Al Jazirah NewsPaper Wednesday  08/07/2009 G Issue 13432
الاربعاء 15 رجب 1430   العدد  13432
وتاليتها
د. هند بنت ماجد الخثيلة

 

رغماً عنا تعودنا أن نرى المتسولين في شوارعنا وعلى إشارات مرورنا وعلى أبواب بيوتنا، بل قد يصل الأمر أحياناً إلى أن نراهم يطوقون سياراتنا فلا نعرف إلى مَن ننظر ولمَن نستمع.

ومع أن الكثيرين قد نادوا بالعمل على إيقاف هذه الظاهرة غير الحضارية، وغير المبررة في كثيرٍ من الأحيان، ومع أن العديد من النداءات قد صدرت عن مسؤولينا وعن الحريصين على رقي بيئتنا وإنسانيتها إلا أننا كما أسلفت قد اعتدنا مرغمين على هذه المناظر المؤلمة.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فبدأنا نرى حالات متطورة من التسول، لا تقف عند حد (المعاريض) ولا تعتمد على السرد القصصي المكرر، لكنها ابتكرت لغة جديدة ودراما جديدة من الصعب أن نعد أن أصحابها من المتسولين، حيث يبدون بما يقدمونه من عروض تمثيلية وكأنهم يرفعون صرخةً، أو ينبهون غافلاً عنهم.

منذ أيام كنا نجلس في صالة انتظار النساء في إحدى العيادات الصحية، يشكي كل إلى جاره ألمه، ويتناقشون الصحة والحياة، بينما كان بعضهم يتابع التلفاز حين قطع كل ذلك صوت جهوري صدر عن امرأة دخلت لتوها إلى صالة الانتظار.

بعد مقدمة مدروسة بعناية، ومحكية بنبرة مدربة وبلا تطويل قالت: لست متسولة، وعزة نفسي اسمى من كل المال، ولو أن الأمر كان متعلقاً بي لقبلت الموت قبل أن أتلفظ بما أقوله الآن، لكنها فلذة الكبد أيتها الأخوات التي تتهاوى أمامها عزة النفوس، بل وترخص الدموع والعيون.

ابني يا أخواتي يعاني مرضاً عضالاً ويكلف دواؤه 700 ريال سبعمئة ريال شهرياً، ووالله العظيم لا أملك من حطام الدنيا شيئاً لشرائه، كان العرض فصيحاً ومؤثراً وامتدت بعض الأيدي إلى (المحافظ) ثم انتظرت صاحباتها حين قالت: سيدة ما أدرانا أن ابنك مريض؟ وما مرضه؟ وأين هو؟ ردت المرأة بثبات: (كيف لي أن أحمله وهو في الخامسة عشرة من عمره؟ أما ما أدراك أنه مريض، فإن أمامك أمرين الأول ان أقسم لك بالله العظيم على صدق ما أقول، والثاني أن تتبعي حاسة الإنسانية في قلبك فهي الكافية لتدلك على الحقيقة).

سهلت بعض الأيدي طريقها إلى المحافظ وعادت بما قسمه الله، فتناولته، وغابت عن المسرح المحزن.

مر أسبوع ساقتني المصادفة بعده إلى مستشفى آخر، وبينما كنت في غرفة الانتظار أيقظني ذلك الصوت الجهوري من غفلتي، وبدأت المقدمة ذاتها استمعتُ إلى جديد في بعض العبارات، لكن الذي لفت انتباهي أكثر أن المريض في هذه المرة ابنة في التاسعة من عمرها، أما ثمن الدواء هذه المرة فكان ألفاً ومئة ريال.

وتاليتها!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد