Al Jazirah NewsPaper Friday  17/07/2009 G Issue 13441
الجمعة 24 رجب 1430   العدد  13441
مركاز
هواء معلب!
حسين علي حسين

 

عندما دخل نظام التكييف المركزي إلى المدن الصحراوية، بات المعماري المهتم بوسائل التهوية في العقارات، يلحظ اختفاء تدريجيا للنوافذ، حتى أن الغرف الداخلية الخالية من النوافذ في المجمعات السكنية باتت ملحوظة، فالكهرباء تقوم بالإنارة ليلاً ونهاراً، وهي أيضاً تقوم بطرد الهواء الفاسد وضخ الهواء النقي، حتى تحول ساكن الغرفة الداخلية إلى ما يشبه سجين الزنزانة، الفرق أن سجين الزنزانة يخدم من خلال كوة ضيقة في باب الغرفة المغلقة، أما ساكن الغرفة فإنه يتحرك من خلال باب الغرفة، لكن يجمعهما أن لا أحداً منهما بإمكانه الاطلاع على العالم الخارجي أو الفناء من خلال النافذة، هذه حقيقة مؤلمة، يقال إن التكنولوجيا فرضتها، وهي التي جعلت المجال رحبا أمام المعماري لخلق عشرات الغرف، منها ما يطل على مناور ومنها ما يطل على الحديقة ومنها ما يطل على الخارج وهي قليلة، فحتى النافذة التي تطل على الخارج عند المعماري الذي كانت له خبرة بالصحراء، باتت مثل نافذة الزنزانة، ضيقة ومستطيلة وقد لا تفتح إطلاقاً، إنها لانعكاس الشمس أو الضوء فقط، وليست لتحريك الهواء، أو لحم هواء التكييف بهواء الشارع!

وفي ظل محاربة الشمس والضوء الطبيعي، أصبح ساكن المدن الصحراوية التي تتميز بحرها وبردها الشديدين، يلجأ لوضع الزجاج الدبل والعاكس أو الحاجب للضوء وللصورة، فلا يرى من بالخارج من بالداخل، وأمام هذه النافذة موديل جديد للستائر (بلاك أوت) يبدو كأنه شباك رديف، بإسدالها تصبح الغرفة ظلاماً كاملاً، ولولا الكهرباء والتكييف لتحولت الغرفة إلى قطعة من الجحيم صيفاً، لماذا أصبح الإنسان يكره الإطلالة الخارجية من منزله؟ لماذا أصبح هاجس الكشف عبر الجيران أو الشارع يقض مضاجع الناس، خصوصاً ناس الصحراء، فسمكت الستائر وتقلصت الشبابيك وارتفعت الأسوار؟ هذا سؤال من الصعب الإجابة عنه فهو جديد طارئ، وإن كانت له أسباب عدة أبرزها عقائدي ويأتي بعده البحث عن الخصوصية التي تشبه العزلة، وهي أمور لم تكن موجودة، فقد كان المنزل يتميز بالرحابة الخارجية، قلة في الغرف، نوافذ تفتح وكأنها باب، لا شيش ولا حواجز حديدية، حوش، كلها دلائل على الالتحام والحميمية، والكرم، ولكم فقط معاينة المنازل القديمة ومقارنتها بالمنازل الأكثر حداثة!

إن النوافذ عاكس لنفسية أصحابها، هناك نوافذ تمتد من الأرض إلى السقف بدون حواجز حديدية أو خشبية، هناك نوافذ حديد أو ألمونيوم، صغيرة أو كبيرة، ملونة أو مصمتة، حتى الزجاج الذي قد يكسي النافذة يعبر عن صاحبه، لكن المعماري الآن بات يضع جنونه أو هيمنته على المالك، وقد يقوم المالك بهذا الدور، والنتيجة ما نراه، غياب ملحوظ للنافذة والإضاءة والهواء الطبيعي لصالح الهواء المعلب دخولاً وخروجاً بواسطة الطاقة الكهربائية!

فاكس: 012054137



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد