Al Jazirah NewsPaper Friday  03/07/2009 G Issue 13427
الجمعة 10 رجب 1430   العدد  13427

نوازع
إحصاء ووثيقة
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

 

علمونا في الإحصاء أن نستقرئ الاتجاهات المستقبلية من خلال دراسة الماضي، وعلمونا أن السلسلة الزمنية ذات البيانات المنطقية يمكنها أن تفيدنا في عملنا المنهجي للحكم على الواقع الذي نعيشه وما نخطط له في المستقبل، وتعلمنا أيضاً أنه كلما طالت السلسلة الزمنية مع بيانات منطقية كلما كانت القراءة أقرب لأن يكون التخطيط سليماً معافى من العيوب الكبيرة، وهذا الخط المستقيم للمنحى يمكن به الاستدلال وكلما قرب الزمن المستهدف كان أدعى للصواب.

والتاريخ يحكي لنا الماضي بحلوه ومره، وأفراحه وأحزانه، ومآسيه ومباهجه، ويفتح لنا باب التواصل مع حضارة سادت ثم خبت، وثانية ازدهرت ثم ذبلت، وأخرى ازدهرت واستمر ينعها عندما غرست في أرض خصبة كانت بذرتها صالحة والقائم عليها متقن لعمله، مجيد في فنه، بارع في مهنته.

والتاريخ نستلهم منه العبر، ونستجلب به الفكر، ونستهدي به المقصد، ونفتح به الموصد، ينير لنا السبيل، ونشفي به الغليل، ومن خلاله نتعرف على حضارات العالم، وثقافات الأمم، وسجايا الأجناس، ونوازع الناس، نشدو بما سطر من شعر فنطرب، ونقرأ ما خط من نثر فنعجب، نطرق بابه ليحدثنا عن نفسه وعن سابقه، فينصف تارة، وربما يزل أخرى.

نحن في زماننا نصنع التاريخ وسيقرأ من بعدنا، وبحكم علينا من خلاله، ويقارن واقعنا مع واقعه، ويتبين له الصواب والخطأ، كما نقرأ التاريخ الآن لنتعرف على الماضي فنحكم على حاضرنا، أقول ذلك عن التاريخ، بعد أن وصلتني صورة وثيقة من يد نبيلة كريمة عزيزة، هي يد الأمير سلمان بن عبدالعزيز التي اعتادت أن تقلب صفحات التاريخ، لتحتضن الذاكرة منه الشيء الكثير، وكأنما وافق قول القائل:

علمي معي حيثما يممت كان معي

قلبي وعاء له لا بطن صندوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي

أو كنت في السوق كان العلم في السوق

ونص الوثيقة: (بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالرحمن بن فيصل إلى الأخ حمد بن ناصر الجرباء وجماعته أهل ثادق سلمهم الله تعالى آمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ذلك نبي لنا سلف مائتين وخمسين صاعاً عيش محتاجين لها لبيوتنا وهي قادمة في الزكاة إن شاء الله ونجزوها بالتمام لازم، 10 صفر، 1331هـ) إذن هي وثيقة عمرها نحو مائة عام، تحكي الحال السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ذلك الزمان، فالوجه السياسي في الوثيقة أنه لم يأمر أحد معاونيه بإحضار ما يحتاجه، وإنما طلبها سلفاً أي قرضاً حسناً محدداً وقت الإعادة.

والوجه الاجتماعي ذلك التواصل اليسير بين الإمام ومن حوله من المواطنين، حيث لم يستدعه وإنما أرسل له خطاباً توثيقاً منه بحاجته وذكر سبب الحاجة دون حرج، كما أنه خاطب أميرهم باسم الأخ وذكر جماعته في السلام فكان الخطاب شاملاً للجميع ممثلين في شخص أميرهم.

والوجه الاقتصادي مقدار الحاجة لبيوت الإمام وهي كمية لا تتجاوز مائتين وخمسين صاعاً.

ساقتني هذه الوثيقة إلى التبصر في واقع الحال، وما تنعم به المملكة والحمد لله من أمن وأمان ومستوى معيشي يمكن الحكم عليه من خلال المقارنة بالكمية التي وردت في الوثيقة، فهي أبلغ من الشرح، وأسهل في الطرح، تحكي قصة بنمو يفوق الوصف ومنحى بياني يتبختر في عليائه صاعداً إلى الأعلى شموخ جبل أشم قاطعاً عند التقائه بالمحور الثابت رقماً صغيراً.

لنا جميعاً أن ننصف أنفسنا بالنظر إلى ما نحن فيه، ونتكلم في ذلك بصوت مرفوع، فإن كان الإمام - رحمه الله - قد طلب كمية يسيرة من القمح سلفة ليقضي بها حاجة أهل بيته، فكم في منازلنا من الأقماح والرز وغيرها من أرزاق عصرنا التي حباها البارئ عز وجل لهذه البلاد.

وحال أجدادنا وربما آبائنا موصوفة في تلك الوثيقة، شاهدة على تلك الأيام، وحالنا مرسومة بواقعنا شاهدة على هذه الأيام، وحتى لا يقول قائل إن ذلك نمو طبيعي ساد العالم أجمع، وإن كان محقاً في بعض جوانبه، فمن العدل أن ينظر إلى دول هنا وهناك لن أسميها باسمها، ويقارن في حال أبنائها في عام تحرير تلك الوثيقة بحالهم في عصرنا، وبأخذه معياراً للمقارنة بين حال أبناء المملكة في ذلك العصر وحال أبنائهم وأحفادهم في هذا العصر ليحمد الله على هذه النعمة، ويدعو البارئ عز وجل أن يديم على هذه البلاد نعمة الأمن والاستقرار والرخاء.

ولنقرأ التاريخ ونتعلم الإحصاء حتى نسعى إلى أن نضيف إلى متوسط النمو رقماً يزيده ارتفاعاً من خلال المزيد من المثابرة على الجهد والعطاء والعمل المخلص الصادق.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد