Al Jazirah NewsPaper Tuesday  30/06/2009 G Issue 13424
الثلاثاء 07 رجب 1430   العدد  13424

الحنين للوطن دليل مروءة
عبدالله إبراهيم البريدي

 

ذكر أحد الأصدقاء قصة جاء فيها: أن (فلاناً) وسمى رجل أعمال معروفاً أغناه الله عز وجل غنىً ظاهر، قد اتصل به صديق له يدعوه للمجيء إلى إحدى الدول الأوروبية في صيف العام الماضي ليقضي معه أياماً يستجم فيها في تلك الدولة الأوروبية ذات الجو الساحر والخضرة الطاغية في كل مكان.

فما كان جواب رجل الأعمال إلا أن رفض قائلاً: إنني آمل في البقاء في تلك الديار، وإنني الآن في البَر، وإن ساعةً أقضيها في صحراء وطني خير لي من أيام أقضيها في تلك الديار الباردة المخضرَّة!!!

فكذَّب أحد الحضور تلك القصة وتحديداً رد هذا الرجل على دعوة صديقه.

إلا أنني انبريت مخالفاً مَن كذَّب، ومصدقاً كل ما جاء عن رجل الأعمال، واستشهدت بقصة ميسون الكلبية مع معاوية رضي الله عنه.

فقد ذُكِر أنَّ ميسون لما اتصلت بمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وكانت ذات جمال باهر وحسن غامر، أعجِب بها معاوية وهيأ لها قصراً مشرفاً على الغوطة وزيَّنهُ بأنواع الزخارف، ووضع فيه من أواني الفضة والذهب ما يضاهيه، ونقل إليه من الديباج الرومي والموشى ما هو لائق به، ثم أسكنها مع وصائف لها كأمثال الحور العين، فلبست يوماً أفخر ثيابها وتزينت وتطيبت بما أعدّ لها من الحلي والجوهر الذي لا يوجد مثله، ثم جلست في روشنها وحولها الوصائف، فنظرت إلى الغوطة وأشجارها، وسمعت تَجاوُبَ الطير في أوكارها، وشمت نسيم الأزهار ورائح الرياحين والنّوار، فتذكرت باديتها وحنت إلى أترابها وأناسها وتذكرت مسقط رأسها، فبكت وتنهدت، فقالت لها بعض حظاياها: ما يبكيك وأنت في ملك يضاهي ملك بلقيس؟ فتنفست الصعداء ثم أنشدت:

لبيتٌ تخفق الأرواح فيه

أحب إلى من قصر منيف

ولبسُ عباءة وتقرّ عيني

أحب إلى من لبس الشفوف

وأكلُ كسيرة في كسر بيتي

أحب إلى من أكل الرغيف

وأصواتُ الرياح بكل فج

أحب إلى من نقر الدفوف

وكلبٌ ينبح الطراق دوني

أحب إلى من قط أليف

وخِرقٌ من بني عمي نحيف

أحب إلى من علج عنيف

خشونة عيشتي في البدو أشهى

إلى نفسي من العيش الطريف

فما أبغي سوى وطني بديلا

وما أبهاه من وطن شريف

فلما دخل معاوية أخبرته إحدى الوصيفات بما قالت ميسون فقال: ما رضيَتْ ابنة بحدل حتى جعلتني علجا عنيفا؟ هي طالق ثلاثاً، ثم سيرها إلى أهلها في نجد، وكانت حاملاً بابنه يزيد فولدته في البادية وأرضعته سنتين ثم أرسلته إلى أبيه غير نادمة.

هُنا رأيت أن مَن كذَّب ما قاله رجل الأعمال قد تراجع عن رأيه، وطلب مني كتابة تلك القصة مدعومة بالأبيات، ففعلت وهاأنذا أقدمها للقراء الكرام، وإني على يقين أنهم يرددون معي قول ابن الرومي:

وحبَّبَ أوطانَ الرجال إليهمُ

مآربُ قضاها الشباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرَتهُمُ

عهودَ الصبا فيها فحنوا لذلكا

Al-boraidi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد