Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/07/2009 G Issue 13425
الاربعاء 08 رجب 1430   العدد  13425
مركاز
صديق الكرسي!
حسين علي حسين

 

يلفت نظري عندما أقرأ مقابلة مع مسؤول سابق، يسأل خلالها عن أصدقائه، ويكون الجواب غالباً، أصدقاء الكرسي رحلوا مع رحيل الكرسي، أما الأصدقاء الحقيقيون منهم باقون، مع الكرسي وبدونه، وقد ألزمت نفسي منذ سنوات بالبعد عن أصدقاء، فتح الله عليهم، بجدهم واجتهادهم، فأصبحوا يجلسون على كراسي من ذهب، عالية، رحبة، تتيح لهم أن يكون لهم خدم وحشم وسيارات ورحلات، وتتيح لهم أكثر وأكثر، إن أرادوا، أو كان ذلك ديدنهم، أن يمدوا مظلتهم على أهلهم وأحبائهم وخلانهم، لكنني حاولت في مرات قليلة أن أتصل ببعضهم للتهنئة بالكرسي، ومرات للسلام ومرات لطلب شفاعة، لبعض الناس الذين لا يجرؤون، رهبة، وخشية، على طرق باب صاحب كرسي ذهبي، لكنني في الغالب الأعم أجد صدوداً، هناك من يرد -نيابة عنه- مدير المكتب أو السكرتارية، بأن سعادته أو معاليه، لديه التزامات، منها المؤتمرات، والسفريات وتسيير أمور المراجعين، لكنني في الغالب لا أتلقى اتصالاً، مجرد اتصال، رغم أنني لا أطلب صلة أو وظيفة أو جاهاً لنفسي!!

وقد وجدت أن بعض هؤلاء يضعون حولهم، جنوداً مجندة، لسان زلق، وأحياناً جاف، وغالباً ما يكون هذا اللسان مثل رغوة الصابون، يزحلق كل من يحاول الاقتراب من صاحب الكرسي، قد لا يعرف ذلك صاحب الكرسي الذهبي، وقد يكون هو من وضع هذه الأطر، حبكها وحصنها وسورها، لكي لا يقترب صوبه أصدقاء الأمس، وفيهم ما قد يظن أصحاب مصالح مادية ومعنوية، طلب صلة من المال، أو وظيفة، أو عقد صيانة، أمور كثيرة من تلك التي قد تدور في البال، فتكون محل عناية ورعاية وتعميم وأسلوب يعمل، ينفذه من هم حوله من المديرين والسكرتارية والفراشين، نعم حتى الفراشين قد يكونون من هذه الجنود المجندة!

هذه الصورة قد تكون سوداوية لكنها والحق يقال ليست كاملة، فقد وجدت واحداً أو اثنين فتح الله عليهم، وجلسوا على هذا الكرسي المهيب، المانح المانع، طلبت المقابلة وأخذتها، وكان استقبالاً شعرت فيه، من عدم التعود، بأنني أخذت من الوقت فوق ما هو مطلوب، وأن ما يعزيني دائماً إنني لم أطرق الباب لحاجة خاصة، لكنها حاجة يحتاج إليها من يمنعهم الحياء، وتحول بينهم الرهبة والخشية من طرق هكذا أبواب، خصوصاً إذا كان أصحاب الحاجة من عامة أهلنا وأحبابنا، الذين همهم كفاف يومهم ومعاشهم ومنامهم وعملهم!

لكنني لا أنسى ذلك اليوم الذي قصدت فيه مسؤولاً كبيراً من أصدقاء الأمس، معروضي كان معي، والموعد معد، وقد جئت قبله، وحالما أقبلت على مكتب الحجاب كان التوجيه الصارم، أمامك خمس دقائق.. سعادته مشغول!

سلمت على سعادته قدمت معروضي، كانت مقابلة عادية، سؤال عن الأهل والأصدقاء واعتذار موارب بعظم الطلب واستحالة الموافقة، وهذا ما كان، أخذ الطلب وقته - شهر، شهرين - وجاء بالاعتذار.. لم يؤلمني ذلك كله، ما آلمني هم الخمس دقائق، وكأنني قادم لتناول الشاي والدردشة أو لطلب صلة!!

مسؤولون مثل هؤلاء حين ينتهي دورهم، كما هي سنة الله في خلقه، لا يتذكرون سوى أصدقاء الكرسي، وينسون أنهم هم أيضاً أصدقاء لذلك الكرسي، في سبيله قد يكتسحون أو يهملون أو يزحلقون كل الأصدقاء، الذين سبقوا مرحلة الكرسي، هؤلاء لهم مواقف وذكريات، يأتي الكرسي فيقضي عليها، إنه دوار، لمن ينظر له من هذه الزاوية وفعال لمن ينظر له من زاوية ترسيخ المودة، وخدمة الناس كبيرهم وصغيرهم، من عامة الناس وخاصتهم دون تمييز، مع الحرص أولاً وأخيراً على النظر جيداً في حال الحاجب الذي إذا كان صاحب الكرسي الذهبي له رؤية مواربة ساهم في تعزيزها وتنميتها، أحياناً لصالحه وأحياناً لصالح أحبابه، حتى قبل أن الباب يعرف من عتبته، وهي نفسها التي تغري بالدخول أو الرجوع، وفي ذلك ما فيه من تعطيل مصالح الناس عامتهم وخاصتهم!!

مثل هكذا مسؤولين يكسر خلفهم عشر فلل وليس فلة واحدة، من عامة الناس وخاصتهم، لكن المشكلة أنهم لا يرون النقطة السوداء، إلا عندما تزول الهالة.. هالة الكرسي ليبدأ الفراغ الرهيب!!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد