Al Jazirah NewsPaper Friday  03/07/2009 G Issue 13427
الجمعة 10 رجب 1430   العدد  13427
تجديد الخطاب الديني
د.فهد عبدالرحمن اليحيى *

 

كثيراً ما يتردد في مناسبات عدة وعبر وسائل مختلفة مصطلح (تجديد الخطاب الديني) وقد أشبع حديثاً وعرضاً ونقداً.... وإن كان من مشاركة فلعل من المفيد أن أعرض مثالاً عملياً في هذا الموضوع... في أحد المؤتمرات كان هناك حديث جانبي مع أحد الفضلاء حول مصطلح (الآخر) بدل (الكافر)، وهذه الجزئية أعتبرها من مفردات (تجديد الخطاب الديني). قال لي صاحبي: لا إشكال في تسمية الكافر بمصطلح (الآخر).. فقلت له: لعلنا نتفق في أن التسمية حين ننظر إليها بمجردها فلا إشكال في استبدالها.. ولكن تبقى زوايا كثيرة لا بد من النظر من خلالها:

مثلاً: ما الذي يحملنا على تغيير مصطلح تكرر ذكره كثيراً في القرآن والسنة بيناً صريحاً؟! بعبارة أخرى ما سبب النفرة من كلمة (كافر) لنستبدلها ب(الآخر). ربما يقول لك صديق: غيّر اسم متجرك لعل وضعه التجاري يتحسّن, هنا هل تتعجل وتغيّر اسم المتجر أم أنك ستدرس هذا السبب هل هو سبب حقيقي؟! أم هناك سبب مهم آخر هو المؤثر؟ ثم هل هو السبب الوحيد؟ أم هناك أسباب أخرى؟ وما درجة تأثير هذا السبب مع بقية الأسباب؟ وأحياناً ربما تقول له: النظام يمنع تغيير الاسم, ولهذا حتى لو اقتنعت بأنه السبب فلن تحاول عبثاً ما لا يمكن تغييره وإنما ستبذل جهدك في تلمّس أسباب أخرى تتغلب على تأثيرات الاسم السلبية.

أعود إلى المثال (الكافر - الآخر) فأقول:

إن الزاوية الأولى وهي السبب مهمة جداً، فالذي يتأمل ملابسات ذلك يجد أن تصنيف الناس إلى (كافر ومسلم) استخدمت لدى البعض استخداماً سيئاً حيث خالطها نوع من الغلو في التصنيف، ونوع من الغلو أيضاً في التطبيق حتى مع سلامة التصنيف. بحيث أن الغلو قد يقع في التعامل مع (الكافر) حتى وإن كان تصنيفه بالكافر صحيحاً. هذا السبب الأكبر في تقديري للحديث عن اصطلاح (الآخر) ومحاولة إحلاله محل (الكافر).

ولكن هذا السبب ربما لا نحتاج إلى علاجه بمثل هذا الانقلاب على المصطلحات بل لا أبالغ إن قلت: إن مثل هذا المساس بالمصطلحات قد يصب الزيت على النار فهو نوع من الاستفزاز الذي لا حاجة له. نخرج من هذه المعادلة بأن تغيير مصطلح (الكافر) إلى (الآخر) لن يؤثر كثيراً في علاج ما كنا نخشاه.

ومن زاوية أخرى فإن مصطلح (الكافر) هو معنى (غير مسلم) ولا ينبغي النفرة منه أو اعتقاد أننا نشتم الآخرين ونسبهم إذا وصفناهم بالكافرين، لأننا نصفهم بالواقع الذي يعترفون به وهو أنهم لا ينتمون لهذا الدين كما لا ننتمي إلى دينهم (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). والله جل وعلا يقول: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناُ فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ)، ويقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ)، ويقول: (وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ)، وقال سبحانه أيضاً: (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه).

وفي حديث الدجال في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلاَثَ رَجَفَاتٍ، فَيُخْرِجُ اللهُ كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ)، والنصوص في هذا المعنى كثيرة جداً، والمقصود أن كل دين له حدود انتساب من تعدّاها خرج منه, ومهما بلغ التساهل مبلغه فلا بد من حد فاصل.

لذا فالنصارى (والذي شاع تسميتهم خطأً بالمسيحيين) يعتبرون المسلمين بالنسبة إليهم كفاراً أي ليسوا مسيحيين، وهكذا اليهود والهندوس وغيرهم.

فمصطلح (الكافر) بدلاً من إلغائه ينبغي شرحه وإيضاحه وبيان حقوق الكافر في الإسلام, وأنا أجزم يقيناً أن حقوق الكافر التي تجب على المسلم أكبر بكثير وأفضل من حقوق (غير الغربي) الواجبة على الغربي والتي يمكن أن نلمسها حقيقة وليست مجرد شعارات.

أعود بعد هذه الجولة (في هذا المثال) إلى الموضوع الأساس وهو تجديد الخطاب الديني، فإذاً لابد من التعامل باعتدال وتوازن فيما يتعلق به. لا أحد يمكن أن يعترض على تجديد الخطاب حين يُراد منه تنويع الوسائل والأساليب ومراعاة مستجدات العصر، وتناول القضايا وفق فهم المخاطَب ودرجة إدراكه بحيث لا يحمل صورة خاطئة عن الإسلام الصحيح سواء كان الخطاب يمس العقيدة أو الأحكام أو السلوك أو غير ذلك..

وقد جاء في البخاري عن علي رضي الله عنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله). وفي مقدمة صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: قال: (ما أنتَ بمُحَدِّث قوماً حديثاً لا تَبلُغُه عقُولهم إِلا كان لبعضهم فِتْنة).

ولكن لا يحق لنا أن نجدد الخطاب وفق ما يُرضي الأطراف الأخرى (كافرة أو دون ذلك) على حساب المبادئ والثوابت وقد علمنا القرآن أن مسلسل التنازل لا ينتهي.

قال سبحانه: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).

* أستاذ مشارك بجامعة القصيم



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد