Al Jazirah NewsPaper Sunday  05/07/2009 G Issue 13429
الأحد 12 رجب 1430   العدد  13429
الأهلة.. ملف ساخن بانتظار الحسم
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

كشف وزير العدل الدكتور: محمد العيسى، لصحيفة الشرق الأوسط يوم الثلاثاء، الموافق: 3 5 1430 هـ، في عددها رقم (11109).. عن انتقال مسؤولية إثبات الرؤية الشرعية للهلال إلى المحكمة العليا، بحسب الآلية التنفيذية لنظام القضاء الجديد، باعتبارها رأس الهرم القضائي، وخليفة الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى المعنية سابقا بهذا الأمر..

وبهذا الانتقال تكون المحكمة العليا مسؤولة عن هذا الملف المثير للجدل على مدى سنوات طويلة ماضية.

ولا يشك عاقل أن أحوال المسلمين في العصر الذي نعيشه قد تغيَّرت كثيراً وبصورة هائلة، فالعلم يتطور، والاكتشافات المذهلة في الطب والهندسة وعلوم الذرة والطاقة، وغيرها من العلوم التجريبية في تقدم مذهل.

ومن ذلك: علوم الفضاء والفلك، ومعرفة حقائق الكون ودقائقه، وحركة الأفلاك والنجوم، ونتائجها بلا شك قطعية.. وهو ما أشار إليه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله عند شرح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب...). فقال رحمه الله: (الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء معللاً بعلة منصوصة، وهي: أن الأمة أمية لا تكتب ولا تحسب، والعلة تدور مع المعلول وجوداً وعدماً. فإذا خرجت الأمة عن أميتها وصارت تكتب وتحسب، أعني صارت في مجموعها ممن يعرف هذه العلوم، وأمكن الناس خاصتهم وعامتهم أن يصلوا إلى اليقين والقطع في حساب أول الشهر، وأمكن أن يثقوا بهذا الحساب ثقتهم بالرؤية، أو أقوى وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت، وأن يأخذوا في إثبات الأهلة بالحساب).

وكنت قد بيَّنت في مقالات سابقة أقوال أهل العلم رحمهم الله عن احتمالات رؤية ما يشبه الهلال وهو ليس هلالاً.. وذكرت أن أقرب هذه الاحتمالات، هو: رؤية الهلال قبل ولادته، وهي رؤية انعكاسية في الأفق خلف الشمس، وليست رؤية حقيقية، لأن الهلال أمام الشمس لم يلد بعد.

وقد فسر الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع حفظه الله هذه الحالة، بما يلي: (من المعلوم للجميع بالمشاهدة أن الهلال يكون ناقص الاستدارة ومقوساً حتى ليلة تمام القمر يوم خمسة عشر، وفي ليالي هذه الأيام أي في النصف الأول من الشهر يكون نقص الاستدارة فتحة القوس من الشرق.. وفي النصف الثاني من الشهر ينعكس الأمر فتكون فتحة التقويس إلى الغرب وتكون استدارة التقويس إلى الشرق.. ويمكن استخدام هذه الظاهرة الكونية في معرفة الغرب والشرق إذا كان الإنسان في البر في الليل واختلف عليه تعيين القبلة للصلاة.. فبمعرفته الجهة يستطيع معرفة القبلة.. فمتى وجدت حالة رؤية الهلال قبل ولادته فهذه حالة انعكاس أفقي للهلال وهو متقدم على الشمس.. ولهذا سيكون وضع الهلال بالنسبة للتقويس وفتحة التقويس هو وضعه في النصف الأخير من الشهر... وتعليل هذه الظاهرة أن تقويس القمر دائماً يكون إلى قربه من الشمس سواء أكان أول الشهر أو آخره.. ولو وجدت مناقشة لمدّعي الرؤية ومنها أين قرنا الهلال؟ هل هما إلى الشرق أم إلى الغرب؟ لظهرت حقيقة هذه الرؤية هل هي انعكاس أم حقيقة؟ فإن كان قرناه إلى الشرق فهي رؤية حقيقية، وإن كان قرناه إلى الغرب فهي رؤية انعكاسية.. وهذا جواب عن هذا الإيراد وتفسير لهذه الظاهرة من أن الهلال قد يرى من بعد غروب الشمس والحال أنه لم يلد بعد فهذه رؤية سرابية لا رؤية حقيقية، والله أعلم).

إن اعتبار عدالة الشاهد شرط في قبول الشهادة، هذا صحيح.. لكن لا بد أن تكون هذه الشهادة منفكة عما يكذبها حساً وعقلاً، حتى يتم قبول الشهادة. فإذا قرر علماء الفلك، مثلاً: أن القمر يغيب قبل الشمس، وجاء من يدّعي الرؤية فيجب ردها، لأن الشرط الثاني غير متحقق، وهو انفكاكها عما يكذبها حساً وعقلاً.

وحول هذا المعنى أي إثبات دخول الشهر وخروجه على اعتبار الحساب في حال نفي الحساب رؤية الهلال لغروبه قبل الشمس يؤكد جمع من أهل العلم رحمهم الله ذلك.. قال الشربيني رحمه الله: (لو شهد برؤية الهلال واحد أو اثنان، واقتضى الحساب عدم إمكان رؤيته.. قال السبكي: لا تُقبل هذه الشهادة، لأن الحساب قطعي والشهادة ظنية، والظني لا يعارض القطعي).. وقال تقي الدين السبكي رحمه الله : (إن الحساب إذا دل بمقدمات قطعية على عدم إمكان رؤية الهلال لم يقبل فيه شهادة الشهود، وتحمل على الكذب أو الخطأ.. لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان، والظن لا يعارض القطع، فضلاً عن أن يقدم عليه.. والبينة شرطها أن تكون ما شهدت به ممكناً حساً وعقلاً وشرعاً).. وقال الشيخ مصطفى الزرقاء: (فإذا ورد النص معللاً بعلة جاءت معه من مصدره، فإن الأمر يختلف ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص وارتباط الحكم وجوداً وعدماً في التطبيق).. وقال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (قد كان للأستاذ الأكبر الشيخ المراغي منذ أكثر من عشر سنين، حين كان رئيس المحكمة الشرعية رأي في رد شهادة الشهود إذا كان الحساب يقطع بعدم إمكان الرؤية، كالرأي الذي نقلته هنا عن تقي الدين السبكي.. وأثار رأيه هذا جدلاً شديداً، وكان والدي وكنت أنا وبعض إخواني ممن خالف الأستاذ الأكبر في رأيه.. ولكني أصرح الآن بأنه كان على صواب، وأزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب في كل الأحوال إلا لمن استعصى عليه العلم به.. وما كان قول هذا بدعاً من الأقوال أن يختلف الحكم باختلاف أحوال المكلفين، فإن هذا في الشريعة كثير, يعرفه أهل العلم وغيرهم).

يتبيَّن مما سبق من كلام أهل العلم رحمهم الله ضرورة الأخذ بالرؤية الشرعية والحساب الفلكي في تحديد بدايات الشهور القمرية.. وأن نأخذ بعلم الفلك في النفي دون الإثبات، وذلك جمعاً بين النصوص الشرعية والاستفادة من علم الفلك.

وما يُشاع عند بعض الناس أن علماء الفلك مختلفون فيما بينهم، فهذا ليس صحيحاً على إطلاقه.. فعلماء الفلك مجمعون على تحديد وقت اقتران القمر بالشمس بالنسبة للرائي من الأرض، كما أنهم مجمعون على تحديد وقت ولادة الهلال، ولا يختلفون في معرفة غروب الشمس قبل القمر أو غروب القمر قبل الشمس بالساعة والدقيقة في أي مكان من الأرض كما بيَّن ذلك الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع حفظه الله حيث أوضح: (أن الاختلاف بين علماء الفلك في أمرين اثنين فقط، أحدهما: في حال الاتفاق على ولادة الهلال قبل غروب الشمس، وغروب الشمس قبل القمر.. فإن علماء الفلك مختلفون في إمكان الرؤية من حيث اختلافهم في تقدير درجة الزاوية الأفقية للهلال، ومن حيث درجة بُعده عن الشمس، ومن حيث الزمن بين الولادة ووقت الترائي.. وهذا الاختلاف لا تعلُّق له بولادة الهلال، ولا بغروب الشمس قبل القمر أو بعده.. والذي يظهر لي صرف النظر عن مسألة إمكان الرؤية، فطالما أن الهلال مولود وأن الشمس غربت قبل، فيجب الأخذ بأي رؤية تثبت.. سواء أكانت رؤية بالعين المجردة، أم كانت رؤية بواسطة المكبر، لأنها رؤية ممكنة منفكة عما يكذبها.. الثاني: الاختلاف في تعيين الوقت الذي يبدأ فيه ليل أول يوم من الشهر أو ينتهي به ليل آخر يوم من الشهر.. توضيح ذلك: أن غالب الفلكيين في العالم يعتبرون المقياس التوقيتي ساعة جرينتش، فيقولون: إذا ولد الهلال قبل الساعة الثانية عشرة مساءً بتوقيت جرينتش، فإن هذه الليلة هي ليلة أول يوم من الشهر التالي.. وإذا كانت ولادة الهلال بعد الثانية عشرة مساءً بتوقيت جرينتش، فإن هذه الليلة هي ليلة آخر يوم من الشهر الحالي.. والمملكة حرسها الله أصدرت قراراً من مجلس الوزراء باعتبار مكة المكرمة مركز التوقيت.. فمتى غربت الشمس قبل غروب القمر، فإن الليلة بعد غروبه تعتبر ليلة أول يوم من الشهر التالي.. وإن غرب القمر قبل الشمس فإن الليلة بعد غروب الشمس تُعتبر ليلة آخر يوم من الشهر.. ولا شك أن قرار مجلس الوزراء قرار متقيد بالمقتضى الشرعي بأن أول اليوم ليلته.. وقد أخذت بهذا القرار لجنة تقويم أم القرى في جميع تقاويمها لكل سنة.. ومن خلال تطبيق هذا الاصطلاح من الطرفين المختلفين في تحديد الوقت، يتضح وجه الاختلاف، وأنه لا علاقة له بتحديد وقت الاقتران، ولا وقت الولادة ولا الاتفاق على تحديد وقت غروب القمر ووقت غروب الشمس من مكان الترائي).

وكعادته كل عام، ينتقد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلي، احتفال المسلمين عبر العالم بعيد الفطر في مواعيد مختلفة.. معتبراً أن اختلاف تاريخ الاحتفال بعيد الفطر السعيد بين أقطار العالم الإسلامي، لا يعكس الوحدة المنشودة في المشاعر والمواقف، ورأى أن هذا الوضع يمثل التشرذم والتشتت والفرقة، ويحدث بلبلة في الرأي العام، فضلاً عن أنه لا يُشكل مظهراً حضارياً.. في الوقت الذي تيسرت فيه السبل بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي، من أجل تحديد المناسبات الدينية التي تجمع المسلمين.

وما حدث من إشكال في ثبوت هلال شوال العام قبل الماضي 1428 هـ، مساء الخميس ليلة الجمعة، حين غرب الهلال قبل غروب الشمس بدقيقة، وذلك في آخر موقع في السعودية، وهو مكة المكرمة، وقيل بأن الهلال رؤي مع أنه ليس موجوداً في الأفق.. هو نفس الإشكال تكرر العام الماضي، حين غرب القمر مساء الاثنين الموافق 29 رمضان، الساعة السادسة وأربع دقائق، وغربت الشمس بعده الساعة السادسة واثنتي عشرة دقيقة، والفرق بين غروب الشمس وغروب القمر قبلها ثماني دقائق، فقيل بأن الهلال رؤي مع أنه ليس موجوداً في الأفق.. وهو ما استغربه الدكتور عبد العزيز الشمري عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك خلال مهاتفتي إياه، فأخبرني: أن الفلكيين لم يستطيعوا رؤية هلال شوال يوم الاثنين من خلال التليسكوب في مواقع مختلفة في السعودية.. مؤكداً لي أن المراصد الفلكية في المدينة المنورة، هي الوحيدة التي تمكنت من رؤية الهلال مغرب الثلاثاء الموافق 30 رمضان، وبصعوبة على ارتفاع خمس درجات.. فكيف يستطيع مواطنون رؤية هلال شوال يوم الإثنين الموافق 29 رمضان بالعين المجردة وتسجيل شهاداتهم، في حين أن أجهزة التليسكوب التي وزعتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على مواقع مختلفة في السعودية، لم تتمكن من رؤية الهلال ذلك اليوم؟.

الحقيقة أن تلك الإشكالية أجاب عنها جمع من العلماء قديماً وحديثاً منهم سماحة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع حفظه الله حين قال: ويمكن الإجابة عن هذا بما يلي:

1 يحتمل أن يكون المرئي نجماً، أو كوكباً قريباً من الشمس في حجم نقطة تظن هلالاً كعطارد، أو المشتري، أو زحل.. ويذكر لنا أن أخوين في عهد قضاء الشيخ علي بن عيسى رحمه الله في الوشم، تقدما إلى فضيلته بالشهادة برؤية هلال شوال، وحينما ناقشهما رحمه الله عن الهلال وصفته وموقعه من الشمس وبعده عنها واتجاه قرنيه، ظهر له من ذلك عدم دقتهما في الوصف والرؤية، فقال: لعلكما رأيتما نجمة؟. فقالا: نعم، لعلها نجمة.. فرد شهادتهما.

2 يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة، أو مركبة فضائية، أو قمر صناعي.

3 يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة، أو سحابة، أو سراب.

4 يحتمل أن تكون حالة نفسية، حيث إن المتحري يُخيّل إليه شيء فيعتقده حقيقة.

5 يحتمل الكذب في ذلك، وهذا أبعد الاحتمالات إلا أنه قد يقع.

6 هناك احتمال يتعلق بحالة للهلال في شهر واحد من شهور العام وقد سبقت الإشارة إليه، وهذا وقت تفصيله:

قد يرى الهلال قبل ولادته، إلا أن هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية للهلال، وإنما هي رؤية لانعكاسه في الأفق خلف الشمس، والحال أنه أمام الشمس لم يلد بعد.. وهذه الحال قد يحتج بها على مخالفة القول بأن ولادة الهلال قطعية.

وحول الرؤية الوهمية للهلال، أوضح الشكري أنه يُوجد في علم النفس، ما يطلق عليه: (سلوك حواس البني آدم).. وهي: حالة تجعل الشخص يتهيأ له رؤية الشيء الذي ينتظره بشغف، سواء كان الأمر يتعلق برؤية الهلال، أو غيره من الأشياء التي يترقبها الإنسان، خصوصاً أن الأحوال والظواهر الفلكية تساهم في زيادة هذه الحالة لدى الشخص الذي يرغب في رؤية هلال شهر رمضان، لكونه مهيأ نفسياً لهذا الأمر، مما ينتج عنه لبس لدى البعض في صحة مشاهدتهم لهلال رمضان من عدمها.

إن الجمع بين رؤية الهلال مباشرة عن طريق الرؤية بالعين المجردة، أو عن طريق الرؤية بواسطة آلة تكبير من مرصد فلكي، أو غيره.. مع أخذ الاعتبار لرأي الهيئات العلمية، التي لديها علماء ومختصون في علوم الفضاء والفلك سيكون سبباً في تضييق دائرة الخلاف والتفرق والتشتت، وسيعكس وحدة المسلمين ولا شك.. لا سيما وأن علم الفلك اليوم، علم كوني معتمد على نظريات كونية، وحسابات دقيقة، نتائجها بلا شك قطعية، لا يتعارض مع النصوص الشرعية، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

العجيب في الأمر أنني اطلعت على لائحة نظامية تنظم عملية الرؤية، تحمل مسمى: (لائحة تحري رؤية هلال أول الشهور الهجرية).. صدرت بتاريخ 22 8 1418 هـ، ونشرت اللائحة في جريدة أم القرى، بالعدد رقم (3790) بتاريخ 16 1 1421 هـ.. وهو ما أشار إليه الأستاذ عبدالرحمن آل الشيخ، في إحدى مقالاته.. وقد جاء في اللائحة: أن المعتمد في دخول الشهر وخروجه، الرؤية الشرعية حسب ما قرره مجلس هيئة كبار العلماء.. وأن تقوم وزارة الداخلية بتكوين لجنة أو أكثر حسب الحاجة في المناطق التي تكون مظنة لرؤية الهلال، تسمى: (لجنة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية).. وتتكون هذه اللجنة من مندوبين من الإمارة، ومن أحد طلبة العلم من غير القضاة ترشحه المحكمة، ومن مندوب من قبل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وعلى اللجنة أن تستعين بمن تراه من المعروفين بحدة البصر.. وأن تتولى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إعداد جداول سنوية، أو أكثر, توضح مواعيد الاقتران (مولد الهلال) شهرياً، ومواعيد شروق الشمس والقمر وغروبهما، وموقع الهلال وشكله في ليالي مظنة رؤيته، ويتم إرسالها إلى وزارتي الداخلية والعدل لتوزيعها على الجهات المختصة.. والسؤال هنا: متى سيتم تفعيل مواد هذه اللائحة؟.

إن جاز لي أن أختم بشيء فهي الإشارة إلى سبب الإشكال في موضوع الأهلة، الذي يتكرر في كل عام، لا سيما تلك الشهور المرتبطة بالعبادات.. وعدم الاعتبار لرأي الهيئات العلمية التي لديها علماء ومختصون في علم الفلك وحقائق الكون ودقائقه.. هو ما أوضحه سماحة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع حفظه الله بأن السبب، هو: (عدم الاعتراف للآخرين بحق القول، والركون إلى تزكية النفس، وعدم اتهام الرأي، والبعد عن مبدأ التحقق والتثبت والتواصي بالحق، من حيث البحث عنه.. فمتى تنازلنا عن دعوة صحة توجهنا، وعملنا بقوله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)، وبقوله تعالى: (فَتَبَيَّنُواْ).. إذا تم منا ذلك، واجتمعنا بعلماء الفلك، واستمعنا إلى ما لديهم، وطرحنا أمامهم إشكالاتنا، وتبادلنا معهم القول، أمكننا أن نصل إلى ما يقضي على مشكلة الرؤية للهلال).

ولذا ليس غريباً أن يخرج علينا أستاذ الفقه في كلية الشريعة، التابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور صالح الهليل، خلال: (الدورة الشرعية الفلكية الأولى).. وهو ما نشرته صحيفة الحياة، يوم الاثنين، الموافق: 12 3 1430 هـ، في عددها، رقم (16775)، مؤكداً على أن: علماء الشريعة ليسوا ملزمين بالحسابات الفلكية لتحديد بدايات الشهور، منتقداً بعض الشرعيين الذين ينهجون بالإشادة بعلم الفلك، ويعتبرونه علماً قطعياً، ويأمرون بالأخذ به.. وأننا لن نصل إلى اتفاق، لأن المشارب مختلفة والقناعات مختلفة، ولن نصل إلى اتفاق في قضية قبول الحساب في النفي، ولن نخرج بوصايا متفق عليها لاختلافنا.

كم أتمنى أن يتفق أهل الحل والعقد في بلادنا لدراسة هذه المسألة المهمة، وردم هوة الخلاف المسكونة سلفاً ببعض التوجس والمآخذ المتبادلة، وإيجاد الحلول بين علماء الشرع وعلماء الفلك، والانتهاء إلى نقاط التقاء متحدة الرأي، والاعتراف بعلم الفلك ونظرياته ونتائجه وبين النصوص الشرعية، من أجل الاعتداد بالرؤية الشرعية، ولا سيما تلك الشهور المرتبطة بالعبادات، كشهر رمضان وشهري ذي الحجة ومحرم وغيرها من الشهور، وتقريب وجهات النظر إزاء ملف الرؤية الشرعية للهلال.. فالعصر الحديث والحساب الفلكي الدقيق أفرزا وسيلة قوية لإثبات الشهور القمرية، وأوقات ولادة الهلال وغروبه، وطريقة إمكان رؤيته.. فهل نحن فاعلون؟.



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد