته قبل أن يتغلغل في المجتمع وينثر سمومه، أرى بضرورة الاهتمام بالصياغة اللغوية الفكرية السليمة للخطاب المستخدم في مخاطبة الرأي العام وذلك بتنقيته من الكلمات والعبارات التي ربما تؤثر على الأمن الفكري الذي تحاول حكومتنا جاهدة ترسيخه بين أفراد الشعب بمختلف أطيافها. إن استخدام بعض وسائل الإعلام المحلية والخارجية لكلمات وعبارات مثل (المتشددين)، (المتزمتين)، (العلمانيين) وغيرها لا يخدم الأمن الفكري بمفهومه الوطني الكبير. من الأمثلة الحديثة على ذلك ما تناولته بعض صحفنا المحلية بخصوص موضوع السينما في المملكة ومعارضة بعض الأخوة لهذا التغيير في المجتمع الذي ينادي بعض أفراده بشيوع ثقافة السينما. تضمن الدولة - حفظها الله - حق الجميع في التعبير عن مواقفهم نحو المستجدات التي تطرأ على المجتمع إذا رأت تلك الفئة أنها ربما تؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع. وهذا أيضاً حق محفوظ لتلك الفئة التي تنادي بوجود ثقافة السينما في المجتمع السعودي الذي يتميز عن غيره من المجتمعات الإنسانية بأنه مهبط الوحي وتتمركز فيه قبلة المسلمين. إن وصف من يعارض وجود هذه الثقافة (بالمتشددين) و(المتزمتين) و(الإسلاميين) و(الظلاميين) يؤجج أفكار التشدد البغيض والمرفوض من كافة أطياف المجتمع صغيرهم وكبيرهم.

إن محاصرة هذه الفئة بسيل من كلمات وعبارات غير صحية سوف يقسم مجتمعنا الإسلامي إلى فئات متناحرة، وسبب ذلك هو الاستخدام غير المسئول لكلمات وعبارات وألفاظ ضررها على البلد أكبر من نفعها. لقد أعجبني كثيراً استخدام أحدى الصحف المحلية عبارة (المعارضين) وعبارة المؤيدين لوصف الآراء المتعلقة بتقديم السينما في المملكة. استخدام مثل هذه العبارات يخلق جو يساعد على مبدأ الحوار الإيجابي الذي تنادي بها حكومتنا - حفظها الله - ويبعد الأوصاف البغيضة التي ضررها أكبر من نفعها على ديمومة مجتمعنا.

ولكي يتحقق الأمن الفكري الذي مطيته الفكر الأمني فإنه لابد - من وجهة نظري الشخصية - من تبني دراسة دقيقة ومنتظمة للنصوص المكتوبة والمنطوقة الصادرة من أي فئة اجتماعية - بما في ذلك الجماعات المصنفة على أنها إرهابية - للتعرف على السمات اللغوية والأسلوبية الخاصة التي ربما تميزها عن غيرها.

ولتحقيق ذلك اقترح تأسيس لجنة وطنية تهدف إلى الحفاظ على سلامة اللغة الوطنية للخطابات الموجهة للمواطنين والمقيمين سواء تلك البيانات الصادرة من الإعلام المحلي أو تلك الصادرة من المنابر المختلفة.

و يمكن حصر أهم أهداف اللجنة المقترحة في الأتي:

1- دراسة النصوص المكتوبة والمنطوقة والمصنفة على أنها صادرة من جماعات تقوم بأعمال إرهابية وإجرامية، بهدف تحديد مصدر هذه النصوص من خلال التعرف على السمات اللغوية والأسلوبية الخاصة بهذه الجماعات.

2- دراسة ومتابعة اللغة المستخدمة في وسائل الإعلام ومنابر الخطابة للتأكد من عدم اعتناقها لعبارات وألفاظ تؤجج الصراعات الفكرية وتثير فئة على أخرى وذلك لتحقيق أرضية وطنية مناسبة للخطاب القائم على الاحترام المتبادل بين جميع أفراد المجتمع.

3- إنشاء قاعدة بيانات Database لهذه النصوص بشكليها المكتوب والمنطوق للرجوع إليها عند الضرورة ومقارنتها مع النصوص الجديدة الصادرة من هذه الجماعات الإرهابية لمساعدة السلطات الأمنية في ملاحقة هذه الجماعات، وتقديمها للمحاكمة إذا لزم الأمر.

4- إجراء المزيد من البحوث اللغوية التي تهدف إلى تطوير واختبار طرق أكثر فاعلية في تحديد السمات اللغوية والأسلوبية الخاصة بكل جماعة إرهابية أو فئة اجتماعية ربما تحاول خلق اضطرابات فكرية غير صحية داخل المجتمع السعودي المسلم.

ويمكن تلخيص بعض مهام هذه اللجنة الوطنية المقترحة في النقاط التالية:

1- جمع النصوص الإرهابية أو تلك الصادرة من فئات داخل المجتمع تمهيداً لدراستها وتحليلها وإفراغها في قاعدة البيانات والرجوع إليها عند الضرورة.

2- متابعة أبرز التطورات في العلوم اللغوية والأمنية المتعلقة بدراسة النصوص المكتوبة والمنطوقة الصادرة من الجماعات الإرهابية، والاستفادة منها في التعرف على الجماعات الإرهابية التي تهدد الأمن الدولي بشكل عام، والأمن الداخلي للملكة بشكل خاص.

3- تقديم شهادات خبرة Expert Testimonies للجهات القانونية عند محاكمة هذه الجماعات الإرهابية والإجرامية، وذلك من خلال تقديم الأدلة اللغوية Linguistic Evi

dence لهذه الجهات القانونية.

وأخيراً، أقترح أن ترتبط هذه اللجنة بإدارة الأمن الفكري لكون هذه الإدارة تعني بالفكر الأمني الذي تعتبر اللغة أحد أبرز أدوات نقل هذا الفكر.

- أستاذ اللغويات النفسية والتطبيقية المساعد - كلية الملك فهد الأمنية


Mohammed@alhuqbani.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد