Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/07/2009 G Issue 13425
الاربعاء 08 رجب 1430   العدد  13425
ما الذي يعيب التحليل الوصفي العرقي؟
جيمس أ. جولد ستون

 

قبل عدة أعوام، حين كان الإرهاب والهجرة والاضطرابات في ضواحي باريس في مقدمة الأخبار في فرنسا، أسَرَّ ضابط شرطة فرنسي إلى أحد الباحثين بالتالي: (إن كنت تبحث في مختلف مستويات تجارة المخدرات فمن الواضح أن من يتولاها هم السود والعرب. وإذا كنت تسير في الشارع فرأيت رجلاً أسود أو رجلاً ذا ملامح عربية فسوف تقول لنفسك، إنه لا يبدو فرنسياً، وربما توقفه لترى ما إذا كان يحمل أوراق هوية).

كان ذلك الشرطي يصف مثالاً معيارياً (للتحليل الوصفي العرقي): حيث يستخدم الموظفون المسؤولون عن فرض القانون القوالب النمطية، وليس معلومات محددة حول السلوك، حين يقررون وقف أو تفتيش أو احتجاز الناس. إن التحليل الوصفي العرقي غير قانوني في أوروبا. فهو غير فعّال في توقيف المجرمين. فضلاً عن ذلك فإنه يؤدي إلى نتائج هدامة في الحملة ضد الإرهاب. غير أن ضباط الشرطة في مختلف أنحاء أوروبا ما زالوا يمارسونه.

كان افتقار التحليل الوصفي العرقي إلى الكفاءة واضحاً جلياً في أوائل شهر مايو- أيار حين أظهرت البيانات التي صرحت بها الحكومة البريطانية أنه من بين أكثر من 117 ألف عملية توقيف تمت بين عام 2007 وعام 2008 لم تسفر إلا 72 عملية عن اعتقال المشتبه بهم بتهمة ارتكاب جرائم مرتبطة بالإرهاب. ولا تجمع الدول الأوروبية الكبرى الأخرى بيانات عن عمليات التوقيف التي تنفذها الشرطة مصنفة تبعاً للخلفية العرقية أو الدينية للمجموعات المستهدفة. ولكن البحوث الخاصة والتقارير السردية تقدم صورة مماثلة إلى حد مخيف.

فقد فشلت ممارسة ضخمة لجمع البيانات جرت في ألمانيا أثناء الفترة من 2001 إلى 2003 بمراجعة معلومات شخصية عن 8.3 مليون شخص، فشلت في التوصل إلى إرهابي واحد. ولم تنجح عمليات التوقيف والبحث التي أجريت بموجب صلاحيات مكافحة الإرهاب في أوروبا إلا في توجيه عدد ضئيل من الاتهامات المرتبطة بالإرهاب والتي لم تسفر عن أي إدانة في النهاية. كما توصلت دراسات مستقلة أجريت في بريطانيا وهولندا والسويد والولايات المتحدة إلى استنتاج واحد مفاده أن التحليل الوصفي العرقي يشكل إهداراً للوقت والموارد.

كما أظهر تقرير جديد صادر عن مبادرة عدالة المجتمع المفتوح أن قوات الشرطة تتسبب باستهدافها للأقليات العرقية في تنفير وتغريب الأشخاص الذين كان بوسعها أن تعتمد على تعاونهم واستقاء المعلومات الاستخباراتية منهم. ومن خلال الانتقاء المسبق لفئات ثابتة من الناس وتمحيصها بدقة شديدة فإن السلطات تتغاضى عن أولئك الذين لا ينطبق عليهم ذلك التحليل الوصفي بعينه.ولقد عبر شاب إسباني ينتمي إلى أقلية عرقية عن هذا الموقف قائلاً: (إنني أخشى حين أخرج إلى الشارع أن توقفني الشرطة وتسألني عن أوراقي بسبب لون بشرتي أو طريقتي في المشي).

ولكن ما السبب وراء انتشار التحليل الوصفي العرقي إلى هذا الحد رغم أوجه القصور التي تعيبه؟ الإجابة بسيطة. فحين تستخدم الشرطة أسلوب التحليل الوصفي العرقي فهي تظهر نفسها بمظهر الجهاز غير المتهاون مع الجريمة والإرهاب. وهذا من شأنه أن يسترضي الرأي العام، الذي يطالب بعمل قوي في مكافحة الإرهاب.

في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر- أيلول 2001 في نيويورك، ومرة أخرى بعد تفجيرات مدريد في عام 2004 وتفجيرات لندن في عام 2005، أطلقت سلطات فرض القانون في مختلف أنحاء أوروبا حملة اعتقالات مكثفة، ونفذت عمليات مراقبة واسعة النطاق للمساجد وعمليات توقيف وبحث لأشخاص بدا من مظهرهم أنهم مسلمون، واتخذت تدابير تطفلية أخرى أدت إلى إزعاج وتعكير حياة مواطنين أوروبيين ملتزمين بالقانون وإهانتهم في العديد من الحالات.

وبعد أن خفت حدة القلق العام، وشعر كبار المسؤولين بقدر أقل من الضغوط لإظهار رغبتهم في القيام بأي شيء، بدأت أفظع الانتهاكات في الانحدار. ولكن مثل هذه الممارسات ما زالت تطبق بدرجة أقل، ومن الممكن أن تُسحَب من ترسانة ممارسات الشرطة كلما أملت الظروف السياسية أو الاجتماعية.

إن الحل لا يكمن في تجاهل التهديد الذي يفرضه الإرهاب، بل في معالجة ذلك التهديد بقدر أعظم من الذكاء. ولقد توصل المشروع الذي تولته منظمتنا على مدار العامين الماضيين، بالتعاون مع قوات الشرطة ومنظمات المجتمع المدني في المجر وإسبانيا، إلى أن نسبة عمليات التوقيف التي تؤدي إلى الاعتقال في جرائم حقيقية تتزايد إلى حد كبير حين تخضع عمليات التوقيف لمراقبة نظامية وحين تُنشَر البيانات علناً. وبذلك يصبح عمل الشرطة أكثر كفاءة.

وهذا أمر منطقي. فحين يطلب من ضباط الشرطة توضيح الأسس التي يبنون عليها ارتيابهم، فمن المرجح أن يعتمدوا على العوامل السلوكية وليس على الأهواء الشخصية والتحيز.

وفي المستقبل يتعين على الاتحاد الأوروبي وبلدانه الأعضاء أن يكونوا حريصين على تمويل المزيد من سبل التعاون بين الشرطة والأقليات. كما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يكافح التطرف من خلال معالجة الاستبعاد المجتمعي وليس بالخلط بين العقيدة الدينية المحافظة والإرهاب. ومن الأهمية بمكان أن يؤكد على أن الشرطة لا يجوز لها أن تستعين في عملها بقوالب نمطية عرقية أو جنسية أو دينية.

حين نعامل الناس كأفراد مشبوهين لأسباب ترتبط بهويتهم الثقافية أو هيئاتهم البدنية أو المكان الذي يؤدون فيه صلواتهم، وليس استناداً إلى ما يأتون به من أعمال أو ما أتوا به من أعمال بالفعل، فإن مثل هذا التحليل الوصفي العرقي من شأنه أن يهدد روح الاتحاد الأوروبي ذاتها، وهو الاتحاد الذي يقوم على مبادئ وقيم الحرية والديمقراطية الراسخة واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.

*المدير التنفيذي لمبادرة عدالة المجتمع المفتوح.
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد