Al Jazirah NewsPaper Monday  06/07/2009 G Issue 13430
الأثنين 13 رجب 1430   العدد  13430

بين آدم سميث وحاتم الطائي!
ماجد بن ناصر العُمري

 

إن التأمل العميق لواقع أمتنا ومشكلاتها يفضي بنا إلى وجود (أزمة فكر وأزمة قيادة)، ومن مشكلاتنا الفكرية هي وجود هجين عجيب ما بين الفكر الغربي الرأسمالي والفكر العربي الجاهلي (فضلاً عن الفكر الإسلامي طبعاً)

وأقصد بذلك الكرم الغذائي أو (الظاهرة الغذائية) كما يصفها القصيبي. ولنا أن نتأمل في بيتي حاتم الطائي:

أوقِد فإن الليلَ ليلٌ قَرُّ

والريح يامُوقِدُ ريحٌ صِرُّ

عسى يرى نارَكَ مَن يمُرُّ

إن جلبتَ ضيفاً فأنتَ حُرُّ!

بينما يقول آدم سميث: إن من أهم قواعد الرأسمالية (البحث عن الربح بشتى الطرق ولا يهم من القوانين الأخلاقية إلا ما يحقق المنفعة الاقتصادية!).

ولنتأمل (تصرفاتنا وأقوالنا) من ناحية إكرام الآخرين على حساب ما هو أهم، فكم منا من يهمل عمله أو أسرته لأجل المجاملات؟ فالكثيرون منا قد تأثروا بالشعر العربي المكثِّف لقضية الكرم عبر (الضيافة) ومنها بيت حاتم الطائي:

وإني لعبدُ الضيف، مادامَ ثاوياً

وما فيَّ، إلا تلكَ، من شيمةِ العبدِ

والتي أدت إلى اقتصار الكرم على نطاق ضيِّق، فهل الكريم هو الموظف الذي يصيح بوجه المراجع ليذهب لضيفه تاركاً عمله؟! أو من يسرّب معلومةً سريةً من عمله عن مشروع أو نظام؟ أو الذين يمنحون توصيات الأسهم وهم لايفقهون في الاقتصاد كنوع من التوصيات الحاتمية التداولية؟!

فأين الذوق والأدب، والإصلاح والشفاعة، أين كرم المعرفة، وقبل ذلك الأوقاف والصدقات المؤسسية التي تحوِّل المحتاج إلى رَبّ عمل، إن هذا لهو الكرم.

ولنتساءل عن ضياع أوقاتنا في المجاملات والتي من المفترض أن تُمنح لأنفسنا واقتصادنا وبلادنا، كما أن لدينا في المجتمع ممن لا يبتسم أحدهم إلا إذا كان يخطط على ما بجيب الآخر أو على منصبه أو علاقاته، والمتأمل بعمق في أفكار (كارنيجي) سيكتشف أن حقيقة ما يرمي إليه (ساعِد الآخرين، وابتسم لهم، وطبطب عليهم، لكي تمتص دمهم بأكبر درجة ممكنة!) والمفترض بنا أن نكون في الوسط، وننهل من حضارتنا الإسلامية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان أكرم الأكرمين، وقد أثنى على حاتم، ولكنه قدَّم من خلال أفعاله وأقواله نماذج ومنهجاً وسطياً للتمييز بين المهم والأهم، بين الشفاعة والإطعام، وإعطاء الفأس للفقير ليحتطب، وتقديم العلم والمعرفة، وكرم الابتسام، والدين المعاملة، وأهمية الوقت، وعمارة الأرض، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا قامت الساعة وبيدِ أحدكم فسيلة فليغرسها): فلو مارسَ كل إنسان منا عملَه على أكمل وجه، مستثمراً وقته بما ينفعه وينفع الناس، ممارساً الكرم الحق لعُدنا إلى العالم الأول كما كان أسلافنا الأولون قادةً للعالم.

كاتب ورجل أعمال

majed@alomari.com.sa

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد