Al Jazirah NewsPaper Friday  17/07/2009 G Issue 13441
الجمعة 24 رجب 1430   العدد  13441
براءة الجهل
نادر بن سالم الكلباني

 

أفهم أن ما قاله التاريخ وحفظه من قصص وأحداث دمرت أمم، وهدمت بيوتاً كانت عامرة، وقسمتهم إلى أفراد ومجموعات صغيرة متناحرة ومتضادة، يغشاها الجدل والتنطع بالكلام دون أن تربطها مفاهيم واضحة، ولا تجمعها ثوابت متفق عليها، كانت بسبب تسلط الجهل على أهل ذلك...

... الزمان، وتحكم جهلاء القوم بمقدرات الأمور، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا إلا يبقى منهم غير أطلال تمر ببعضها وقصص نستخلص منها العبر، الذي لا يزال يستعصي علي فهمه أن يكون الجهل بريء ولأول مرة مما يحدث لنا في واقع ملامحه معروفة وبينه لا تحتاج لتوضيح، يتجه به مثقفو القوم ومن يقولون أنهم العالمون فيه نحو الهاوية، ويفتحون في عالم لا يحتاج لمزيد إرباك تجاذبات كثيرة لا تستند على منطق واحد أو واضح يقنع ولو لم يتبع، وضلالات بسحر كلامهم وتشدقهم بالعلم والتحرر ومسايرة زمن تفرض متطلباته أن نخلع ثوبنا القديم ونلبس ثوباً جديداً حتى نلحق بالركب الذي يسبقنا، وأسأل نفسي إن كان غيرنا قد سبقنا في بساط دنيا ستنتهي ما الذي يجعلنا نترك أن نسبقهم في مداد آخرة تدوم لا تنتهي؟.

بعض مثقفينا وأصحاب الرأي فينا هم أصل ضلالاتنا، وتشرذم توجهاتنا، وسبب هذا الإرباك والحيرة التي نعيشها، فنحن على جهلنا فهمنا الأمور على طبيعتها، ونفهم أن المسلم هو المسلم، لا نجد توصيفاً له غير أنه مسلم، ويكفي أن نقول ذلك لنؤكد بطبيعتنا وفطرتنا أن المسلم لابد وأن يكون مقداماً وأميناً وذا عقل يوازن به الأمور ومتحرراً في منطقه وعمله وغيرها من الصفات الأخرى، فالمسلم من أسلم وجهه لله، وهو من سلم كل شيء من أذاه، والمسلم من رعى حقوق غيره وصانها كما يرعى حقوقه ويصونها، بمعنى آخر لفظ المسلم لفظ جامع لأحسن الصفات وأكمل الأخلاق، ولا يحتاج لإضافة وصف آخر معه حتى يكمل، لكننا وتحت وطأة هذا الضغط المبرمج من مثقفينا ومن نعدهم المتعلمين فينا بدأنا نسمع مسلم ليبرالي ومسلم اشتراكي وغيرها من أنواع تحمل في ثناياها أمور خطيرة منها أنه لا يكفي أن يكون المرء مسلماً فقط حتى يكمل فلابد من أن يتصف أو يلتحق بمعسكر آخر يكمل به نقصه، وأن المسلم دون إضافة توصيف آخر له هو نوع من التخلف والجمود على وضع انتهى زمنه، وفي هذا مغالطة كبيرة ومخالفة لما ارتضاه ربنا لنا، على أن تيارات الضغط الممنهجة التي يتبناها مثقفونا أحدثت تأثيرها فينا، وأبعدتنا عن حقيقة الأمر وأصبحنا مجموعات تجعل رابطها الصفات الأخرى المضافة وتهمل الصفة الأساس الجامعة لكل شيء.

ألا يبدو لك الوضع غريباً أن يكون سبب ضعفنا وضياعنا وتشرذمنا هم مثقفونا والمتعلمون فينا... والله المستعان.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد