Al Jazirah NewsPaper Friday  03/07/2009 G Issue 13427
الجمعة 10 رجب 1430   العدد  13427

طالبوا بتفعيل التربية الإسلامية داخل الأسرة.. قضاة وأكاديميون شرعيون وتربويون لـ(الجزيرة):
الخادمات لا يربين جيلاً ولا يصنعن رجالاً

 

(الجزيرة) - خاص:

يرى عدد من الباحثين أن التربية تتراجع في أسسها، في حين يتقدم التعليم بشكل واضح مصحوباً بالمتغيرات والتطورات التقنية في وسائل الإعلام والاتصال، التي أثرت بدورها سلباً في طريقة تعامل كثير من الوالدين مع أولادهم، بل وغيابهم أحياناً عن دورهم الأساس ومسؤوليتهم الكبيرة في التربية، وإلقاء هذه المسؤولية على الخادمات والمربيات، مما كان له الأثر السلبي على سلوكيات الناشئة من البنين والبنات. ويتفق هؤلاء مع عدد من الدراسات التي أجريت حول هذه القضية، ومن هذه الدراسات الدراسة العلمية الميدانية التي قام بها الباحث سلمان بن محمد العُمري حول (المرأة السعودية والخادمة)، حيث يؤكد أن غياب الأسرة أثر بشكل سلبي على عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء والبنات، مما كان له الأثر السيئ في سلوكيات وأخلاقيات جيل المستقبل، بل وأصبح الكثير من هؤلاء الأبناء والبنات يعتمد على غيره في قضاء أموره، واحتياجاته المتعددة.. مشدداً على ضرورة تحديد الأعمال الموكلة للخادمة، بحيث لا تتعدى الأعمال المنزلية الخدمية، وابتعادها عن تربية الأطفال ما أمكن.

في ظل ذلك كيف يمكن أن نعالج هذا السلوك الخاطئ لدى الوالدين، وما الوسائل المثلى لبيان مخاطر هذا الإهمال على أجيال المستقبل من البنين والبنات، وما الدور المناط بالأخصائيين الاجتماعيين، والنفسيين، والمربين في بيان الفروقات الكبيرة بين الطفل الذي يتربى في حضن والديه، والطفل الذي يتربى في غير هذا الحضن؟

الأخصائيون النفسيون

يقول د. خالد بن صالح العمر القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة أنه يمكن معالجة هذا السلوك الخاطئ لدى الوالدين ببيان ونشر الوعي لدى الآباء والأمهات بمدى أهمية تولي الآباء والأمهات بأنفسهم تربية أولادهم، إذ الأولاد هم فلذات الأكباد وزينة الحياة الدنيا وصلاحهم واستقامتهم هو قرة عين والديهم، وتكوين العادة والسلوك في الصغر أيسر بكثير من تكوينها في الكبر، وما يمنحه الوالدان من عطف ورحمة على أولادهم لا يستطيع غيرهما منحه إياهم، وكل إنسان سوي يولد وفي نفسه مجموعة من الخطوط المتوازية المتضادة في الاتجاه كالخوف والرجاء، والحب والكره، والواقع والخيال، والفردية والجماعية، والسلبية والإيجابية، والالتزام والتحرر، وكلها خطوط أصلية في الفطرة البشرية، وتؤدي عملها في تكوين البناء النفسي للإنسان، وفي نفس الطفل تكون هذه الخطوط كلها باهتة لم تتميز بعد بشكل واضح كالثمرة في بدء تكوينها، ولكنها موجودة بغير شك. والمعاملة الخارجية للطفل هي التي تعمق هذه الخطوط وتبرزها أو تعمل على وقف نموها، فتظل على حالتها الطفلية أو تكبتها. وأغلب الانحراف ينشأ في هذه الخطوط المتقابلة، فهي في حالتها السوية متوازنة في حدود معقولة، ولكن حين يبرز أحد الخطين المتقابلين ولا يبرز الآخر المقابل له، وهذه هي الصورة الغالبة، أو يبرزان معاً بروزاً زائداً عن الحد، فهنا ينشأ الانحراف. وإن المنهج القويم في التربية بتعهد الطفل والشاب والفتاة بالرعاية والتقويم منذ مولده إلى نضوجه في البيت والشارع والمدرسة والمجتمع على اتساعه، وأهم هذه المحاضن هو البيت، والذي يمارس فيه التربية يجب أن يكون هما الوالدان.

وأما الوسائل المثلى لبيان مخاطر هذا الإهمال - والكلام للشيخ خالد العمر - على أجيال المستقبل من البنين والبنات هو عقد الندوات والمحاضرات في أهمية التربية وقيام الوالدين بالتربية بأنفسهم وذلك في المساجد والتلفزيون والبرامج الإذاعية، وإلقاء الأئمة الخطب يوم الجمعة عن هذا الموضوع وإبرازه وبيان خطورة إهمال تربية الأبناء والبنات وتركهم مع الخادمات والمربيات، وانبراء الكتاب وأهل التربية في كتابة المقالات عبر الصحف والمجلات عن هذا الموضوع، وإبراز نماذج شتى من أبناء تولى تربيتهم أباؤهم، ووقائع لأبناء تولى تربيتهم الخادمات والمربيات.

وإن على الأخصائيين الاجتماعيين، والنفسيين، والمربين دور مهم في بيان الفروقات الكبيرة بين الطفل الذي يتربى في حضن والديه، والطفل الذي يتربى في غير هذا الحضن وذلك من خلال مصارحة الوالدين الذين يلاحظ على أولادهم جنوح في السلوك، أو اعتلال في التفكير والتصرفات، ونحو ذلك، وبيان الآثار المترتبة على الابتعاد عن الأولاد وتركهم مع الخادمات، كما ينبغي عليهم عقد اللقاءات وورش العمل لمناقشة هذا الموضوع والخروج بحلول ناجعة لهذا الأمر البالغ الأهمية.

منبع السوء

ويؤكد د. عبداللطيف بن إبراهيم الحسين أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالأحساء أن وجود المربيات والخادمات أصبح ظاهرة بارزة في المجتمع الخليجي، فقد جيء بهن لأجل العمل والخدمة ومساعدة الأسر في الأعمال المنزلية.. مما أعان ربات الأسر على تحقيق مكاسب كثيرة، من ذلك العمل، والدراسة، ونظافة المنازل، وإعداد الطعام، وتفرغ الأسرة لبعض شؤون الحياة وغير ذلك.

وكما أن وجود هؤلاء المربيات له من آثار إيجابية، لحق به آثار خطيرة في التنشئة الاجتماعية للأسرة، لاسيما منهم الكافرات وذوات السلوكيات المنحرفة. ولا بد أن تعي كل أسرة تستقدم خادمات ومربيات خطورة وأبعاد وجودهن وتحذر من شرورهن، وضرورة مراقبة سلوكياتهن وتصرفاتهن للاطمئنان على سلامة الأسرة من كل ما يعرض لها من هؤلاء، مع مراعاة الإحسان إلى الخادمات والصبر فيما يعرض منهن في سبيل الدعوة لله تعالى، واحتواء الخطأ بالحكمة والموعظة الحسنة.

فطر الله - عزّ وجلّ - الناس على حب أولادهم قال تعالى: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، ومسؤولية الوالدين في تربية أولادهم، فالأولاد أمانة في عنق والديهم، والتركيز على تربية المنزل أولاً، وتربية الأم بالذات في السنوات الأُوَل، فقلوبهم الطاهرة جواهر نفيسة خالية من كل نقش وصورة، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها، فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشأُوا عليه، وسُعِدوا في الدنيا والآخرة، وشاركوا في ثواب والديهم، وإن عُوِّدُوا الشر والباطل، شقُوا وهلكُوا، وكان الوِزْرُ في رقبة والديهم، والوالي لهم.

وكما عبر الشاعر:

وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا

على ما كان عَوَّدَهُ أبُوهُ

جريمة عظمى

ويضيف د. الحسين: أن تسليم الأولاد لتربية الخادمات والمربيات، وتخلي الأم والأب عن ذلك جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب، على حد قول الشاعر:

إهمالُ تربية البنين جريمةٌ

عادت على الآباء بالنكبات.

ومن هنا فإن الأطفال الذين يربون في محاضن الخادمات والمربيات يَتلَّقون قيمهم وأخلاقهم دونَ مناقشةٍ في السِنِينِ الأولى، حيث تتحددُ عناصرُ شخصيتِهمِ، وتتميزُ ملامحُ هويتِهمِ على سلوكهم وأخلاقهم؛ لذلك فإن مسؤولية الوالدين في تعليمِ أولادهما القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعيِ من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس.. قال صلى الله عليه وسلم: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم).

ومن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وَتَرَكَهَ سُدى، فقد أَساءَ إليه غايةَ الإساءة، وأكثرُ الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ والأمهات وإهمالِهِم لهم.

ولأجل هذا فالمفترض من الأسرة التي تستجلب هؤلاء الخادمات والمربيات من أجل المساعدة فيما يحتاجون من أعباء المنزل واحتياجات الأسرة ملاحظة الأمور التالية:

أ - الأمر باعتناق العقيدة الصحيحة: تعريف الأولاد بأهمية التوحيد، وعرضه عليهم بأسلوب مبسط يناسب عقولهم.

ب - بعث روح المراقبة لله والخوف منه: بيان توحيد الأسماء والصفات، كالسميع والبصير والرحمن، وأثرها في سلوكهم.

ج - الحث على إقامة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم: (مروا صبيانكم للصلاة إذا بلغوا سبعاً، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً، وفرقوا بينهم في المضاجع).

د - التحلي بمكارم الأخلاق والآداب العامة، ومراقبة سلوكياتهم، ولا يكون ذلك إلا بالاستمرار والاعتياد.

أثر وسائل الإعلام

وتقول د. أحلام بنت محمد حسين حكمي - وكيلة عمادة القبول والتسجيل بجامعة جازان: إن التربية هي أهم وسيلة لبناء الشخصية لدى الفرد في ضوء المتغيرات الحديثة التي تلعب دوراً هاماً في التأثير على نمط التربية للناشئة في ضوء المتغيرات الحديثة التي تجتاح البشرية دون قواعد تربوية سليمة وبدون تخطيط لها من قبل المربين والمعلمين ورجال التربية والدين، مضيفة إن القنوات الفضائية مشكلة قائمة ومؤثرة على تربية الناشئة من الجنسين كذلك غياب الآباء والأمهات عن تربية أبنائهم من أهم المشكلات التربوية التي يتأثر بها الناشئة لما لدورهم من أهمية في التربية، كذلك إسناد التربية للخادمات في المنازل من أهم المشكلات التربوية التي تؤثر على الناشئة لاختلاف العقائد والعادات والتقاليد... إلخ.

وتؤكد د. أحلام حكمي على دور الأبوين في التربية، حيث إن الأبوين هما أساس التربية وأساس التعديل وأساس البناء الشخصي للناشئة وذلك لكون الله - سبحانه وتعالى - أودع بهما هذه المهمة الصعبة حتى يستقيم الناشئة وتبنى شخصياتهم بناءً إسلامياً خالياً من الانحراف، قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)، هذا إسناد رباني عظيم للأم رعاية أبنائها حولين لحمايتهم من المخاطر والأمراض عن طريق الرضاعة، فمسؤولية الأبوين كبيرة جداً في التربية وهما أساس التربية لكون الأسرة هي أول مؤسسة تربوية للأبناء وعندما يفقد الطفل دور الأبوين في التربية حتماً بأنه سوف يكون سلوكه غير سليم ويحتاج إلى تعديل وتقييم فانشغال الأب وغيابه عن الأسرة وكذلك الأم فإن غيابها وابتعادها عن الأسرة ودورها التربوي له عواقب تربوية وخيمة على الأبناء.

وفي وقتنا الحاضر نلاحظ انشغال الأبوين بالدنيا وابتعادهم عن تربية الأبناء وإسناد المهمة إلى المربيات والخادمات هو إسناد في حد ذاته سلبي لأن المربيات والخادمات ليس من مجتمعنا فهن من مجتمعات مختلفة تماماً عن المجتمع المسلم المحافظ وعندما تسند التربية إليهن تحصل الفجوة الكبيرة بين الأبناء والآباء والأمهات قد تصل إلى إنكار الابن للأب أو الأم وذلك لبعدهما عنه وإسناد الهمة إلى المربية أو الخادمة وهذه إشكالية واقع فيها مجتمعنا والضحية هم أطفالنا من الجنسين.

أما عن الحلول المقترحة للتربية، فتقول د. أحلام حكمي:

1- تثقيف الآباء والأمهات بدورهم البيولوجي والنفسي والاجتماعي والتربوي نحو أبنائهم مهما كانت ظروف الحياة والمعيشة والترف الزائد الذي يبعدهم عن أبنائهم. وذلك عن طريق الندوات والمحاضرات التربوية التوعوية لهم في التنشئة الاجتماعية والتربوية للأبناء وإسناد أمور التربية إليهم مهما كانت الظروف.

2- توعية الآباء والأمهات بأضرار القنوات الفضائية على الناشئة ومراقبتها وتوعية أبنائهم عن طريقهم بأضرار هذه القنوات والجلوس معهم في المناقشات والحوارات الهادفة نحو هذه القنوات وعدم ترك الحبل على الغارب كما يقال.

3- عدم إسناد عملية التربية للناشئة إلى الخادمات والمربيات وانشغال الآباء والأمهات في أمور الدنيا فلا بد من إعطاء وقت للأبناء والإشراف على برامجهم التربوية والاجتماعية ومتابعتهم باستمرار.

4- مشاركة الأبوين للأبناء في اختيار وسائل الترفيه من برامج وألعاب... إلخ وعدم تركهم لوحدهم في اختيارها لعدم إدراكهم بأضرارها وعدم تركهم لوحدهم لأن ذلك يؤثر على مستقبلهم وبناء شخصياتهم.

5- التواصل مع المؤسسات التربوية الترفيهية بالتربية باستمرار ومشاركتها في جميع البرامج التربوية الهادفة لأبنائهم مثل المدارس والملاعب والأماكن الترفيهية... إلخ.

6- لقد ثبت بالدراسات الميدانية التربوية والاجتماعية أضرار التلفزيون وبرامجه على التربية لدى الناشئة عندما يمكثون فترة طويلة أمامه فلابد من إدراك ذلك من قبل الأبوين وتوعية أبنائهم بذلك.

خطر خفي.. ضحيته أبناؤنا

وترى د. منى بنت حمد العيدان أستاذ الإدارة والتخطيط بكلية التربية للبنات بالأحساء، أن مسؤولية الوالدين تجاه الأبناء كبيرة، فالأبناء أمانة في عنق والديهم، وهم قابلون لكل ما ينقش عليها، فإن عُوِّدُوا الخير والمعروف نشؤوا عليه، وسَعِدوا في الدنيا والآخرة، وشاركوا في ثواب والديهم، وإن عُوِّدُوا الشر والباطل، شقُوا وهلكُوا، وكان الوِزْرُ في رقبة والديهم ومن ولي أمرهم.

وبالمقابل فإن إهمال تربية الأبناء يعد جريمة كبرى يترتب عليها أَوْخَم العواقب، وإن الظروف الاقتصادية التي تعيشها الأسر في وقتنا المعاصر، لاسيما محاولة الزوجة (الأم) مشاركة الزوج أعباء الحياة، وإثبات ذاتها ومواصلة حياتها العملية قد نتج عنها نجاحها في اقتحام العديد من مجالات العمل، ومنافسة الرجال في العديد من المجالات، لكن كانت الضريبة بالمقابل أن تركت بيتها وأبناءها تحت إشراف المربية (الخادمة) التي في الغالب تحمل جنسية أخرى وديانة غير الإسلام، فهي تختلف في عاداتها وتقاليدها وديانتها عن المجتمع المسلم المحافظ الذي تعيش فيه، وما تبع ذلك من تأثيرات سلبية على تربية وشخصية الطفل.

ولا شك في أن وجود الأبناء تحت يد الخادمة ينذر بمؤشرات سلبية خطيرة من الجانبين الاجتماعي والنفسي، خاصة بعد ما شهده مجتمعنا من حوادث ووقائع كشفت التأثير الهدام للخادمات على أبنائنا؛ حيث تؤكد الدراسات على أن وجود المربية والخادمة يؤثر سلباً على النمو اللغوي فيكتسب الطفل من خلال معايشة المربيات له مفردات لغوية ركيكة غير متماسكة، كما أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال يعانون من عيوب في النطق في ظل وجود الخادمة في المنزل كالثأثأة أو الفأفأة أو التهتهة، إلى جانب ميل بعض الأطفال إلى الانطواء والعزلة، وميل بعضهم الآخر إلى العدوانية أو إلى الخمول والكسل، والسبب في ذلك - كما كشفت عنه هذه الدراسات - يعود إلى المربية الأجنبية التي تعد المصدر الأساسي والوحيد تقريباً الذي يكتسب منها الطفل قيمه وتقاليده وعاداته.

كل ذلك إلى جانب اللغة التي قد يتأثر بها الطفل بشكل عام، والتي قد تنشأ بامتزاج لغة الخادمة أو المربية بلغة المجتمع أو الأسرة، فيصبح لدى الطفل شيئاً من الازدواجية بين ما قد يسمعه من الأم في طريقة المعاملة والمحادثة وما قد يسمعه من الخادمة التي تكون غالباً لغة الخادمة الأصلية مع بعض المفردات المحلية.

المخاطر الجسام

وتؤكد د. منى العيدان أن الواقع يبدو لنا - مع الأسف - جهل أو تجاهل الكثير من الآباء والأمهات لتلك المخاطر الجسام، ومن هنا يبرز دور المختصين من العلماء والمفكرين والمثقفين (التربويين والاجتماعيين والنفسيين) في بيان حجم خطورة هذه المشكلة وكشف الحجاب عنها علمياً بهدف الوعظ والإرشاد من خلال التركيز الإعلامي (المكتوب والمقروء والمسموع) على تفصيل القول في التالي:

1- تنبيه الأسرة إلى الآثار الخطيرة لهؤلاء الخادمات - خاصة غير المسلمات - لما يحملنه من معتقدات دينية فاسدة وسلوكيات أخلاقية منحرفة، خاصة مع ما يصاحب ذلك من مجالسة لهن ومؤانسة ومؤاكلة واطمئنان إليهن وثقة بهن، وفي ذلك موالاة للكافرين ومحبة لهم.. ومما هو معلوم أن موالاة ومحبة الكافر من أعظم الذنوب، ومن التولي المحرم شرعاً والمتوعَّد عليه بعظيم العقوبة وسوء المصير في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (يَأَيُّهاَ الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ)، وإن أعظم الخطر يكون على الأطفال لأنهم يجهلون أمور الدين، فيسهل التأثير عليهم، إما بغرس قيم ومبادئ تخالف الإسلام، أو بتعليمهم طقوس الديانات الباطلة.

والشاهد على ذلك كثير من الحوادث - أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر - قصة الطفل الصغير الذي أتت أمه من عملها مبكرة على غير عادتها لتجده أمام الشمعة، فحاولت أن تكلمه مراراً فلم يجبها، وبعد انقضاء زمن معين أجابها، فلما سألته عن سبب صمته، أجاب: بأنه كان يصلي كما علمته الخادمة المجوسية. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فما هذا سوى هدم ل(لا إله إلا الله)، هدم للتوحيد وإحلال للوثنية محله.

أما القصة الثانية فهي تلك الفتاة التي شوهدت وقد علّقت الصليب على رقبتها، وعندما سُئلت عن ذلك أجابت: إنه هدية من الخادمة التي في بيتهم.

كل ذلك إلى جانب أن مودّتهم والأُنس إليهم، والوثوق بهم والرضا بما هم عليه من منكر، وأعظمه الكفر بالله، يعد مخالفاً لقول الله تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)، وقوله عز وجل - مبيّناً عداوة الكفار للمسلمين وإن أظهروا عكس ذلك-: (كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ).

2- التذكير المستمر بأن تخلي الأبوين عن إصلاح شؤون أبنائهم وانشغالهم عن توجيههم وتربيتهم وإسناد ذلك إلى الخادمات يعد من العوامل الكبرى التي تؤدي إلى انحراف الأبناء وفساد أخلاقهم.

3- التأكيد - بمختلف أشكاله - على أن الأسرة - ممثلة في الوالدين - هي التي تُكْسِبُ الطفلَ قيمهُ فَيعرِف الَحق والباطل، والخير والشر من أول سنوات عمره، حيث تتحددُ عناصر شخصيته، وتتميزُ ملامحُ هويتِهِ في سلوكه وأخلاقه؛ لذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق عائل الأسرة - لا على الخادمة - في تعليمِ أهله وأولاده القيم الرفيعة، والأخلاق الحسنة، وليس التركيز فقط على السعيِ من أجل الرزق والطعام والشراب واللباس.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولة عنهم)، وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم: (ارجعوا إلى أهلِيكم فأقيموا فيهم وعلمُوهم).. وقال ابن القيم - رحمه الله -: (فمن أهملَ تعليمَ ولدِهِ ما ينفعه، وترَكَهَ سدى، فقد أَساء إليه غايةَ الإساءة، وأكثر الأولادِ إِنما جاء فسادُهُم من قِبَلِ الآباءِ وإهمالِهِم لهم، وترك تعليمهم فرائضَ الدينِ وَسُنَنَه، فأضاعوها صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهـم ولم ينفعوا آباءهم كباراً).

وفي الختام أود التأكيد على أن دور الوالدين في رعاية الأبناء هو أقوى دعائم المجتمعِ في تكوين شخصيات الأجيال وتوجيه سلوكياتهمِ، وإعدادهم للمستقبل.. إن الأبناء أداة بناء الحاضر ومَعلَمُ إشراق المستقبل.. فالحذر الحذر من أن نهدمهم بمعول الخادمات.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد