Al Jazirah NewsPaper Sunday  05/07/2009 G Issue 13429
الأحد 12 رجب 1430   العدد  13429
معرفة تركيبة النظام الإيراني لفهم صراع الواقع الانتخابي
محمد بن عيسى كنعان

 

هل تلك التظاهرات الاحتجاجية على نتيجة الانتخابات الرئاسية مؤشر أحمر لخطر حقيقي يهدد النظام الإيراني بالسقوط، أو على الأقل يقوده إلى التغيير الجوهري على المدى القريب؟ أم أن كل ما جرى من أحداث عنف.

واستقطابات بين الأجنحة المتصارعة هي في مصلحة النظام وتعزز - بطريقة غير مباشرة - متانته السياسية لأنها تتفق مع طبيعته الخاصة وتركيبته السياسية المتداخلة؟ إجابات هذه الأسئلة تكمن في معرفة تركيبة النظام وتقاطعها مع التيارات العاملة على الساحة السياسية، لأن هناك كتاباً ومحللين سياسيين قد افترضوا قرب نهاية النظام الإيراني، بل وضعوا سيناريوهات سقوطه على يد ثورة (الحرية)، وهذا برأيي تصور (غير واعي) وقراءة (غير صائبة) للأحداث، لأن تلك المظاهرات والاحتجاجات ليست جديدة في الواقع الإيراني، فسبق أن جرت مثلها وإن كانت أقل حدة كما حدث عام 1999م. وكذلك لأنهم اعتبروا هذه الاحتجاجات ثورة قادمة قياساً ب(الثورات الملونة)، كالتي حدثت في قيرغيزستان (الثورة البنفسجية)، وفي جورجيا (الثورة المخملية)، وفي أوكرانيا (الثورة البرتقالية)، ما يعني أنهم قرؤوا سطح المشهد الإيراني وسط الزفة الإعلامية دون الغوص في أعماقه الاجتماعية وتعقيداته السياسية وخلفياته التاريخية، ففات عليهم أن النظام الإيراني - في الأساس- يختلف عن بقية الأنظمة الجمهورية المعاصرة، بحكم أن طبيعته النظامية (مزدوجة)، فلا يمكن أن تُحدّد هل هو (جمهوري) محض أم (ديني) خالص، لأنه يأخذ الصفتين معاً. فهو نظام جمهوري يحاول أن يُعلي من القيمة الفردية للإنسان، وتأكيد الاستقلال بالرأي وحق الاختيار والمشاركة الوطنية الواسعة، وأن الشعب مصدر السلطات، وأن صناديق الانتخابات هي معيار اختيار الأفضل وغير ذلك من اعتبارات النظام الجمهوري. وهو في الوقت نفسه نظام ثيوقراطي (ديني)، لأن رأس هرم السلطة هو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية (الولي الفقيه حسب التوصيف المذهبي)، الذي يُقرر السياسات العامة التي تمثل أطر السلطات العاملة، كما أنه يملك صلاحيات تتعارض على فلسفة (الفكرة الجمهورية في علم السياسة)، فيحق له عزل رئيس الجمهورية (المنتخب من الشعب)، وله حق تعيين مجالس نافذة في القرار السياسي العام، ويملك حق بدء الحرب أو إعلان السلام لأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة بما في ذلك الحرس الثوري، الذي ينضوي تحت جناحه قوات التعبئة الشعبية (الباسيج) التي تولت التصدي للاحتجاجات. أيضاً يختلف النظام الإيراني عن الأنظمة المعاصرة كون تركيبته السياسية (متداخلة)، من حيث تعدد المجالس الدستورية، وسيطرة القوى عليها، فهناك قيادة الثورة، ومجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس إعادة النظر في الدستور، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الشورى (السلطة التشريعية)، والسلطة القضائية، ورئاسة الجمهورية والحكومة (الوزراء) اللذان يمثلان (السلطة التنفيذية).

يقابل ذلك خريطة الأحزاب السياسية التي تتوزع على ثلاثة تيارات رئيسة هي (التيار المحافظ) المكون من عدة أحزاب وجمعيات يقودها حزبان رئيسان هما: (حزب الائتلاف الإسلامي، ورابطة رجال الدين المناضلين)، إضافة إلى سيطرة هذا التيار على الحرس الثوري وأجهزة المخابرات والرقابة القضائية وأجهزة حماية الثورة. ثم (التيار الإصلاحي) الذي يتكون من 15 حزباً وجمعية سياسية أبرزها: (جمعية رجال الدين المناضلين) التي ينتمي لها الرئيس خاتمي ومهدي كروبي، و(منظمة تعزيز الوحدة الطلابي)، و (حزب كوادر البناء) ومن رموزه هاشمي رافسنجاني، و(جبهة المشاركة الإسلامية، ومجاهدي الثورة الإسلامية)، مع مراعاة أن مفهوم (الإصلاحي) في إيران لا يعني (الليبرالي) كما في المفهوم الغربي، إنما يعني التيار المعتدل أو النفعي في صفوف المحافظين. أما التيار الثالث فهو (التيار المعارض) الذي يعتبر ضعيفاً جداً، لعدم وجود معارضة حقيقية في إيران، لأن أحزاب هذا التيار محظورة بحكم القانون وطبيعة النظام الإسلامي، كالأحزاب الماركسية والليبرالية. فالخميني عندما تولى السلطة عقب الثورة عام 1979م طرح استفتاء شعبياً لاختيار طبيعة النظام السياسي: هل يكون إسلامياً أم علمانياً؟ وبحكم المد الثوري العام والتخلص من إرث حكم الشاه كان الاختيار نظاماً إسلامياً، ولكن هذا لا يلغي أن هناك أحزاب معارضة تعمل مثل حركة إيران (ذات الطرح الليبرالي) القريبة من مواقف التيار الإصلاحي.

بالنظر في تقاطعات أعمال كل هذه المجالس وصلاحياتها مع علاقاتها بالتيارين الرئيسين يتبين مدى التعقيد السياسي في تركيبة النظام الإيراني، فقيادة الثورة التي يرأسها المرشد الأعلى (علي الخامنئي) هي التي تحدد السياسات العامة وتشرف على سير السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، من خلال 2000 ممثل للمرشد يتوزعون في مختلف الوزارات ومؤسسات الدولة والمراكز الثقافية والهيئات الدينية، بينما يقوم مجلس خبراء القيادة (مجلس الخبراء) وهو الهيئة الأساسية في النظام بتعيين وعزل قائد الثورة (المرشد الأعلى) وفق الدستور، ويرأسه هاشمي رافسنجاني بالإنابة، حيث يتألف هذا المجلس من 86 عضواً يمثلون المحافظات الإيرانية، وهم علماء دين وفقهاء مؤهلون يتم تعيينهم بالانتخاب المباشر من الشعب لمدة 8 سنوات، وقد كانت أول دورة لهذا المجلس عام 1982م، ثم هناك مجلس (صيانة الدستور)، الذي يتكون من 12 عضواً (علماء دين) يعينهم مرشد الثورة و(حقوقيين) يعينهم مجلس الشورى وهم مرشحون أصلاً من رئيس السلطة القضائية المعين أساساً من قبل المرشد. و(مجلس صيانة الدستور) له صلاحيات واسعة، فهو المسئول عن تفسير مواد الدستور الإيراني والإشراف على الاستفتاءات الشعبية وانتخابات مجلسي الخبراء والشورى ورئاسة الجمهورية مع الموافقة أو رفض المرشحين، كما أن هناك مجلس (إعادة النظر في الدستور) الذي يتم تشكيله في حال الرغبة في إعادة مواد الدستور. أما مجمع (تشخيص مصلحة النظام) الذي كان يرأسه هاشمي رافسنجاني حتى استقالته في يونيو 2009م بسبب اعتراضه على الانتخابات، فهو الهيئة الاستشارية العليا التي أنشأها الخميني، ويعد أعلى هيئة تحكيم في إيران، والمجمع يتكون من 31 عضواً يمثلون مختلف التيارات السياسية إضافة إلى (3 أعضاء) هم رؤساء السلطات الثلاثة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) وكلهم يعينهم المرشد، لأجل النظر في الخلافات وتداخل الأعمال بين مجلسي صيانة الدستور والشورى الإسلامي، الذي هو (البرلمان) في العرف الغربي، والمتخب أعضاؤه من الشعب. تبقى السلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية وحكومته (الوزراء).

من هذه الفيسفساء السياسية المنقوشة على الخريطة الإيرانية يمكن أن نلحظ ذلك الترابط الوثيق في المصالح بين أقطاب النظام، سواء على مستوى الشخصيات النافذة أو الصلاحيات القائمة او التيارات الفاعلة، وبالتالي يعكس التماسك الذي يمنع السقوط ويحصر الصراع تحت مظلة الثورة، خاصة إذا عرفنا أن كل شخصيات النظام الإيراني (محافظون) لهم مرجعية واحدة، فهم أبناء الثورة، ولكن يختلفون من حيث الرؤية السياسية للحياة الإيرانية داخلياً وخارجياً، لذا فالخلاف بين (موسوي ونجاد) هو خلاف أفكار ورؤى على طريقة الحياة وليس على وجود النظام. فالمرشح مير موسوي الذي اندلعت الاحتجاجات بسبب خسارته الانتخابات هو سياسي عريق وابن حقيقي للنظام الإيراني ومن أبرز شخصيات الثورة الإيرانية، فقد كان مدير المكتب السياسي لأكبر تجمع لأنصار الخميني (حزب الجمهورية الإسلامية)، لذا تولى رئاسة الوزراء لثماني سنوات (1981 - 1989م) في حياة الخميني الذي كان المرشد الأعلى، وكان علي الخامئني (المرشد الحالي) رئيس الجمهورية آنذاك. فإن كان البعض يرون في موسوي وتياره تجسيداً (للمعارضة)، فهي (معارضة داخل النظام الإيراني) وليس من خارجه، ولأن للموسوي أهدافاً إستراتيجية يراها تخدم إيران (الثورة والدولة) كإصلاح النظام وتكريس القيم الجمهورية فيه، فقد عاد إلى العمل السياسي الذي تركه عام 1989م، بالترشح لرئاسة الجمهورية، وهنا يمكن أن نستعيد صراع الأمس بين (موسوي والخامنئي) في عهد الخميني، من خلال صراع اليوم بين (موسوي ونجاد) المقرب من الخامنئي، في ظل وجود شخصيات أخرى كالرجل القوي هاشمي رافسنجاني، والمستنير خاتمي واليزدي وغيرهم.



Kanaan999@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد