Al Jazirah NewsPaper Friday  03/07/2009 G Issue 13427
الجمعة 10 رجب 1430   العدد  13427
اقتصاديات العمل الخيري وثقافة التطوع
سعيد بن محمد العماري

 

يعمل الاقتصاد على التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية ويتحقق التوظيف الأمثل لهذه الموارد بمنع الهدر وتحقيقها أعلى عائد بأقل تكلفة، فيزيد ما يمكن أن تشبعه هذه الموارد من حاجات أفراد المجتمع

. وإذا كان هذا ما يهدف إليه الاقتصاد ونظرياته فهو بلا شك

ضرورة لا بد منها لكل مؤسسة أو شركة أو فرد أو هيئة تمارس العمل التجاري، وتبدو هذه الضرورة أشد إلحاحاً بالنسبة للجمعيات ومؤسسات العمل الخيري التي يجب عليها أن توظف مواردها المحدودة بأكبر قدر من المسؤولية، بحكم ما حملت من أمانة من قِبل من دفع ماله يبتغي وجه الله الكريم ويأمل أن يصرف ما قدم في مكانه، والجمعية الخيرية هنا تجد نفسها مطالبة، ليس بصرف تلك الموارد على الفئة أو الشريحة التي خصصت لها تلك الموارد على إطلاقها، ولكنها مطالبة بوضعها في الأشد احتياجاً من تلك الفئة.

ولا بد للجمعيات الخيرية في ظل الظرف الراهن محلياً وإقليمياً ودولياً وفي ظل تقلص مواردها المالية، أن تعمل على تنويع هذه الموارد بما يتناسب مع عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي والتطور التكنولوجي لأداء مهمتها في مساعدة الشرائح الكثيرة التي تحتاج ليد العون، ومن نافلة القول في هذا الجانب أن لكل مجتمع نظامه الاقتصادي الخاص، القائم على مجموعة العقائد والمبادئ والتقاليد التي يسير هذا المجتمع على هديها، وعليه فإنّ القرارات التي تتخذها الإدارات العليا في الجمعيات الخيرية يجب ألا تغفل هذا النظام الاقتصادي للمجتمع وإلاّ باءت قراراتها بالفشل.

وعلى الجمعيات الخيرية أن تتجه إلى ترشيد مواردها واستغلالها الاستغلال الأمثل وزيادة هذه الموارد باستثمارها ذاتياً في ظل قلة التبرعات وتذبذبها من آثار الظروف التي تنشأ داخلياً أو خارجياً بسبب ما تفرضه العولمة على السوق الداخلي. في الوقت ذاته قد يحسن أداء الجمعيات الخيرية أن تقسم برامجها وأعمالها إلى قسمين: برامج تقشفية في حال شح الموارد تختصر على الإنفاق الأشد ضرورة، وبرامج توسعية عند زيادة الموارد، ولكن في كل الأحوال يجب أن تسعى الجمعيات الخيرية إلى تنمية مواردها ذاتياً، وأن تتبع سياسات ترشيدية ليس بإنفاق ما يحقق المنفعة فحسب، بل بتحقيق أعلى منفعة ممكنة بأقل ما يمكن من إنفاق.

وللجمعيات الخيرية ميزة ليست لغيرها فيما يتعلق بترشيد استخدام مواردها بما يتوافر لها من رصيد من العمل التطوعي وهو الذي يمكن أن يكون على درجة عالية من المهارة يحركه الوازع الديني وتعاطف الناس مع أعمال البر، إنّ الاستفادة من العمل التطوعي وتحفيزه واستقطاب الكفاءات العالية من المتطوعين وتوظيفها توظيفاً جيداً هو بلا ريب من الترشيد في الموارد، إذ تعمل هذه الكفاءات من غير مقابل مادي مع أن قيمتها السوقية مرتفعة.

وعلى الجمعيات والمؤسسات الخيرية العمل على زيادة مواردها المالية بالاستفادة من نزعة الخير الفطرية الأصيلة في الإنسان، وكل ما تحتاجه في ذلك هو توجيه جهدها في اتجاهات ثلاثة أولها برامج دعوية تستنفر كل طاقات الفرد الإيمانية وتحفزه إلى التكافل والإيثار وتبعث في نفسه روح الإخاء الإسلامي والتواد والرحمة، وثانيها جهد إعلامي فاعل يكشف حجم الحاجة ويوضح الصورة الحقيقية للجمعية الخيرية ويضع إنجازاتها في مجالها بوضوح أمام أعين أفراد المجتمع، وثالثها اكتساب ثقة الناس عن طريق العمل الدؤوب، والجهد الصادق، وحسن الإدارة في ترشيد مصارف الجمعية الخيرية.

وتؤدي زيادة الموارد المالية للمؤسسات الخيرية بجانب تمويل العمل الخيري وزيادة نشاطاتها وتوسيع خدماتها إلى فتح أبواب واسعة لانخراط المجتمع بأفراده ومؤسساته في عمل الخير، والمساهمة الفاعلة في تزكية النفس والمال بما يسهم في حفظ توازن المجتمع وأمنه وأمانه.

* كاتب وباحث في مجال تنمية الموارد المالية في الهيئات الخيرية


alammari.s@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد