Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/07/2009 G Issue 13425
الاربعاء 08 رجب 1430   العدد  13425
ما هو أبعد من الحدث السياسي في إيران
د. فوزية أبو خالد

 

فيما يملك الرئيس الأمريكي أوبما الحق في التعبير عما هو أبعد من مجرد رأي في الحدث الإيراني إلى مايعبر عن موقف ليس مما يجري وحسب بل لما يرمز له الحدث والوعاء السياسي والاجتماعي لتفاعل ذلك الحدث أي نظام الثورة الإيرانية وقواها المختلفة التقليدية والصاعدة والمتصادمة، وفيما يعبر بانكي موون الأمين العام للأمم المتحدة عن رأي دولي تجاه مايجري على أرض إيران،...

...وفيما تنشغل كبريات الصحف الغربية بتحليل الحدث على خلفية التفاعلات الداخلية الإيرانية من ناحية وعلى خلفية علاقة الغرب بإيران من ناحية أخرى، فإنه قد يحق لمراقبي الحدث بمنطقة الخليج بقلق ليس فقط من منطلق الجوار بل وأيضا من منطق الانتماء العربي ومنطق الانتماء الإسلامي ومنطلقات إنسانية ومعرفية متعددة أن يتأملوا الحدث بما يكون لهم موقف خارج القوالب الجاهزة للخلفيات السياسية المعهودة ذات الأحكام المعدة مع أو ضد أو على الحياد الانسحابي أو المتفرج أو اللامبالي.

ومع الأسف فإن الخروج على جاهزية الأحكام ليس سهلا لسبب بسيط ومعقد يرتبط بالطبيعة المعرفية لتعاطينا مع الأحداث السياسية والوقائع الاجتماعية ليس بوصفها صيرورات تراكمية بل باعتبارها معطيات عابرة كما في حالة النظر للأحداث السياسية أو باعتبارها معطيات قائمة، كما في حالة تقييم الوقائع الاجتماعية، لذلك فلا غرو أن تتحول جاهزية الأحكام إلى تعميق لحالة الفرجة وتحويلها إلي حالة انشداه وارتباك حين تفاجئنا الأحداث السياسية بما لم نلتفت لمؤشراه ومقدماته من أعراض وحميات كانت تتفاعل أمامنا، بينما كنا نصر أننا لانراها لأننا لانضع في الحسبان ولو من باب الاحتمال التحولات النوعية التي يمكن أن تحدثها التراكمات.

إن ما يحدث اليوم في إيران بقدر ماهو مقلق على مستوى سقوط الضحايا وانتهاكات حقوق الإنسان إلا أن القلق في هذا الشأن أبعد من بكاء الغرب على تلك الانتهاكات والغرب نفسه أو قطاعات منه قد تعي ذلك أو بعضه، فبقدر القلق من أحداث العنف فإن قلقا ليس أقل لابد أن يشغلنا على مجريات الحدث كيف بدأت وتراكمت، كيف وصلت إلى هذا الحد وإلى أين يمكن أن تأخذ إيران وكيف يمكن أن تنعكس على مستقبل الأجيال الإيرانية وعلى مصير المنطقة والموقف من المشروع الغربي الأمريكي بعودته الاحتلالية وبوجوده العسكري في المنطقة.

هل أعاد منظر المظاهرات الاحتجاجية الواسعة والمواجهات الشرسة بين قوى عديدة من الشعب الإيراني من الشباب والنساء وبين حرس النظام وجيشه على الشاشات تلك الصور المشتعلة بنفاد الصبر الجماهيري لمختلف القوى الاجتماعية والتيارات السياسية التي أدت إلى سقوط الشاه عام 79 وقيام الثورة الإيرانية الإسلامية. وهل يصح إذن بعد ثلاثين سنة من عمر النظام الإيراني الذي خلف نظام الشاه أن يقال ما أشبه الليلة بالبارحة.

أعتقد أن ذلك الشبه وارد بشدة وتحديدا فيما تؤكده المؤشرات الاجتماعية وخاصة بين فئات الشباب من أن هذه المظاهرات هي صرخة مطلبية واضحة تنادي بأعلى صوتها بالإصلاح السياسي والاجتماعي، فعلى الرغم مما يبدو وكأن تفجر الحدث السياسي الأخير جاء مفاجئا وكأنه مجرد تصارع قوى بين أرباب النظام نفسه ورموزه وحسب أوكما قد يبدو في أحسن الأحوال وخاصة بالشكل الذي تظهره تحليلات الصحف الغربية، وكأنه مجرد صراع تيارات بين خطاب متشدد تجاه الغرب بما يمثله نجاد وبين خطاب معتدل تجاه هذا الغرب بما يمثله موسوي فإن الطبيعة التراكمية لما أشرنا له سابقا في تشكيل الأحداث قبل اندفاعها للواجهة يرجح أن الحدث السياسي الراهن ليس مجرد حدث عابر ولكنه يشكل مفترقا مفصليا في عمر الثورة الإيرانية الإسلامية، وفي السؤال الرهيف والمراوغ الذي يتعلق بين ما هو ثورة وبين ما هو نظام شمولي، إلا أن هذا السؤال هو واحد من الأسئلة العديدة والملحة والحارقة التي على إيران أن تواجهها بشجاعة وعقلانية وبأفق ديموقراطي، (والتي هي فيها وبقية الأنظمة في المنطقة والخليج سواء على اختلاف تركيبات الأنظمة والمعضلات). وتلك الأسئلة لا يمكن مواجهتها وعلاجها دون مشروع جاد اسمه الإصلاح الإصلاح الإصلاح، ودون شراكة واسعة وندية لقوى اجتماعية عريضة وهامة وحيوية اسمها الشباب الشباب الشباب. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.



Fowziyah@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد