Al Jazirah NewsPaper Wednesday  15/07/2009 G Issue 13439
الاربعاء 22 رجب 1430   العدد  13439
مطر الكلمات
ومن العنصرية ما قتل
سمر المقرن

 

خبر مقتل مروة الشربيني - رحمها الله - التي ودعتها مصر إلى حيث مثواها الأخير الأسبوع الفائت، بعد أن لقيت مصرعها على يد متطرف ألماني نتيجة مشادة بدأت بينهما بسبب أرجوحة أطفال في إحدى الحدائق العامة فنعتها ب(الإرهابية).

لم يكن حدثاً مفاجئاً بالنسبة لي، أو لمن هو متابع للأحداث التي يكون أحد أطرافها عربياً أو مسلماً في دولة أوروبية, فالعنصرية في أوروبا تجاوزت المضايقات الصغيرة والصراخ في الوجه والضرب ووصلت لمرحلة إراقة الدم والقتل وهذا مؤشر خطير جدا لا بد من التعاطي معه ودراسته وتحليله وإيجاد الحلول له. لكيلا أعمم الممارسة العنصرية على جميع الدول الأوروبية، ففي بريطانيا المشهورة بعنصرية مواطنيها - كما يقال - لم أشهد (شخصيا) أي فعل عنصري خلال زياراتي المتكررة لها، بل لاحظت اتجاه البريطانيين في توظيف الفتيات المسلمات، حتى صارت لا تخلو محلات شارع الأكسفورد مثلا من وجود مسلمات ومحجبات يعملن فيها، وأتذكر أني تحدثت لعدد من هؤلاء الفتيات وأخبرنني أن إدارة المحلات التي يعملن بها تمنحهن وقتاً للراحة في أوقات الصلاة.

أعود إلى ألمانيا تحديداً، فإن كان ما حدث فيها تصرفات فردية وعلى أيدي شباب قاصرين أو أشخاص غير أسوياء, لكنها تحدث وليست نادرة الحدوث. فقد عايشت بنفسي حكاية سيدة سعودية محجبة قبل حوالي ثلاث سنوات تعرضت للضرب والتوبيخ في مطار ميونخ الألماني، وكتبت عنها وأجريت معها عدة حوارات وصارت قصتها رأياً عاماً ليس على صعيد الساحة السعودية فحسب، بل على الصعيد العربي والإسلامي بعد أن تناقلت وكالات الأنباء العالمية هذه القصة، صحيح أن السفارة السعودية والجهات المعنية قامت بواجبها على أكمل وجه، وتم التحقيق في هذا الموضوع الذي تم البت فيه بفصل الموظف في مدة لم تتجاوز أسبوعين من نشر القضية، نعم هناك اهتمام من الجهات الرسمية الألمانية، لكن في الوقت ذاته هناك تمييز عنصري ونظرة دونية ضدنا، وهذه تحتاج إلى معالجة شاملة إن كانت الحكومة جادة في محاولاتها للحد من هذه الآفة الخطيرة، خصوصاً وأن الإحصائيات الأخيرة قد أوضحت بأن عدد المسلمين في ألمانيا يزيد على أربعة ملايين نسمة، مما يشكل ما نسبته 5% من عدد السكان.

في السياق ذاته، أود الحديث عن رسالة وصلتني من أحد القراء العرب الذي يدرس الهندسة الحيوية في ألمانيا وأهله يعيشون في السعودية، كانت رسالة مقززة بكل تفاصيلها، فهو يعترض على كافة أنظمتنا ولم يخجل من إظهار كرهه لبلادنا مع أن والديه وأسرته يعيشون بيننا ولم يحصل على فرصة الدراسة في الخارج إلا من خيرات بلادنا ولعل المثل السائد ينطبق على المذكور (مأكولين مذمومين) هذا المرسل يقارن بيننا وبين ألمانيا ويتهمنا بالعنصرية، ولعله وهو القابع هناك أن يعيش العنصرية بنفسه وقد يصله الدور بعد مقتل الشربيني، فهذا ليس ببعيد على بلد فيها من تتطاير منه العنصرية شراً، حقيقة لا أدري كيف أصف مثل هذا الجحود، فمثل هذا يجحد نعم الله قبل جحوده لِنعم البلاد التي ما زال يعيش فيها أهله معززين مكرمين، يجمعون الأموال التي يدرس بها ومنها سيصير مهندساً. لن أطيل الحديث حول هذا الغثاء، لكني أوردته نموذجا، ويبقى القول أن المسلمين الذي يعيشون في أوروبا هم أيضاً يتحملون جزءاً كبيراً من المسئولية ولا بد لهم من الحرص على نقل صورة الإسلام الجميلة فواجب المسلمين أن ينقلوا الصورة الحسنة والقدوة الجميلة وألا يلتفتوا للأصوات الناعقة التي تدعو للإرهاب والقتل والتخريب, فهؤلاء برغم أنهم قلة قليلة من المجانين والمرضى النفسيين وأفراد لهم تاريخ إجرامي, إلا أنهم استطاعوا أن يفسدوا حياة مجتمع كامل من العائلات المسلمة التي استقرت في أوروبا طلبا للدراسة أو العمل الشريف وأصبح كل هؤلاء المسلمين الطيبين من الباحثين عن السلام في قفص الاتهام المجتمعي والسياسي فالكل ينظر لهم بعين الريبة والشك ويتوقع منهم كل شر, فمن يجلس في الباص ينظر للمسلم وكأنه يحمل حزاماً ناسفاً يخفيه تحت قميصه ومن يجلس في مطعم ينتابه الفزع أن ينفجر المطعم بمجرد أن يرى مسلماً يأكل إلى جواره.

الأصوات المعتدلة من الطرفين من مسلمين وأوربيين خصوصا أولئك المنخرطين في المنظمات الحقوقية بذلوا جهودا جبارة وما زالوا يبذلون لتخفيف حدة الاحتقان وتطبيع العلاقة بين مسلمي ومسيحيي أوروبا لأن السلام هو الحل الوحيد ومن لا يقبل بالسلم الاجتماعي لا بد أن ينجرف لنهاية سيئة, وأعتقد أنه من واجبنا المساهمة في مثل هذه النشاطات حتى عندنا وفي مجتمعاتنا ولنتحدث عن طبيعة نظرتنا للأجانب ونظرة الأجانب لنا وكيف يمكن أن نقرب بين وجهات النظر, بهذه الطريقة يمكننا أن نكافح العنصرية ونقلص أماكن تواجدها ونشارك في خلق السلم الاجتماعي العالمي.

www.salmogren.net



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد