Al Jazirah NewsPaper Friday  03/07/2009 G Issue 13427
الجمعة 10 رجب 1430   العدد  13427
الشيخ محمد العبودي.. ومكانته عند العلماء
د. محمد بن سعد الشويعر

 

في مساء الخميس 4-6-1430هـ شارك محبو الشيخ محمد العبوديّ في ثلوثيّة محمد المشوّح، افتتاح موقعه على الشبكة العنكبوتية (الإنترنت).. فقد منح الله معاليه نَفْساً سمحة، وحديثاً عذباً، وتواضعاً جمّاً، خصال ترنو إليها الأفئدة، ويحبّها ....

....الناس، لذلك جعل الله له قبولاً عند من عرفه، ومستمعين لأحاديثه في الإذاعة عن الرحلات.

فطلبة العلم والمشايخ يعدّونه واحداً منهم، لحماسته في الدعوة لدين الله، ولقدرته على النّّفاذ لقلوب المسلمين في ديارهم مهما بَعُدَت، والتّعرف على مشكلاتهم، وبذل الجهد في حلّها، لأنّه يتأسّى بالأثر (مَنْ لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، علاوة على كونه مع طلبة العلم المتمكّنين، كالشيخ عبدالله بن حميد، عندما كان في قضاء بريدة ومع علماء القصيم عموماً.

ولذا يأنس العلماء ومحبّو الخير لأحاديثه، ووصف مشاهدته، وطرح معاناة المسلمين، وما يؤرّقهم، فهو بحديث ممتع ومشوّق للبلاد التي زارها، تطلّعاً وإفادة، وشرحاً ينفذ للأعماق، كأن السّامع معه، في الدّيار التي يتحدّث عنها، فترّق الأحاسيس، وتسخو الأيدي، وتلين العواطف، أما الشباب فيسمونه شيخنا -أي شيخ الشباب- لقدرته في الحديث الهادئ، والتأليف على ما يحرك كوامن النّفوس، بأسلوبه المتميّز، وهدوئه في التحدث عن موضوعات، تتأصّل جذورها عندهم، وتشد أذهانهم، وصفاً دقيقاً لما شاهد، وغوصاً في أعماق ما يؤرقهم، إذ يخاطب كل طبقة بما يهمهم في تلك الديار القصيّة، متأنساً بمقولة علي رضي الله عنه (حدّثوا الناس بما يعرفون، حتى لا يكذّب الله ورسوله).

ومع أنّه رحّالة، فإنّ بعضهم يسميه (ابن بطّوطة هذا العصر)، لكنّه فاق ابن بطّوطة، بما تيسّر هذا الزّمان، أمناً ومواصلات، وخدمات وتيسيراً، وتقارباً للديار، واكتشافات لبلدان لم تعرف من قبل، وقد زارها وكان له ذكر حسن فيها، ومع أبرز رجالها. وإذا كان ابن بطّوطة قد لاقى صعوبات، فإنّها بالنسبة للشيخ محمد ميسّرة، وقد يخففها قدرته على التحدث بالإنجليزية، مع بعض الكلمات المحليّة لتلك الأمم، التي تقاربتْ بالأمور التي جدت في هذا العصر.

وإذا كان ابن بطّوطة يكتب وبقلّة، من الذاكرة، فإن الشيخ العبودي يرصد الأحداث طريّة، موضّحة بالصور التي تجعل المتابع، كأنه يعيش مع الشيخ في الموقع، الذي يتحدث عنه، وينقل عن أبناء تلك الجهات، ذوي الثقافة العالية منهم.

ولقد فاق ابن بطّوطة بكثرة الديار التي زارها، والمعلومات التي رصدها، وبالنّقل الصّادق، فكثرت كتبه، حيث أثرى المكتبة العربيّة بأدب الرحلات، التي زادت على المستوى الفرديّ بزيادة محسوسة، ولا أظن كاتباً في الرحلات أتى بمثله، بحيث أصبحت كتاباته مرجعاً موثّقاً.

أما آثاره العلميّة المتعددة، فتعتبر مكتبة زاخرة بما فيها، من جديد ومفيد، في المعاجم والأنساب، والمشاهدات والأمثال، ووصف الديار، والأدب وغيره، إذْ وهبه الله جَلَداً على الكتابة، وصَبْراً في البحث والمتابعة، وعلاقة راسخة مع العلماء في كلّ بلد زاره.

إلا أن السّمة البارزة عند الشيخ محمد: هاجسه الإسلامي، واهتمامه بالتعرّف على أوضاع المسلمين للتخفيف من معاناتهم، إذ تبرز آثاره لأيّ بلد زاره في الاجتماع بكبرائه، وتلمّس مطالبهم، فأحبوه لسعة اطّلاعه، وتفهّمه لأوضاعهم، وأمانته في تبليغ مطالبهم والسعي فيها، بجاذبية حديثه، إذْ سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله منذ جاء عنده في الجامعة الإسلامية، وهو يعضد ويلبّي رغبات المحسنين الذين زكى مطالبهم الشيخ العبودي، لثقته به واهتمامه بتقاريره، وتنفيذ المطالب الحيويّة، التي يطرح، كالمساجد والكتب والمصاحف والدعوة، وقبول بعض طلابهم في الجامعة، وتعيين من تخرج داعياً وإماماً في بلده، وما إلى ذلك.

فهو يضع في الاعتبار لكلّ بلد زاره: تمكين الرابطة بين البارزين الموثوقين فيه، وتمكينها من علماء المملكة وفادتها.

لأن المملكة العربية السعودية، بحمد الله، هي مرنى أفئدة كل مسلم في أي موقع من الأرض، حيث تشرئب الأعناق للمملكة لوجود الحرمين الشريفين، والمعالم الإسلامية، ومن مكة أشرقت أنوار الرسالة المحمدية، التي هي خاتم الرسالات السماوية. وبمكة بيت الله الحرام يؤمه المسلمون في صلاتهم خمس مرات في اليوم، ويتطلعون لأداء المناسك التي فرضها الله سبحانه عليهم مرة في العمر، ويتشوقون لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ثاني المساجد التي تُشد إليها الرحال، ومن ثم السلام على الرسول.

لذا كان الشيخ العبودي ذا مكانة في قلوب المسلمين، ويتطلعون إلى زيارته في ديارهم، فهو عندهم مندوب المشايخ في المدينة أولاً.

عندما كان موظفاً بالجامعة يكلفه سماحة الشيخ ابن باز بمهمات ثم انتقل معه للرياض في الدعوة للخارج، ثم في أمانة الدعوة الإسلامية العليا، حيث يعتمد عليه -بعد الله- في هذا الجانب: مكانة وتزكية وعلماً، فهو عند سماحته موطن ثقة.

وقبل وفاة الشيخ عبدالعزيز -رحمه الله- انتقل إلى مكة المكرمة أميناً عاماً مساعداً لرابطة العالم الإسلامي بمكة، وفي جميع أعماله كان مرتبطاً بالدعوة إلى الله، وتفكيره واتصالاته مع شؤون المسلمين والاستماع إلى معاناتهم بمعرفة ودقة، حتى أصبح مرجعاً يُطْمأن لتزكياته لمعرفته بالاتجاهات في كل بلد، حتى عُرف أنه من نوع: يألف ويُؤْلَف.

وقد كوّن علاقات وروابط، فصاروا يبثونَه شجونهم، ويعرضون عليه ما يؤرقهم، ويتفاعل لنقلها بصدق وأمانة لمرجعه.

فكل من يشار إليهم بالبنان هناك، عنده معرفة بالشيخ العبودي، وعند العبودي معرفة بهم، فتشرئب أعناقهم إلى مقدمه، لما يحمل من العلم الذي ينير سبيل الخير، وبما يؤملون من وفادته، بالمصلحة الإسلامية التي يرجونها من مملكة الخير والإحسان: حصن كل مسلم، ولبلاد المسلمين، حيث الدّافع الإيماني والرجاء من الله بالثواب الأُخروي، لمن بنا لله مسجداً، أو هدى الله إلى الإسلام به، وافداً جديداً لحظيرة هذا الدين، لأنه دين الله الحق.

وقد اكتسب من معايشته طوال عمره في صحبة المشايخ، طالب علم مجدّاً، وحاضراً في مجالس بريدة العلمية: مع الشيخ عبدالله بن حميد والشيخ صالح الخريصي وغيرهم، وفي الجامعة الإسلامية بالمدينة وخاصة مع الشيخ عبدالعزيز بن باز رئيسها، فقد توطدت صلته به، وأحبه الشيخ لإخلاصه، وصدقه في نقل الصورة المعبرة وبأمانة، عن أحوال المسلمين، وفي إشرافه على بعض المشروعات التي أُعطيت لهم.

ذلك أن الشيخ العبودي ينطبق عليه التعريف الشامل للأدب الذي قالوا فيه، هو الأخذ من كل فن بطرف، فتمكّنه من اللغة العربية، تأسياً بمقولة عمر بن الخطاب: تعلمّوا العربية وعلموها لأبنائكم، فإنها وعاء الدين، التي فتحت ذهنه في أمور عديدة.

ولما كان علماء المملكة يأنسون بالشيخ محمد العبودي ويستنطقونه أخبار الإسلام وانتشاره في تلك الأصقاع التي زارها. فإنه يقتنص ما يجد فيه لذّة عندما يتحدث عن بلاد زارها أول مرّة، ولم يجد فيها من يشهد لله بالوحدانية، وفي زيارة تالية قريبة العهد نما اسم الإسلام عندهم، وبدأت دائرته تكبر لأن الله هيأ لهم دعاة من أبنائهم تخرجوا في الجامعة الإسلامية التي أراد لها الملك فيصل - رحمه الله- النسبة الكبرى للطلاب الأجانب، ليقودوا سفينة الدعوة.. وقد تحقق ذلك فزاد الداخلون في الإسلام بعد توفيق الله، وبهممهم، ومع إمكاناتهم المحدودة، بنوا مساجدهم، وتبرعوا وهم فقراء: في الدعوة وتحفيظ القرآن والإمامة والأذان في مساجدهم بأنفسهم وبجهد ذاتي، مما دفع بالعبودي وغيره من المخلصين لله ثم لإخوانهم المسلمين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (10) سورة الحجرات. أن يعملوا بجهودهم ويرغبوا أصحاب الأيدي الندية المحبين للخير، فمدت الأيدي للتخفيف عما أثقل كواهلهم، ومن أخلص وصدق مع الله جعل الله له القبول ولأعماله الأثر والإعانة.

فهو رجل تؤخذ أقواله بالقبول وشفاعاته بالإجابة عند ولاة الأمور والعلماء، وهو حريص على تقديم النصح والتوجيه عند الأقليات المسلمة، ويحثهم ثم يعدهم، إذا آنس منهم الرغبة في تعلم دينهم، وفق القرآن الكريم، والسنة المطهرة، بأن يعرّف بما لهم وما ينقصهم: من مساجد وجمعيات تشجع بعد تأسيسها، وترشيح أبنائهم بالدراسة وطلب العلم بالمملكة، وتعيينهم دعاة بعد التخرج، وتزويدهم بالكتب النافعة.

ومن الذكريات في هذه المجالس، وهي عديدة عندي، بعدما استقرّ عملي في الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، والدعوة والإرشاد والإفتاء (وهذا هو الاسم الأول ذلك الوقت).

أنه عندما يأتي العبودي عند الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- يتمّ الحديث على الوجبة: غداء أو عشاء، فيسأله الشيخ لمحبّته سماع أخبار المسلمين في المناطق التي زارها، وخبر أحوال أهلها، عن متى دخلها الإسلام، وكم يقدر المسلمون فيها، وما أحوالهم، وماذا ينقصهم؟ فيسترسل الشيخ العبودي في حديثه المتتابع الشيق، والشيخ عبدالعزيز ومعه الحاضرون المنصتون وبتشوّق، بعد انفضاض بعضهم ويبقى الشيخان: السائل والمجيب، ومعهما المتشوقون للحديث، المهتمون بأخبار المسلمين الطرية الجديدة لأنها تسر الجميع. فتطول الجلسة ويمتدّ الحديث، والأيدي متوقفة عن الأكل: الشيخ يستمع بلهفة، والعبودي يتحدث بمعلومات متتابعة طويلة. أما الشيخ إبراهيم الحصين -رحمه الله- فإنه يريد منفذاً للشيخ لإكمال أمور متعجلة: طلاق يريد أصحابه إنهاء حالتهم، ومهاتف من بعيد ينتظر جواباً بالهاتف، وفقير سيسافر يريد رفداً عاجلاً، وغير هذا من أصحاب الحاجات المتعددة.

والشيخ إبراهيم -رحمه الله- لا يحب قطع حديثهما المتواصل: العبودي يتحدث بأسلوب شيق والشيخ منصت ومرتاح للحديث لأن هاجسه -رحمه الله- تفقد أحوال المسلمين، وفرحه بمن أسلم منهم لا يوصف، ويسأله: ماذا يريدون، وماذا ينقصهم؟!

لذا نرى الشيخ إبراهيم يأخذ مثلاً عامياً، من معجم العبودي ليطبقه عليه (ملهّي الرّعيان).. أي أن الرّعاة في رعيهم لمواشيهم، عندما يكون المتحدث إليهم بأمور شيقة عندهم، ممّا يشنّف آذانهم فيلهيهم عن مواشيهم، ولا يفطن كلّ منهم الشاردة أو واردة من قطيعه، فقد ألهاهم ذلك المتحدث.

فكانت عند الملاصقين للشيخ عبدالعزيز - رحمه الله- عندما يتحدث مهاتف، يرغب التحدث مع الشيخ سائلاً أو عارضاً لأمر أهمه يريد ما يطمئنه جواباً من الشيخ -رحمه الله- يجيبه الشيخ إبراهيم، رحمه الله - خاصة إذا كان يعرفه- بأن الشيخ مشغول مع (ملهّي الرّعيان)، ويختم حديثه مع المهاتف بالسكوت بعد الاسترجاع والدعاء.

وهذا من مزاح الشيخ إبراهيم رحمه الله، وكل يهمه ما يتعلق به من العمل لإنجازه، وهذا ما كان يحمده الشيخ عبدالعزيز من الشيخ إبراهيم، وما ذلك إلا أن حواس الشيخ عبدالعزيز مشدودة مع تسلسل أخبار المسلمين، التي يسردها عليه الشيخ العبودي، ولا يمل الشيخ عبدالعزيز منها، بل هو المبتدئ بالسؤال، والمستقصي للأخبار، فيجد بغيته عند الشيخ العبودي كما يُقال: وعند جهينة الخبر اليقين.

والشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- معروف عنه الاهتمام بكل مفرح عند المسلمين، وبمن يسلم مجدداً، فيسأل وتُقرأ عليه من الجرائد، ويأخذ الأخبار المذاعة في مواعيدها ليتلقط أخبار الإسلام والمسلمين، ويدعو لهم إذا سمع خبراً غير سار تعرض له المسلمون جماعات أو أفراداً، فكان الشيخ محمد العبودي يربط لسماحته بين الخبر الجديد والقديم ليدخل السرور على نفسه.. إذ يبين على قسمات وجهه -رحمه الله- وقع كل خبر يتعرض له المسلمون، ويسأل عن موقعهم وأقرب دولة إليهم لأنه -رحمه الله- بتلقّطه أخبار المسلمين، هاجسه الكبير، تحقيق ما فيه مصلحة عاجلة لهم، ويسعى في تفريج كرباتهم.

وكلّما زار المملكة وفد وخاصة في أوقات كون سماحته في مكة، يستدعي الشيخ محمد العبودي ليكون معرفاً بهم وشارحاً ما يعرفه من أحوالهم.

ولذا فإن الشيخ العبودي يستأنس العلماء والمهتمون برأيه، في بعض المسائل الدعوية الخارجية، لأن التجربة والمخالطة قد أوجدتا عنده حصيلة جيدة من المعرفة، وقدرة على تشخيص أحوال الناس، ومعرفة الرجال ومراكزهم في كل البلاد التي زارها لما لديه من الخبرة والقدرة على وزن الناس بأعمالهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد